المسافة بين روسيا وليبيا أصبحت صفراً

تابعنا على:   12:26 2017-01-15

د.عز الدين حسين أبو صفية

لم يثبُت حتى الآن أن أحداً من الدول الأوروبية والولايات المتحدة بأن لديهم نوايا جدية للقضاء على تنظيم داعش الذى هو فى حقيقة الأمر صنيعتهم وهم الممولون الرئسيون له بالرجال والعتاد والأسلحة ، حتى أن الأعنف والأكثر قتلاً والذباحون للأبرياء فى التنظيم هم من أبناء هذه الدول لتشويه صورة الإسلام ودمغه بالإرهاب وبالتالى تدمير الدول العربية بذريعة محاربتهم للإرهاب ٠

فعلى مدى خمسة سنوات تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مساحات شاسعة من أراضى دولتى العراق وسوريا واحتل التنظيم الكثير من المدن فيهما ، كما سيطر التنظيم على العديد من آبار البترول والغاز فى تلكما الدولتين لتستحوذ عليه الدول الأوروبية وأمريكا عبر داعش وتركيا بأثمان بخسة لتأمين مصدر مالى للتنظيم لتغطية نفقاته ورواتب مقاتليه وليتمكن من إقامة البنى التحتية وأساسيات الدولة التى يهدف إلى إقامتها تحت مسمى ( الدولة الإسلامية فى بلاد الشام والعراق ) والتى وُعِدَ بجلب إعترافات معظم دول العالم بها بجهد من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما أقرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ( هيلارى كلنتون ) فى مذكراتها٠

هذا وعند تشكيل التحالف الدولى لمحاربة داعش ولأرباك كل الساحات العربية وحرصاً على ألا يفشل المشروع الغربى الهادف الى تفتيت الوطن العربي والسيطرة على النفط والغاز فيها ، لذا سهل التحالف لداعش بإرسال عدداً من قاداته الميدانيين والعديد من مقاتليه للنشاط والعمل فى الساحة الليبية المتجهة للمصالحة بين جميع الفرقاء وذلك لضمان إستمرار الصراع فيها ولإيجاد مدخل يمكن تلك الدول للتدخل فى الشأن الليبى بذريعة محاربة الإرهاب وداعش. ولتسهيل سيطرة داعش على آبار النفط وموانيء تصديره فى منطقة سرت الليبية الغنية بالنفط ٠

هذا ولم تساهم الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة بشكل جدي للقضاء على داعش فى ليبيا أيضاً بل كانت تتلكأ فى ذلك إلى أن بات الخطر الداعشي يغزو أراضيها ويهز أمنها بهجماته الإرهابية المتعددة وفى العمق الأوروبي ٠

إذن السياسة الأوروبية والأمريكية فى هذه الدول العربية هو إطالة أمد الحرب على داعش وليس إنهائها وذلك بهدف تخريب وتدمير البنى التحتية والفوقية فيها حتى يكون حجم عمليات إعمارها بمبالغ خيالية ، وهذا بدى واضحاً من سلوك بعض الدول الأوروبية وأمريكا بالتسابق بدفع بعضاً من وحداتها العسكرية وأسراباً من مقاتلاتها الحربية لقصف بعض مواقع داعش بشكل خجول لا يرقَ إلى مستوى الهدف التى أتت من أجله وهو القضاء على داعش. لذا نرى رئيس الأركان الإيطالى يسارع بزيارة للوحدات العسكرية الايطالية فى منطقة سرت فى ليبيا ليؤكد على الوجود العسكري الايطالي فى الحرب ضد داعش ، ويناقش بعضاً من الليبيين حجم حصة إيطاليا فى إعادة إعمار ليبيا ، وهذا السلوك ينطبق على سلوك كل من برطانيا وفرنسا وأمريكا أيضاً ٠

ما نود التركيز عليه هو أن هذه الدول لم تكن جدية فى نواياها وتصريحاتها بمساعدة ليبيا فى حربها للقضاء على داعش، بل هي من ساهم بتصديرمقاتلين وإسلحة وعتاد عسكري مختلف عبر العديد من الوسائل بحيث أصبح داعش محوراً مهماً فى الأزمة الداخلية الليبية وتأزيمها في ظل تعاون بعض القبائل الليبية معها بتوجيه من تلك الدول حتى يبقى داعش مسيطراً على منطقة مثلث البترول الليبى ليسهل نهبه من قِبَل تلك الدول والرافضة لأي تحرك عسكري للجيش الليبي لقتال داعش فى مناطق البترول ومنطقة سرت ، وتقف تلك الدول فى الأمم المتحدة ضد أيّ تحرك لرفع الحظر عن تزويد الجيش الليبي بالأسلحة والعتاد المتطور والمفروض عليه إبان فترة حكم القذافي وقد أفشلت كل المحاولات لاعادة السماح بتزويد الجيش الليبي بالسلاح.

