نظرة سياسية وأمنية ووطنية على مباديء كيري للسلام

تابعنا على:   21:20 2014-02-14

سميح خلف

بلا شك أن تحول ملفات القضية الفلسطينية من أروقة الأمم المتحدة ونصوص ميثاقها والقرارات الصادرة من المؤسسات الدولية والتي تعالج الصراع العربي الصهيوني من مفاهيم حقوق ونكبة وإحتيال وتكريس وطن بديل للفلسطينيين على أرض فلسطين وكقضية إنسانية ووطنية وتاريخية إلى ملفات أمنية تعالج فكرة العنف والإرهاب والتسوية بناء على ذلك، بناء على استقرارية الأمن الصهيوني على الأرض الفلسطينية هو امتهان للقانون الدولي واستهتار والغاء لمبدأ وجود الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والقوة المهيمنة على قرارها في مجلس الأمن وهي كشريك وطرف في المشكلة.

من خلال هذا التصور يأتي كيري للمنطقة بعد عشرات القرارات الدولية والمبادرات السياسية الإقليمية والغربية والتي لا تخرج عن كونها بهدفها الأساسي صيانة الوجود الأمني والجغرافي والسياسي للكيان الصهيوني.

جولات متعددة لكيري بلغت أكثر من سبع جولات ولكن ما يلفت للنظر أن تحرك كيري يأتي في ظل متغيرات إقليمية قادها ما يسمى الربيع العربي في المنطقة والذي أعتقد أيضا في مربعاته بالكامل يخدم نفس السياق ونفس نظرية استقرارية الأمن الصهيوني على الأرض الفلسطينية والمنطقة العربية.

كانت هناك تسريبات لأفكار كيري أو أطروحاته أو قواعد تصوره وتخيله للسلام الدائم والنهائي للمشكل الفلسطيني والصراع العربي الصهيوني الذي تحول إلى ملف أمني كما قلت سالفاً تبحث قضاياه من خلال الوضع الداخلي للمعادلة الصهيونية في المنطقة، وباشراف أميركي ورباعي دولي، وهنا خطورة العبث في هذا الملف الذي لم يستند لأي قرارات من قرارات الشرعية الدولية.

فإتفاق أوسلو كان في منأى عن الدوائر الدولية، بل كان اتفاقا ثنائيا باركت له قوى عربية وباركت له أميركا وفي تصور منقوص لأي حق من الحقوق الفلسطينية لكي تكون مفاوضات دامت أكثر من عشرين عاماً حققت إسرائيل فيها أهوائها وغاياتها فيما يسمى يهوذا والسامرة وأقصت قطاع غزة عن المعادلة السياسية في حصار دائم، وبموافقة غربية على نزع الجزء الفلسطيني في الضفة الغربية (ما يسمى يهوذا والسامرة) لتتصرف إسرائيل به كما يحلو لها مع بعض نداءات أوروبية في فرض حصار تسويقي على منتجات إسرائيل والمستوطنات وهو نقد على استحياء وضغط من أجل تنفيذ مباديء كيري من أجل السلام الدائم والشامل في المنطقة.

مباديء كيري:

أولا الحدود: اتفاقية السلام تقوم على أساس حدود عام 67 مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي حدثت على الأرض منذ ذلك التاريخ.

البند الأول الذي يطرحه كيري يذكرنا بقرار 242 واللغط الذي حدث في تفسيره بين أراضي أحتلت والأراضي التي احتلت، فهو يتحدث عن إتفاقية سلام لدولتين فلسطينية ويهودية على اراضي 67 مع تشريع المتغيرات التي حدثت على الأرض منذ عام 67 أي تشريع الاستيطان ووجود حوالي 650 مستوطن والجدار والطرق الالتفافية في الضفة الغربية، وهذا ينفي عمليا وجود دولة ذات سيادة في الضفة الغربية.

ثانيا اللاجئين: يحق للاجئين العودة لدولة فلسطين أو البقاء في الدول التي يعيشون بها اليوم، مع التأكيد بأن العدد سيكون محدود ووفقا لظروفهم الانسانية وموافقة اسرائيل، دون تحميل اسرائيل مسؤولية تهجير الفلسطينيين.

البند الثاني في فرضيات كيري للسلام يلغي القرارات الدولية ذات الصلة والمسؤولية الدولية عن حق عودة اللاجئين لقراهم ومدنهم مع طرح قضية التوطين وقبول حالات انسانية لجمع الشمل لا تزيد عن 50 الف حالة لمدة 10 او 15 عاما، ويخلي مسؤولية اسرائيل عن كل المسؤوليات التاريخية والقانونية المترتبة عن عملية النزوح واللجوء للاجيئن الفلسطينيين عن أرضهم عام 1948 بل يؤكد شرعية الوجود الصهيوني تاريخيا على الأرض الفلسطينية

 ثالثا تعريف الدولة: في اتفاقية السلام يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية كوطن قومي للشعب الفلسطيني، كذلك يتم الاعتراف باسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي.

