خربشات هادفة !

تابعنا على:   23:04 2017-01-16

م. زهير الشاعر

في ظل الاستعدادات الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لتنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وبعد الانتهاء من مؤتمر باريس الدولي الذي غلب عليه طابع الأمنيات والمناشدات، وقد غابت عنه إسرائيل وهي شريك أساس في عملية السلام في مشهد يعيد التاريخ من جديد عندما كان يغيب العرب في ظل تواجدها في أي مؤتمر وكانت النتيجة الخسارة بدون تحقيق أي نتائج تُذْكَر!، كما توج الشكل العام لهذا المؤتمر، كحفلةٍ وداع للمغادرين من حلبة السياسة الدولية، كالرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري.

هذا وكانت قد كشفت وسائل إعلام أميركية اليوم الاثنين أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يعتزم تعيين صهره جارد كوشنر ضمن فريق إدارته ليكون أحد كبار مستشاري الرئيس. وقال مسؤول كبير في فريق ترامب الانتقالي لقناة " أن بي سي"، إن كوشنر وهو زوج إيفانكا ترامب سيخدم في الإدارة الأمريكية القادمة وسيحمل صفة أحد كبار المستشارين المقربين من الرئيس.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بالفعل عن تعيينه لجارد كوشنر البالغ من العمر 36 عاماً والمعروف بهدوئه وطباعه الخجولة أمام الكاميرات، وذلك كمبعوثٍ لعملية السلام في الشرق الأوسط، مما يعني أن هناك توجهاً جدياً ومهماً لدى الإدارة الأمريكية الجديدة لمتابعة ملف عملية السلام في الشرق الأوسط وعدم تجاهله أو إهماله، وهذا أمر إيجابي بحد ذاته يدحض التخوفات المسبقة من توجهات ترامب.

كما أن هذا الاختيار في حد ذاته يحمل رسائل معينة ذات مغزى كبير كون أن كوشنر يهودياً، وهذا يعني إدراكه الكامل لواقع التحديات التي تواجه عملية السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأنه من المفترض بذلك أن يكون الشخص المناسب الذي سيشرح لإسرائيل المخاطر التي ستترتب على عدم المضي قدماً في التسوية السلمية بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي التي يتوجب أن تؤدي في النهاية إلى حلٍ عادل للقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى سيشرح للفلسطينيين أن فرصة تواجده في هذا الملف كمبعوث للسلام كونه يهودياً والأقرب إلى الرئيس دونالد ترامب تستحق الاستثمار ومساعدته في النجاح في مهمته كمبعوث للسلام ، ويدعم هذا الافتراض أن كوشنر هو أيضا رجل أعمال أمريكي ومن أسرة غنية ولها باع طويل في مجال العقارات، أي أنه رجل ذو خبرة في فن التفاوض والإبداع في تشطيب المهمة، كما أنه صاحب فكر ووجهة نظر كونه ناشر في صحيفة "الأوبزرفر" التي تصدر في نيويورك.

هذا أيضاً يأخذنا إلى الاتهامات التي يواجهها رئيس وزراء إسرائيل والتي باتت تهدد مستقبله السياسي، حيث أنه متهم بتلقي هدايا أثناء توليه مسؤولية رئاسة الوزراء، وهذا يتنافى مع القانون ذات العلاقة في إسرائيل، وكون أن إسرائيل هي دولة قانون اتجاه مواطنيها بغض النظر عن أنها دولة احتلال تمارس العربدة اتجاه القانون الدولي ولا زالت ترفض تنفيذ مقرراته، مما يعني أن المشهد في إسرائيل سيأخذ منحى جديد، لربما يكون عنوانه إزاحة بنيامين نتنياهو وإفساح المجال أمام شخصية أخرى لربما تكون أكثر مرونة في التعاطي مع عملية السلام وتساعد في تسهيل مهمة المبعوث الأمريكي الجديد جارد كوشنر أو لربما تكون أكثر تصلباً وتشدداً وتزيد الأمور تعقيدا.

من هنا وبغض النظر عن تسارع وتيرة حالة التخبط القائمة في الساحة الفلسطينية، حيث برزت في الأيام الأخيرة عدة تطورات متلاحقة سخرتها الأطراف المتصارعة كل حسب مصلحته، ومنها أزمة الكهرباء في قطاع غزة، والحوار القائم بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة الروسية موسكو ، إلا أن هناك حقيقة واحدة باتت هي العنوان، وهي تقول بأن التحديات أمام الجانب الفلسطيني باتت تراكمية وشديدة التعقيد، وإن لم يتم إدراك حجم التحديات ومتطلباتها ، لربما تصبح بوابة الصراع الداخلي مفتوحة بلا أخلاق لكي تصل لمرحلة متقدمة لا تُحْمَد عقباها، ولربما تكون في شهر فبراير في أوجها، خاصةً بعد أن يتم الإعلان عن تحديد موعد واضح لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ، إن لم يتزامن ذلك مع تشكيل حكومة وحدة وطنية نابعة من الإيمان بضرورة اختيار أعضائها على أساس الأيمان بالمشاركة السياسية وقدرتهم على تحمل المسؤولية وليس رغبةً في استهلاك المزيد من الوقت للحفاظ على المكاسب والمصالح الذاتية.

لذلك فإن المكابرة وغياب الحكمة السياسية وقصر النظر وعدم الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التعاطي مع توجهات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بحكمةٍ شديدة بعيداً عن التشنج ، وهو الذي على ما يبدو ليس لديه أي استعداد حتى لتوجيه اللوم لإسرائيل في أي مؤسسة دولية، وبالتالي سيتم إجهاض أي حراك لا يتلاءم مع توجهاته هذه أو حسب رؤيته المستقبلية التي لربما يراها هو عملية منطقية وستخدم السلام بين الشعبين، ولربما تكون أكثر صرامة وواقعية، مما سيؤدي إلى المزيد من التسويف والمماطلات التي اعتدنا عليها طوال السنوات الماضية والتي تساهم في فقدان الأمل حيث أنها كانت تخدم مصالح الأطراف مجتمعة فقط بعيداً عن إيجاد حلول منطقية وواقعية وعملية تخدم تطلعات الشعوب في المنطقة، ومن ثم ستؤدي إلى نتائج وخيمة لا تساهم في إرساء عملية سلام أو استقرار في المنطقة.

عوامل كثيرة تؤكد على ضرورة عدم الاستعجال والحكم المسبق والتهور في التعاطي مع التحديات القائمة ، ولكن الأمر المفيد والحيوي وبشكل فوري، هو ضرورة التوافق على أجندة وطنية سياسية حكيمة وجامعة تحت مظلة واحدة ، تتعاطى مع المتطلبات الدولية بعيداً عن الفهلوة وفكرة التصادم أو الدخول في تحدٍ مع هيجان مفترض!.

حيث أن الواقع القائم والأمثلة المرادفة قد أثبتت سابقاً وحالياً ، بأن الخشية من أي هيجان لا تكون مبررة عندما يكون عنوان هذا الهيجان دول مؤسسات يحكمها القانون لا يحكمها مزاج أفراد، ولكن الخشية هي من هيجان وقح وعابث وفارغ المضمون يأتي من دولٍ يحكمها الفساد وترسم لها الطريق العنتريات الفارغة التي تتقاسم المصالح فيما بينها على حساب حقوق وآلام وأوجاع شعبها، والتي باتت مفضوحة ولم تَعُدْ تحمل أي مضمون ذو قيمة وطنية!.

اخر الأخبار