أخلاقنا ... أي سبيل تسلك ؟

تابعنا على:   08:46 2013-10-15

د. جميل مجدي

أصاب شاعر النيل حافظ إبراهيم عندما ربط بين بقاء الأمم وأخلاقها، وساوى بين ذهاب الأمم وذهاب أخلاقها، وخيراً فعل أمير الشعراء أحمد شوقي عندما طالبنا بأن نقيم مأتماً وعويلاً إذا ما أصيب القوم في أخلاقهم، والصحيح أن أخلاقنا اليوم على المحك، القصة لا تتعلق بمنسوب التدين، حيث بات في حكم المؤكد أن الدين شيء أو التدين شيء والسلوك الأخلاقي شيء مختلف تماماً، صحيح أنهما يتكاملان في شخوص محددة لكنهما ليسا دوماً على وفاق في بعض مسلكيات الناس، حيث بات الكذب على سبيل المثال "سمة سائدة" في سلوك الجميع، وبات الصادقون أقلية بالكاد نستخلصهم من بين الألوف المؤلفة التي نصادفها كل يوم.

كان الوفاء بالوعد صفة تلازم أهل الوطن حتى سنوات قليلة، بات الغدر اليوم عنوان العلاقات الاجتماعية، حتى بات الوفاء والأوفياء في مكانة تليق بالأنبياء في زمن التردي الاجتماعي والأخلاقي، لماذا بات علينا أن نحلف بأغلظ الأيمان وبعقد كل الهاءات وبكل الأرواح والدماء حتى يصدقنا الناس؟ ولماذا أصبح الأمناء على أي قضية متهمون طيلة الوقت بأنهم أكثر من سيساوم عليها؟ ولماذا يتوجب علينا اليوم أن نقسم بالغالي وبالنفيس وبالمهج والنفوس للتدليل على موقف أو التأكيد على مبدأ؟ أليس هذا دليل على اعتلال أخلاقنا وحاجتنا إلى مراجعة سريعة للمنهج والسلوك.

لا شيء يمكن أن يتعرض أي مجتمع إلا إذا كانت حريته ناقصة، والمعروف أن حريتنا ناقصة بفعل وجود الاحتلال ومع ذلك فإن ممارستنا السياسية هي ليست موضع نقصان، لكنها لا تخلو من عيوب قاتلة، فما العلة إذن؟ الواقع أن هذا التساؤل يعطي مجمل الوصف لمشاكل الفلسطينيين السياسية، فهو يثير التفسير بوجود مساعي، الاستعمار ومؤامراته، وذلك أمر خطير يجعل الوحدة الوطنية أجل قيمة وأعظم أهمية، ويكرس أهمية وأولوية الإرادة الشعبية وبتعبير آخر، فقدان القوة الروحية وانهيار الأخلاق، فلولا ذلك ما وجد الاحتلال جيش العملاء العاملين في الداخل، واللذين يعتمد عليهم في تنفيذ أهدافه الميدانية والسياسية تلك هي مشكلتنا الرئيسية، وإن أهميتها لتجعل جميع ما نعرف من قضايانا السياسية تنحصر وتذوب فيها مؤكدة أن ليس للفلسطينيين مشاكل سياسية متعددة، بل مشكلة سياسية واحدة، وأن هذه المشكلة هي في منتهى التحليل: مشكلة أخلاق!!

تجربتنا الفلسطينية كانت أكثر من غنية في مواضيع من نوع التضامن الوجداني والمادي، ومحاولات رفع المعنويات والتعبئة والتحشيد، والدفع باتجاه تكريس الجماعية على حساب الفردية، وإنكار الذات لمصلحة المجموع، إلى جانب قيم التضحية والشهادة ودفع الأثمان من أجل موقف أو قضية، أما حالنا اليوم فينبئ بأن منسوب كل هذه القيم الجميلة في تراجع، وأن السائد اليوم هو محاولة فرض نمط من التفكير تعلو فيه الأنا على الكل، وتتطاول فيه الأثرة في مواجهة الإيثار، ويرتفع صوت الحسابات الضيقة على الصالح المجتمعي، كل هذا يحدث في ظل "بروبوغاندا" مصحوبة ب"ديماغوجيا" غير مسبوقة عن مسوغات أخلاقية لمسلكيات هي أبعد ما تكون عن الأخلاق، ومن هنا كان لزاماً على القيمين على أمر الناس أن يراعوا تدفق هذه الأنماط من التفكير التي يمكن لها أن تودي بالمجتمع وتذهب به في غياهب عصور كنا ولا نزال نتمنى ألا نلج إليها في قابل السنين والأيام.

اخر الأخبار