جون كيري وإسرائيل: القليل للغاية... متأخر للغاية

تابعنا على:   07:42 2017-01-03

رشيد الخالدي

خلال خطاب ألقاه مؤخرا يرسم ملامح تصور إدارة أوباما لاتفاق سلام نهائي بين إسرائيل وفلسطين، أعلن وزير الخارجية جون كيري أن الأمر الذي كان واضحًا أمام أغلب المراقبين على مدار سنوات كثيرة أن بناء إسرائيل لمستوطنات يهودية على أراضٍ فلسطينية محتلة تسبب في نسف حل الدولتين. إلا أنه للأسف، يأتي خطاب كيري ليقدم القليل للغاية في وقت متأخر للغاية.
عام 2013، في أعقاب توليه حقيبة الخارجية بفترة قصيرة، حذر كيري من أنه تبقى هناك فرصة زمنية لا تتجاوز عامين أمام جهود إقامة دولة فلسطينية. اليوم، وبعد مرور قرابة أربع سنوات وخلال الأيام الأخيرة له بالمنصب، حدد كيري أخيرًا الملامح العامة لحل الدولتين. إلا أنه مع تلميح الرئيس المنتخب دونالد جيه. ترامب إلى أنه سيجعل من الولايات المتحدة حليفة لحكومة إسرائيل شديدة التطرف في دعمها لحركة الاستيطان، فإن الاحتمال الأكبر أن الملامح العامة التي رسمها أوباما وكيري سيطويها النسيان، على غرار ما حدث مع مثيلاتها التي أعلنها بيل كلينتون منذ 16 عامًا.
خلال فترة السنوات الثماني التي قضاها أوباما في البيت الأبيض، شهدت أعداد المستوطنين الإسرائيليين داخل مستوطنات غير قانونية قفزة كبيرة بمعدل بلغ 100 ألف نسمة ليتجاوز الإجمالي 600 ألف نسمة. في الوقت ذاته، فإنه على امتداد ثماني سنوات عمد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى توجيه سيل من الإهانات المتعمدة إلى رئيس الولايات المتحدة. وأخيرًا، قدمت إدارة أوباما رد فعل تمثل في الخطاب الذي ألقاه كيري وعبر السماح بتمرير القرار رقم 2334 الذي يدين التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن خلال ذلك عملت، تصرفت الولايات المتحدة ببساطة على نحو يتوافق مع القانون الدولي والإجماع العالمي القائم منذ قرابة 50 عامًا.
في تلك الأثناء، يترعرع جيل ثالث من الأطفال الفلسطينيين في ظل احتلال وحشي، بينما تعاني غزة من الحصار منذ أكثر من عقد. وأصبح الفلسطينيون مضطرين لطلب تصريح من القوات العسكرية الإسرائيلية للحصول على أكثر احتياجاتهم الأساسية، مثل العلاج الطبي أو السفر إلى الخارج أو حتى مجرد الذهاب إلى القدس. ومثلما تساءل كيري في خطابه: «هل يقبل إسرائيلي العيش على هذا النحو؟ هل يقبل أميركي العيش على هذا النحو؟».
ومن غير المثير للدهشة أن نجد أن اليأس الذي أججه التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وأعمال سرقة الأراضي في القدس الشرقية والضفة الغربية وغلق جميع السبل نحو تحقيق تطلعات الشباب الفلسطيني، أفرز أمراضًا اجتماعية خطيرة، بجانب موجات من أعمال العنف.
من ناحية أخرى، فإن الملامح العامة التي رسمها كيري والقرار رقم 2334 لن يغيرا الكثير من هذه الصورة الكئيبة ولن ينقذا إرث إدارة أوباما من صورته الفاترة فيما يخص فلسطين. والملاحظ أن القرار الصادر عن مجلس الأمن لا يتضمن آلية داخلية لفرضه، بجانب أنه غير ملزم بالضرورة. ومع هذا، يدعو القرار الدول إلى «التمييز، في إطار تعاملاتها، بين أراضي دولة إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام 1967». ويوفر هذا مبررًا من داخل القانون الدولي لفرض دول عقوبات أو اتخاذ قرارات مقاطعة السلع المنتجة داخل المستوطنات، وامتناع نقابات واتحادات وجامعات عن الاستثمار في أصول تخص شركات تدعم استعمار الأراضي الفلسطينية.
والملاحظ أن ثمة تأييدًا واسعًا قائمًا بالفعل حيال مثل هذه الإجراءات، حتى داخل الولايات المتحدة. وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد «بروكنغز» مؤخرًا أن 46 في المائة من الأميركيين يعتقدون أنه ينبغي لحكومتهم فرض عقوبات ضد إسرائيل بسبب بنائها مستوطنات جديدة. وترتفع هذه النسبة إلى 60 في المائة في صفوف أنصار الحزب الديمقراطي.
وربما لو كانت هناك عدة قرارات أخرى مشابهة تتميز بالمستوى ذاته من الصياغة الحازمة من جانب مجلس الأمن على مدار السنوات الثماني، فإن ذلك كان يمكن أن يخفف من شعور الحكومة الإسرائيلية وحركة الاستيطان بالحصانة على مدار تلك الفترة الطويلة. ربما لو كان حدث ذلك، لكان الإسرائيليون أدركوا أنه ليس باستطاعتهم المضي قدمًا في عملية توسع استيطاني بلا نهاية والحصول على دعم أميركي سخي في الوقت ذاته. وربما في مواجهة تصويت بنتيجة 14 - 0 - 1، على نحو يمثل رأي كل دولة قائمة على كوكب الأرض، كانت حكومة نتنياهو لتوقف حملتها الاستيطانية المحمومة.
ومع هذا، ربما أيضًا لم يكن ليحدث ذلك. منذ التصويت الذي أجري مؤخرا، استدعت حكومة نتنياهو السفراء الإسرائيليين لدى اثنتين من الدول التي تولت رعاية القرار وحدَّت بصورة مؤقتة من روابط التعاون مع 12 دولة أخرى من أعضاء مجلس الأمن التي صوتت لصالحه. واتهم نتنياهو إدارة أوباما بتدبير «فخ مشين»، كما لو القرار كان مجرد حيلة قذرة، وليس إجراء يتوافق مع سياسة أميركية قائمة منذ أمد بعيد والقانون الدولي. كما تعهدت حكومته بالمضي قدمًا في خططها لبناء المزيد من المستوطنات.
الواضح أن حكومة نتنياهو لن تقدم طواعية قط على إقرار تسوية سلمية وعادلة. وإذا ما اختارت إدارة ترامب الانضمام إلى نتنياهو في هذا المسار، فإن هذا يخلق حاجة إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل داخل أطر مثل الأمم المتحدة، وكذلك من خلال حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات - وهي جميعها أدوات ضرورية.
ويتعين على دول أوروبية وروسيا والصين والهند والمجتمع المدني داخل الولايات المتحدة وغيرها العمل بصورة حاسمة على العمل على فرض عزلة عالمية ضد أنصار الاحتلال والاستعمار المستمر لفلسطين. ورغم أن القرار رقم 2334 والخطاب الذي ألقاه كيري يمثلان خطوة قصيرة للغاية في وقت متأخر للغاية، فإنهما يخلقان فرصة لاستجابة عالمية آن أوانها منذ فترة طويلة تجاه الصلف الإسرائيلي والداعمين الأميركيين لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه التي لا يمكن نكرانها.
* بروفسور الدراسات العربية بجامعة كولومبيا
* خدمة «نيويورك تايمز»
عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار