ما يجري اصبح خطير

تابعنا على:   19:37 2014-02-18

عباس الجمعة

ما يجري اصبح خطير والأفكار المتداوله بين الكواليس من خلال المفاوضات اصبحت في التفاصيل، وخاصة ان ما يتم الحديث عنه يمثل تنازلاً خطيراً ولا يعدو بالنسبة كونه موقفاً شخصياً لا يلزم أحداً، فقضية اللاجئين التي هي حق وطني وشخصي تتطلب من القيادة الفلسطينية عدم التفريط بهذا الحق المقدس وذلك عبر التمسك بعودتهم إلى ديارهم التي شردوا منها وفق القرار الدولي 194 ، لان هذا الشعب لم يسمح لاحد ان يتحدث عنه بخصوص هذا الحق ولا يمكن ان يغرق كيان العدو بالملايين لتغيير تركيبته السكانية، فالشعب الفلسطيني يريد العودة الى دياره ومممتلكاته التي هجر منها ، واي تنازل بشأنها وفق مخطط كيري يعني المس بالثوابت الفلسطينية.

وفي الوقت التي تتسع وتتعمق المعارضة الشعبية لخطة كيري التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وليس حلها. ويتوالى الحراك الشعبي ، مندداً بهذه الخطة ومنبهاً الى مخاطرها، وليس فقط على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بل وكذلك على مجمل الوضع السياسي في المنطقة العربية، وعلى العلاقات العربية المتبادلة، نشعر ان التأويلات والتفسيرات التي تثير المزيد من القلق، وتساهم في تعميق التداعيات السلبية لها، والأمر المفجع أنه في الوقت الذي يستمر فيه التكتم الرسمي العربي، فان ما نسمعه عن طمأنة الشعب الاسرائيلي بخصوص المستقبل مقابل تقدم ما يسمى السلام في ظل استمرار اسرائيل بسياستها العدوانية التوسعية يثير لدى الشعب الفلسطيني مخاوف كبيرة ،لان اي تنازل هو استسلام للباطل والأنحناء لمنطق القوة بسهولة.

لقد كان من المستحيل على أي جهة مهما كانت المضي في المسار المؤدي إلى تسوية سياسية مع اسرائيل الا بعد القضاء على نفوذ التجمعات الفلسطينية الرئيسية في الشتات وكسر ظهرها بحيث لا تعود قادرة على المعارضة الفعلية والمؤثرة لذلك المسار ، وان ثقافة السلام االمبنية على التنازلات من خلال أفكار وشعارات يتم طرحها وتسويقها ،هي أفكار عجيبة وغريبة لا يمكن قبولها تحت اي ظرف كان

 ان ما يطرح من الغاء حق العودة واستبداله بتسهيل هجرة الفلسطينيين الراغبين الى كندا او استراليا، مع تقديم كل التسهيلات لهم لتحقيق ذلك، كذلك النص على ان القدس عاصمة اسرائيل، وأن عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون خارج القدس التاريخية. كما تنص الخطة الامريكية على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ويحق لاسرائيل استخدام فضائها الجوي كما تشاء دون ان يكون للدولة الفلسطينية حق مقابل لذلك في اجواء اسرائيل. وللاستجابة لمتطلبات اسرائيل الأمنية سيتم وضع قوات الناتو في الأغوار دون وجود قوات اسرائيلية. وسيتم الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، الأمر الذي يهدد الشعب الفلسطيني المقيم في فلسطين عام 1948.

فالاعتراف بيهودية الدولة يشكل تهديداً جديداً لتشريد العرب الفلسطينيين، تماماً كما حدث عام 1948. وأما اللاجئون الفلسطينيون الذين يرفضون الهجرة الى كندا او استراليا فيمكنهم التوطن في اماكن اقامتهم الحالية، أي في الأردن وسوريا ولبنان، علماً انه ستتم دراسة احتمالية بقائهم في لبنان، لما لذلك من انعكاسات على التركيبة السكانية والطائفية فيها. والأمر الأخطر هو الابقاء على الكتل الاستطيانية الكبيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن تحت الادارة الاسرائيلية.

