عباس ونتنياهو... والخيارات الصعبة

تابعنا على:   14:19 2014-02-14

أمد/ كتب جيفري كمب*: من المتوقع أن يطرح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، اتفاقه الإطاري على الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، لبلورة ملامح حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي واقتراح تسوية على الطرفين تنهي النزاع وترسي دعائم السلام الذي طال انتظاره. وبحسب التسريبات الأخيرة حول هذا الموضوع، فإن الوثيقة التي يحملها كيري تتضمن مجموعة من المقترحات، منها انسحاب إسرائيلي مهم من الضفة الغربية وتفكيك بعض المستوطنات، وجعل القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، بالإضافة إلى مبادلة الأراضي بين الجانبين، بحيث يحصل الفلسطينيون على أرض متساوية في النقب والجليل مقابل حفاظ إسرائيل على الكتل الاستيطانية الكبرى الواقعة في الضفة الغربية. وتتضمن الوثيقة أيضاً إلغاء حق العودة بالنسبة للفلسطينيين إلى مناطق ما قبل العام 1967، رغم ما ينطوي عليه هذا الاقتراح من صعوبة في تسويقه لدى جموع الشعب الفلسطيني، هذا بالإضافة إلى النص على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة قومية لليهود، ثم وضع الترتيبات الأمنية المهمة بالنسبة لإسرائيل في منطقة غور الأردن، وهو الموضوع الذي أثار جدلاً كبيراً في الآونة الأخيرة بسبب الخلاف على طبيعة القوات الموكلة إليها حماية الحدود الشرقية لإسرائيل، بين الفلسطينيين الذين لا يقبلون فكرة مشاركة قوات دولية أو من حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتأمين المنطقة الحدودية مع الأردن، وبين الحكومة الإسرائيلية المصرة على أن يكون الجيش الإسرائيلي هو من يضطلع بهذه المهمة. وبالنظر إلى التصريحات غير الرسمية الصادرة عن الجانبين، يبدو أن الطرفين يبديان تحفظات مهمة على الوثيقة، ولديهم مشاكل حقيقية معها، لكن لا أحد منهما يريد أن يظهر على أنه الطرف الذي بادر بالرفض وإفشال الجهود الدبلوماسية التي يبذلها كيري.

والحقيقة أن هناك إجماعاً بين كل الأطراف، حتى تلك المشككة في المساعي الأميركية، على جدية الدبلوماسية الأميركية هذه المرة بقيادة كيري، والذي يبدو مصمماً على اجتراح حل ينهي الصراع المزمن، وذلك من خلال تحديد أجندة، أو على الأقل المساعدة في طرح الخطوط العريضة، والتدخل في تسوية النقاط المستعصية؛ مثل الترتيبات الأمنية التي تصر عليها إسرائيل وإشكالات السيادة الكاملة بالنسبة للجانب الفلسطيني. ولعل ما يدل على انخراط جدي لرئيس الدبلوماسية الأميركية استعانته بفريق من المحنكين في شؤون الشرق الأوسط، على رأسهم السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك، حيث أمضى الفريق أسابيع بكاملها في التنقل من رام الله بالضفة الغربية إلى القدس، على أمل دفع الطرفين نحو التوافق على الوثيقة الإطارية، لأنه في حال تفويت الفرصة لإنهاء الصراع فإنها لن تتكرر في المستقبل مع تلميح أميركي واضح إلى أنها بصدد نفض أيديها نهائياً من قضية الشرق الأوسط وصرف انتباهها إلى قضايا أخرى يعج بها العالم.

وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فإن الضغوط الأميركية والمساعي المحمومة للتوقيع على اتفاق الإطار تأتي في وقت غير مناسب، فقد بنى نتنياهو استراتيجيته في السنوات الأخيرة على جر أميركا إلى التعامل أولا مع المشكلة الإيرانية قبل التعريج على القضية الفلسطينية. ولأن الملف النووي الإيراني معقد وصعب، فإن إسرائيل كانت تأمل كسب المزيد من الوقت على الجبهة الفلسطينية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يجد نفسه اليوم مغلول اليدين بالمفاوضات التي تجريها مجموعة الدول الخمس زائد واحد مع إيران، ولا يستطيع بالتالي المجازفة بتحرك عسكري أحادي ضد إيران فيما المفاوضات جارية على قدم وساق.

وإلى غاية هذه اللحظة أبدى الإيرانيون ذكاءً ملحوظاً في إبداء قدر من التعاون مع القوى الدولية، فقط بما يسمح لهم باستبعاد الحل العسكري وتمديد أفق المفاوضات، لكن مصاعب نتنياهو لا تقتصر على السياسة الخارجية، بل تمتد أيضاً إلى الجبهة الداخلية، حيث يواجه برلماناً صعب المراس وتحالفاً تهيمن عليه أحزاب اليمين الأكثر تشدداً من «الليكود» نفسه وغير المستعدة لتقديم تنازلات في ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، بل هدد بعض أقطاب الحكومة بالانسحاب في حال قرر نتنياهو التجاوب الإيجابي مع المبادرة الأميركية. وقد يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي لتجاوز حالة الانسداد الداخلي بتشكيل تحالف جديد يضم أحزاب المعارضة الأكثر اعتدالاً، لكنهم في المقابل سيكونون أقل استعداداً لاستخدام القوة ضد إيران إذا ما فشلت المفاوضات مع القوى الدولية.

بيد أن الصعوبات تمتد أيضاً إلى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فحركة «حماس»، التي تسيطر على قطاع غزة رفضت فكرة التنازلات الضرورية لإنجاح مقترح كيري، كما أنه بدون نوع من المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس»، لن يقبل سكان غزة بالاتفاق، ناهيك عن فلسطينيي الشتات. والأهم من ذلك أن عباس لن يقبل ببقاء قوات إسرائيلية محتلة في غور الأردن لما يمثله ذلك من انتهاك للسيادة الفلسطينية. لكن إذا ما قرر الفلسطينيون الانسحاب من المفاوضات ورفض الخطة الأميركية، فإنهم سيواجهون صعوبات اقتصادية واجتماعية جمة بعد أن تتوقف الولايات المتحدة عن دعمهم، والأمر نفسه ينطبق على الإسرائيليين. فلو أن حكومة نتنياهو رفضت الاتفاق الإطاري وامتنعت عن التوقيع، فستواجه حملة أوروبية واسعة للمقاطعة الاقتصادية بدأت ملامحها تلوح في الأفق، وهو ما سيلحق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي، ويكلفه خسائر باهظة، لاسيما وأن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للدولة العبرية.

ولهذه الأسباب كلها يستبعد المراقبون والمحللون رفض إسرائيل أو السلطة الفلسطينية مقترحات وزير الخارجية الأميركي، بل يعتقدون أن الجانبين سيوافقان وإن بتلكؤ على الاستمرار في المفاوضات، ليس من أجل الوصول إلى حل ما زال مستعصياً، بل فقط لتفادي التداعيات المؤلمة على الجانبين، ومنع كيري من حزم حقائبه والمغادرة للأبد.

* كاتب اميركي يعمل مديراً للبرامج الإقليمية الاستراتيجية في مركز نيكسون بالعاصمة الأميركية واشنطن

عن الاتحاد الاماراتية

اخر الأخبار