هناك خلط في صياغة البند الثالث في تعريف الدولة لأطروحات كيري، فالفلسطينيين هم عرب، ولهم من الديانات الثلاث، فالوطن القومي وجه عربي وليس وجه ديني، وبالمقابل فإن ما يطرحه كيري بالاعتراف العقائدي لدولة نقية العرق أي العرق اليهودي، وهنا مبرر لعملية "ترنسفير" لحوالي 2 مليون فلسطيني في داخل فلسطين عام 1948 فضلاً على أن هذا البند يلغي كسابقه حق العودة للاجئين والحقوق الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وربما يطالب الإسرائيليين فيما بعد تعويضات مادية من عهد الكنعانيين وما قبل ذلك للوجود العربي والفلسطيني على تلك الأرض!

رابعا الأمن: يبقى الحق لاسرائيل للدفاع عن نفسها بنفسها.

البند الرابع وهو يختص بالأمن وتحت حق إسرائيل في ممارسة كل دواعي الأمن في الدفاع عن نفسها يلغي أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على أجوائها وحدودها وأرضها، وتبقى كما هو الحال الآن في الضفة الغربية وتحت أي ذريعة للاجتياحات الأمنية والعسكرية، وهذا ينفي حق الفلسطينيين في دولة مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وغزة، بل يتيح للاسرائيليين مجال أوسع من الآن كدولة محتلة بأن تعبث بالأرض الفلسطينية المزمع الانسحاب منها كما ترى وكما يحلو لها.

خامسا المستوطنات: لن يكون اخلاء واسع للمستوطنين.

المستوطنات وهي مترتبة على البنود السابقة أي إخلاء بعض البؤر الاستيطانية ذات المجموعات الصغيرة المنتشرة على الجبال في الضفة الغربية، أما المستوطنات الكبرى التي تحدث تغييراً ديمغرافيا في نقاء الارض الفلسطينية كأرض وكديمغرافيا فهي موجودة أصلا بحكم اطروحات كيري في القدس والغور والخليل، وهذا أيضا يهدد صفة الدولة ذات الجغرافيا المتصلة.

سادسا القدس: عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون في القدس.

هذه الجملة الخاصة بالقدس عبارة ملغومة ليس لها معنى محدد وليس لها مفاهيم سياسية وأمنية محددة بل لدولة فلسطينية في القدس ربما في أبو غنيم أو بجوار القدس او ما حول القدس، فلم يحدد جغرافياً أين ستكون العاصمة في القدس.

سابعا المعابر: تستمر سيطرة اسرائيل على المعابر مع الاردن.

البند السابع وهو ينسف أي فكر لدولة أصلاً، مادامت إسرائيل تسيطر على المعابر مع الأردن والتحكم في الغور ومن يتحكم في المعابر فهو يتحكم في ما بداخل المعابر أمنيا وسياسيا وهذا أيضا يقف عائق أمام طموح الشعب الفلسطيني في تحقيق ذاته وحريته على أرضه.

ثامنا غور الاردن: تستمر سيطرة الجيش الاسرائيلي على غور الاردن، والذي يحدد الفترة الزمنية لبقاء الجيش الاسرائيلي هو أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

غور الأردن وهو المنطقة الخصبة في فلسطين وهي المنطقة الاستراتيجية المطلة على شمال فلسطين وما تحتويه من مياه طرح كيري أيضا يصب في نفس خانة المعادلة الصهيونية بل يطرح تنسيقا أمنيا أشمل مما هو قائم الآن بين سلطة رام الله والجانب الاسرائيلي وتبقى قضية الانسحاب والسيطرة مرتهنة على وفاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تلبية رغبات المعادلة الأمنية الاسرائيلية، ومن هنا أيضا الزام للكينونة الفلسطينية أن تخضع بالكامل للرغبات الأمنية وملاحقة النشطاء وذوي الفكر والقلم والعلم تحت بند السيطرة الأمنية والوفاء الأمني لأجهزة الدولة المزمع الموافقة عليها.

نلاحظ من البنود الثمانية ان كل البنود تؤدي إلى دولة تسمى دولة "الريح" حيث لا صلاحيات، ولا مؤسسات تشريعية ولا مؤسسات سيادية ولا وحدة أرض ولا سيطرة على الحدود، ولا عاصمة الدولة القدس الشرقية، ويبقى ذلك هو إنهاء جذري واعتراف كامل وتاريخي بأصول المزاعم الاسرائيلية واليهودية على الأرض الفلسطينية بأن أرض فلسطين هي أرض اليهود وهذا أيضا يؤكد أن إسرائيل لن تتخلى بأي حال من الأحوال عن ما يسمى يهوذا والسامرة، بل إعطاء الفلسطينية حكماً هشا في ظل أطروحات ايغال الون في اواخر الستينات وأوائل السبعينات وما هي إلا روابط قرى موسعة لها هيكلياتها الادارية والأمنية ضمن منهجية وبرامج صهيونية يمكن ان تكون أخطر من الواقع الحالي الذي فرضته أوسلو كواقع سلطة في الضفة الغربية.

 

اخر الأخبار