وهنا السؤال اين اصبحت قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي- الاسرائيلي, ولماذا استبدالها بقرار جديد تتبناه الولايات المتحدة، فتشرف على تنفيذه، هذا مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت حق النقض ما يقرب من 40 مرة لاعفاء حكومة الاحتلال من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وحمايتها من اي نتائج تترتب على عصيانها لقرارات الأمم المتحدة. والان فان واشنطن تبذل جهوداً محمومة لايجاد تسوية للقضية الفلسطينية تساهم في منع زعزعة نفوذها في المنطقة في ظل التبدلات في ميزان القوى العالمي، وفي ظل الاحتمالات المتوقعة للتطورات الحالية في المنطقة العربية، وخاصة في ظل التبدل في المزاج الدولي ازاء حكومة العدو ، صحيح فقد اتخذت الأمم المتحدة قراراً بالاعتراف بدولة فلسطين غير كاملة العضوية الأمر الذي يستدعي انهاء الاحتلال، كما اتخذت قراراً يؤكد حق تقرير المصير للفلسطينيين. وبجانب ذلك تتسع اجراءات الحصار الدولية على حكومة العدو والتي من اهمها المقاطعة الواسعة في امريكا واوروبا ، ومقاطعة الاتحاد الاوروبي لمنتجات المستوطنات.

فان الاصرار الأمريكي لايجاد تسوية للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن، يستهدف حماية المصالح الأمريكية والابقاء على نفوذها في المنطقة ووضع حد لمؤشرات محاصرة اسرائيل المتزايدة. ولكن الأمر الأهم هو محاولة الاستفادة من الظروف السائدة في البلاد العربية وفي مقدمتها ضعف الوضع الفلسطيني الذي يعاني من انقسام خطير، وثانياً انتهاز فرصة تدهور الأوضاع العربية وانقسام الدول العربية وانشغال غالبيتها بمشاكل داخلية معقدة، بما يسمح لها بالحصول حالياً على ما كان غير ممكن الحصول عليه سابقاً.

ان الخطة الأمريكية تهدف الى شطب حقوق الشعب الفلسطيني وحماية امن كيان العدو ومصالح الولايات المتحدة، وهي ستفجر صراعاً وخلافات من نوع جديد، سواء على الساحة الفلسطينية او على امتداد الساحة العربية، وستكون نتيجة هذه الخطة تحويل الصراع الفلسطيني والعربي-الاسرائيلي الى صراع فلسطيني-فلسطيني، وعربي-فلسطيني، الأمر الذي من شأنه اشاعة الفوضى في المنطقة العربية، وبالتالي ايجاد الشرق الأوسط الجديد، باستخدام خطة الفوضى الخلاقة، والتي ستؤدي الى تعزيز دور كيان العدو في المنطقة والابقاء على النفوذ الأمريكي واستمرار خضوع العرب لنهج القوى الامبريالية وارتباطهم تبعياً بمراكز الرأسمالية العالمية.

