
نهاية الفكر السياسي الفلسطيني المرحلي
عياد البطنيجي
بتصريح الرئيس عباس للتلفزيون الإسرائيلي كما نقلته صحيفة هآرتس في 3/11/2012 " بأن الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس هي فلسطين وما عدا ذلك هو إسرائيل. الآن والى الأبد". بالإضافة إلى تصريحاته حول حق العودة والتي أثارت سخطاً عاماً، حين قال في اجتماع أمام الطلاب الإسرائيليين في رام الله بأنه "لا يرغب في إغراق (إسرائيل) بخمسة ملايين لاجئ فلسطيني"، وهو الأمر الذي يعني ضمناً التنازل عن حق عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها. فضلاً عما قاله خلال مقابلة مع إحدى القنوات الإسرائيلية: إنه "لا يرغب بالعودة إلى بيته في صفد"، مما عد "تنازلاً ضمنياً" عن حق العودة. بهذه التصريحات يكون الفكر السياسي الفلسطيني المرحلي قد انتهى إلى غير رجعة الأمر الذي يفرض على النخبة الفلسطينية إعادة تشكيل مشروعهم الوطني التحرير من خلال استعادة الشرط التاريخي لوضعهم، أي، وكما يقول نديم روحانا فالمطلوب هو "استعادة الإطار الكولونيالي الإستيطاني" كمحدد لتأطير فهمهم للمشروع الوطني الفلسطيني.
هكذا وفق هذه التصريحات، يصبح اللاجئون الفلسطينيون لهم همََّهم الخاص بهم منفصلاً عن الهمّ الوطني الفلسطيني العام، بالتالي لا شأن للمشروع الوطني الفلسطيني بوضعهم وبحقوقهم التاريخية. أي أخرجوا كونهم فلسطينيين، وأصبحوا شيئاً آخر. هذا الموقف غير منفصل عن تعريف الرئيس عباس للمشروع التحرري الفلسطيني المتمثل بتحقيق الدولة الفلسطينية في "غزة والضفة والقدس الشرقية، وما عدا ذلك هي إسرائيل. الآن وإلى الأبد".
هذا التصريح يخالف قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشر في العام 1974، حين تم إعلان "البرنامج السياسي المرحلي" والذي يعرف أيضاً بـ"برنامج النقاط العشر" الذي نص على " أن أية خطوة تحريرية تتم هي لمتابعة تحقيق إستراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة، حتى تحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة، كما وتناضل السلطة الوطنية الفلسطينية بعد قيامها من أجل اتحاد أقطار المواجهة في سبيل استكمال تحرير كامل التراب الفلسطيني وكخطوة على طريق الوحدة العربية الشاملة".
يؤكد هذا التصريح بشكل واضح لا لبس فيه، أن "الفكر السياسي المرحلي" قد انتهى قبل أن يحقق هدفه المتمثل في إقامة دولة على حدود 1967. بيد أن الأمر ليس ذلك فحسب، بل إن المرحلية حتى ولو تحقق هدفها المتمثل في إقامة دولة على أي جزء من تراب فلسطين، فإنها لن تكون "خطوة على طريق تحرير كامل التراب الفلسطيني" حسب ما هو منصوص عليه في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني. لأن دولة 67، في حالة قيامها، ليست أداة فعالة لاستكمال المشروع الكفاحي التحرري الفلسطيني بهدف "استكمال تحرير كامل التراب الفلسطيني". بل ستكون مجرد أداة تساهم في "خلق نسق عام للإتباع والخضوع" لسلطة المستعمِر. هكذا ستكون الدولة الفلسطينية ليست أكثر من سلطة انضباطية (حسب تعبير فوكو) تتمثل سلطة المستعمِر من ناحية، وتدير السكان في المناطق التي احتلت في 1967 من ناحية ثانية، بهدف ترميم منظومة السيطرة الإسرائيلية في المناطق المحتلة 1967، وتشغيلها وفق الإرادة الإسرائيلية في نهاية الأمر. إن في حالة قيام جهاز سياسي فلسطيني سيادي، إلى جانب دولة إسرائيل، يحكم المناطق المحتلة عام 1967 سيكون فعلياً جزء لا يتجزأ من النظام الإسرائيلي بهدف تثبيته كنظام كولونيالي. بعبارة أخرى سيكون هذا الجهاز- الدولة ليس سوى تشفيف منظومة السيطرة الإسرائيلية الكولونيالية، أي جعلها( الكولونيالية الإسرائيلية) أكثر رقة. هكذا تكون الدولة في السياق الكولونيالي الإسرائيلي أداة لترسيخ علاقات القوة التي تخدم في نهاية المطاف هذا النظام وتكون بالتالي أداة ترمي إلى إعادة إنتاجه. هكذا إذن لن تكون الدولة الفلسطينية خروجاً من النظام الكولونيالي بل سوف تتشكل بحسبه.