هذا وقد حاول قائد الجيش الليبى ( خليفة حفتر ) بإختراق هذا السلوك الأمريكي الغربي من خلال تحركه تجاه مصر ومقابلة كبار القيادة العسكرية والسياسية المصرية طالباً المساعدة فى دعم الجيش الليبي والوقوف بجانبه فى حربه ضد داعش وضد الإرهاب من خلال تزويده بالأسلحة والمعلومات الإستخبراتية ، ولأن فى ذلك مصلحة للأمن القومي المصري لتأمين خاصرتها الغربية لمنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة لهم عبر الحدود المشتركة بين مصر وليبيا ٠

هذا وبعد حسم الجدل الليبى بشأن تولى خليفه حفتر لقيادة الجيش الليبي الذي تعترض عليه الدول الأوروبية وأمريكا حيث حسم ذلك باستمرار تولى حفتر لقيدة الجيش الليبي والذى عارضه أيضاً تياران و بعض الحركات العسكرية الإسلامية وغيرها الأول : يسعى للإستمرار في سرقة ونهب البترول الليبي ، وهذه الحركات لا يعنيها قتال داعش بل أن هناك تنسيقاً معه بشأن تقاسم البترول والنفوذ في المنطقة وكذلك قتال ومعارضة الحكومة المعترف بها رسمياً ودولياً. والتيار الثاني : هو النظام الرسمي والحكومة والبرلمان المعترف بهما دولياً والذي تم التوافق بشأنها دولياً ومحلياً أيضاً. وهذا التيار حسم الجدل حول موضوع ووضعية ( خليقة حفتر) فتم الإقرار بتعيينه قائداً عاماً للجيش الليبي وبعد فشل كل من آمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا فى تعطيل ذلك وبمساندة أممية خبيثة وغير واضحة المعالم فى محاولات منها للقاء حفتر الرافض لأيّ لقاءٍ معهم على أرضية مناقشة تخليه عن قيادة الجيش لإزاحته ليتولى أيّ منصب سياسي آخر.

تمكن حفتر بعد ذلك من التوجه الى سرت والسيطرة على أجزاء مهمة وشاسعة منها وعلى رأسها سيطرة قواته على سبعون فى المئة من النفط الليبى وأصبحت راياته الجماهيرية تتصاعد وتماسكت علاقاته مع النظام والسياسيين الذين يديرون شؤون البلاد. مما دفع ذلك بحفتر الى إعادة رسم خارطة التحالفات فى ليبيا حتى يضمن استمرارية :

١) التصدى لتنظيم داعش ومحاربته عسكريا فى الساحة الليبية.

٢) إستمرار وجوده على رأس الجيش الليبي لضمان كسب مؤيدون له سياسياً وعسكرياً وجماهيرياً.

٣) تقوية التحالف مع مصر وفتح باب التحالف مع أحدى القوي العالمية العظمى لتكن مساندة له فى مقابل القوي الغربية والأمريكية. فكانت روسيا.

روسيا التى تعلمت من الدروس الأمريكية المخادعة لها عندما تركت حليفاها العراق ليوجه مصيره منفرداً إبان الحرب ضده من قبل تحالفٍ تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتسببت فيما يغرق فيه العراق الآن مستغلة إنشغل الإتحاد السوڤيتي فى مشاكله السياسية وتفككه ومن بعده روسيا فى وضعها الإقتصادى والصناعى المتراجع. والدرس الثانى هو تخليه عن الساحة الليبية بناءً على تفاهمات مع الإدارة الأمريكية بألا تدخل أمريكا الساحة الليبية عسكرياً. إلا أنها أصبحت أكثر تدخلاً مع الدول الأوروبية الأخري فى الساحة الليبية وتصدير داعش إليها حتى تظل أسطوانة الحرب ضد داعش على الطريق لتدمير ليبيا ومن ثم السيطرة على البترول فيها والذى سيؤول بأثمان بخسة لهذه الدول ، وفى كلتا الحالتين خسرت روسيا أكبر صديقين وساحتين مهمتين لها فى مواجهة تمدد حلف الناتو وهما الساحة العراقية والساحة الليبية بحيث تراجع الوجود الروسي كقوة عظمى مجابهة للتواجد الأمريكى والغربي وتحالفاتهم. وهذا ما دفع بروسيا الى التدخل عسكرياً وبقوة فى الساحة السورية حتى يبقى محافظاً على ما تبقى له فيها.