وهنا لا بد من التوقف لنتوجه بالسؤال من يحرض ضد من ، ولماذا نسمع كلاما من عن التحريض بكل الجانبين ، وهنا نسأل لماذا نساوي بين الضحية والجلاد، هل المطلوب من الفلسطيني أن ينسى تاريخه وجغرافيته وجذوره وكينونته حتى لا يتهم بالتحريض، هل المطلوب من الفلسطيني أن يستجدي مياهه من المحتل الذي يسرق قطرات مياه شربه ويتحدث عن "تمييز فادح" في توزيع المياه بدل تسمية الأسماء باسمها والسرقة بالسرقة وليس تمييز، ، هل معقول ان الفلسطيني اللاجئ الذي بعد 65 عاما من التيه والتشرد والتفتت، والقلق والخوف، بأنه بات يشكل "طوفانا" يهدد بإغراق الدولة التي قامت على أنقاض أوجاعه وأرضه وممتلكاته، وأنه سيعود إليها لأن هذه العودة "حق غير قابل للتصرف" وهل ما حدث من هدم لمخيم اليرموك الذي يقطنه 650 ألف لاجئ هو جزء من خطة لتصفية حق العودة ، كما ان الفلاح الذي يزرع أرضه والذي يقدر العالم "حساسيته للأمن" في مواجهة مستوطن يلبس بزة عسكرية ويجرف منزله ويعتقل أولاده ويستولي على أرضه بأن هناك من يحميه من أبناء جلدته لم يعلم ان شعبه واقع تحت الاحتلال.

ها هو الفلسطيني المناضل الفقير المحتاج ابن المخيمات التي مازالت ترتفع فيه صور الشهداء والقادة الشهداء، وصور رمزفلسطين ابو عمار ، يتطلع الى الجميع ليقول لهم ما يجري في المنطقة هدفه النهائي شطب فلسطين من المعادلة، ويستعجل الاسرائيلي الأمر طالما ان العالم العربي مشغول كل بذاته، إنها اللحظة التي انتظرها الصهاينة وعملوا لها، وه اهو أملهم قد صار قاب قوسين او ادنى.

وغني عن القول لا بد من حراك جماهيري واسع ضد اي مشروع يستهدف شطب حقوق الشعب الفلسطيني، وضد اي صمت ازاء محتويات خطة كيري، وهذا يتطلب من جميع الفصائل والقوى اتخاذ موقف صريح وواضح ضد الخطة، ويعلن التمسك بالدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولته الوطنية كاملة السيادة على ارضه وعاصمتها القدس، والتمسك بحق العودة وانهاء الاحتلال.

وامام ما تقدم يجب رفع الصوت عاليا لوقف اي حالة تطبيع والالتزام بالدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وهذا يستدعي من الجميع فصائل وقوى ومؤسسات ان تسعى بكل جهد لانهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية الضمانة الأكيدة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ، و التصدي الفعال لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال التمسك بكافة الخيارات الكفاحية.

لهذا نقول على امتداد قرن من الزمن واجه الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية الغزوة الصهيونية، وابتدع الأشكال النضالية المختلفة في الدفاع عن وطنه وحريته وعروبته، وهو قادر على التصدي لخطة كيري وإفشالها حتى وإن حاول كيري تعزيز خطته من خلال البحث عن غطاء ودعم رسمي عربي، فان اللحظة اصبحت اليوم اكثر ملائمة كي تعود القضية الفلسطينية الى عمقها العربي، بما يعني أنه على الأحزاب العربية وقوى التحرر العربية وضع القضية الفلسطينية على جدول أعمالها حتى تتكامل جهودنا وننجح في التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني.

ختاما : على منظمة التحرير والفصائل والقوى استثمار الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العمومية للأمم المتحدة كعضو مراقب، والاسراع في الانضمام إلى هيئاتها ومؤسساتها الأخرى (محكمة العدل الدولية، محكمة الجنايات، مجلس حقوق الإنسان.. إلخ) لأن هذا الانضمام اصبح ضرورياً للفلسطينيين، والإسراع بإنجاز الخطوات الضرورية المتعلقة به، وخاصة بعد أن اتضحت أضاليل مقترحات كيري وخطورتها، وإطالة أمد المباحثات التي لا جدوى منها، وهذا بحاجة الى رد وطني فلسطيني يستند في قوته ومشروعيته إلى القرارات الدولية يحتاج تطويره إلى خطوات فلسطينية (جريئة) بالتمسك بالثوابت الفلسطينية المشروعة وفق قرارات الأمم المتحدة ، ورفض المراوغة الأمريكية ، والصهيونية .

اخر الأخبار