هذا وبعد نجاح روسيا فى دعم النظام السوري وإعادة ترتيب الأوراق لصالحه وصالح الدولة السورية ، كان عليه أن يعيد وجوده وتواجده وتوسيعه فى ساحة المتوسط ضمن الفهم القديم الجديد وهو المحافظة على أمنه القومي.

ومع تلاقى هذا الهدف مع هدف حفتر نحو كسب حليف قوى يسانده فى توجهاته للقضاء على داعش والتنظيمات الإرهابية الأخري النشطة فى ليبيا مع إسناد الجيش الليبي وتدريبه وتزويده بالسلاح المتطور ومن ثم تقليص الدور الأمريكى والأوروبي ليس فى ليبيا فقط بل فى الإقليم بشكل كامل ٠ ومن ثم إعادة بناء الدوله الليبية وإعمارها وحرمان تلك الدول من أي دورٍ فى إعمار ليبيا.

ومن هنا كان ما دار فى كواليس تواصل حفتر مع القيادة السياسية والعسكرية الروسية أن أُتيح قيام حاملة الطائرات الروسية المتواجدة فى المتوسط ( أدميرال كوزنتسوف) بالتوجه الى المياه الإقليمية الليبية قبالة مدينة ( طبرق ) الليبية الساحلية. ومن ثم توجه حفتر بزيارتها حيث أستقبل بشكل لائق جداً وقام بجولةٍ من على ظهرها فى صورةٍ إستعراضيةٍ هادفةٍ إلى التأكيد على عمق العلاقة مع القيادة الروسية وتوج ذلك بلقاء حفتر مع وزير الدغاع الروسى عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة ( الفيديو كنفرنس ) ، حيث طرح حفتر فى حواره معه كل ما يخطط له من دعم الجيش الليبى ومساندته فى حربه ضد داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى المتواجدة على الساحة الليبية. و ذلك عسكريا أولاً بتدريب الجيش وتزويده بالأسلحة الحديثة والمتطورة. ثانياً سياسياً للتأكيد على حق الجيش الليبى بالتسلح و بشراء السلاح ورفع الحظر عنه فى المحافل الدولية ٠

ومن هنا يمكن إجمال الصورة بأن ميلاد تحالفٍ جديد وان يكن غير مُعلن قد بدأ يشق طريقه للتصدى إلى الدول الإوروبية وأمريكا التى انفلت عقالها فى الساحة الليبية بعد تراجع الدور الروسي فيها ،

وقد شكل عصب هذا التحالف كل من ( روسيا ومصر وحفتر ليبيا ) لتطابق المصالح بينهم فى أكثر من مكان وموضوع أهمها ::

١) بالنسبة الى روسيا إعادة وجودها ونفوذها فى المنطقة وتوسيعه.

٢) سعي روسيا إلى أن يكون المصدر الأساسى للسلاح إلى كلٍ من ليبيا ومصر وأن تشارك فى إعمار ليبيا.

٣ ) الإنتشار البحري الروسي فى المتوسط والشمال الأفريقي بشكل عام وعلى الخاصرة الجنوبية لأوروبا كرسالة واضحة وقوية بأن روسيا لن تتهاون ولن تتنازل عن حماية مصالحها بالشكل الذي تراه مناسباً وحفاظاً على أمنها القومي وأمن حلفائها.

وهذا ما يفسر إحتمالية التدخل العسكري الروسي فى ليبيا لمحاربة داعش والإرهاب على غرار السيناريو فى سوريا ، وبالتالى تصبح المسافة بين روسيا وليبيا تصبح صفراً

 

 

اخر الأخبار