المنطقة التجارية الحرة مع مصر بين المصالحة والمصارحة

تابعنا على:   21:58 2016-11-28

أ. سلوى ساق الله

بدأت مصر مؤخراً بالحديث عن دراسة مبادرة الجهاد الإسلامي وسبل تفعيلها من أجل إنهاء معاناة سكان قطاع غزة والأزمة الحالية التي يعانون منها وذلك من خلال إنشاء منطقة تجارية حرة على الحدود الفلسطينية المصرية بين رفح وسيناء.

الفكرة ليست جديدة، فقد طرحتها حماس مسبقاً كخيار قانوني للأنفاق غير الشرعية وخطرها الأمني، حيث سيتم توفير بضائع جيدة وزهيدة الثمن للجمهور الفلسطيني، ضمن إطار فتح آفاق اقتصادية جديدة بسبب ما سيتم منحه من امتيازات كإعفاء المنتجات الصناعية من الرسوم الجمركية، والقضاء على القيود وتعزيز التجارة وتشجيع للإستثمارات، بما يعود بأرباح تصل إلى مليارات الدولارات سنوياً على الخزينة المصرية، وكذلك خروج مصر من دائرة الاتهام بمشاركتها في تشديد الحصار على قطاع غزة. لا شك أن آفاق هذا التعاون المأمول ستعود أيضاً على قطاع غزة من خلال تشغيل الأيدي العاملة وخفض نسبة البطالة، إلى جانب تخلص غزة من التبعية للاحتلال الإسرائيلي.

تأتي هذه الخطوة تعزيزاً للدور الإقليمي لمصر في المنطقة، ولكن من المؤسف أن تتزامن مع توتر العلاقات المصرية مع السلطة الفلسطينية في رام الله لتداعيات دعم القيادة المصرية لمحمد دحلان، في ظل جهود حلف الرباعية العربية الذي يضم مصر والأردن والإمارات والسعودية التي تُبذل لإنهاء الخلاف داخل حركة فتح، واتمام مصالحة فتحاوية داخلية تجمع اللجنة المركزية للحركة مع العضو المفصول منها "دحلان"، وإعادة التلاحم الفتحاوي من جهة، ومن جهة أخرى تبني الرباعية العربية مواقف موحدة تجاه عدة قضايا توائِم رؤية ورغبة قادة إسرائيل لما يجب أن يكون عليه الوضع في المنطقة بما يخدم مصالحهم، وأبرز هذه المواقف: تولي دحلان رئاسة السلطة خلفاً للرئيس محمود عباس، والرؤية المشتركة فيما يخص العلاقة مع إسرائيل وقضية تسوية الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، إلى جانب الموقف المعادي للجماعات الاسلامية المتطرفة ذات الخطر الحقيقي على المنطقة.

ظاهرياً؛ تقتضي مصلحة كل من مصر وإسرائيل معاً إنشاء مثل هذه المشاريع، فهي تعزز مقومات المجتمع الغزي في مواجهة الظروف الصعبة التي يتعرض لها بين الفِنْية والأخرى، والظروف الاقتصادية العسيرة التي يعاني منها منذ سنوات طويلة. وإن تعزيز مقومات مجتمع معافى؛ يحمي الأمن الاستراتيجي القومي المصري والإسرائيلي على حد سواء من اختراقات الفكر الإرهابي للمجتمع وأفكار الشباب تحت دواعي جهادية.

يرحب الجانب الإسرائيلي بمثل هذه الخطوات إذ يرمي حمل غزة عن كاهله، بينما موقف القيادة الفلسطينية رافضٌ تماماً مثل هذه الخطوات التي يتخذها الجانب المصري واعتبار حماس طرفاً فيه وهي خارجة عن الشرعية وتسيطر على غزة منذ حوالي عشر سنوات، وأيضاً حتى لا ترفع إسرائيل مسئوليتها عن غزة والضفة لأنهما ما زالتا تحت الاحتلال، وتحملها أيضاً المسئولية تجاه الشعب الفلسطيني أمام المجتمع الدولى.

تخلت تركيا بعظمتها عن دعم قطاع غزة رغم إتفاقية التجارة الحرة التي تم توقيعها في فبراير 2004 والتي هدفت إلى زيادة التعاون الإقتصادي بين الطرفين، حيث تضمنت الاتفاقية إنشاء منطقة صناعية - ولكن لم يتم إنشاؤها - كانت سَتُشكل نقلة نوعية في مسيرة العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، إنما كانت النتيجة فقط زيادة الواردات التركية إلى فلسطين.

ويبقى السؤال بعيداً عن التحليل النظري لسيناريوهات الخداع المستمرة التي نراها. فمنذ زمن قريب عُرفّت حماس على أنها منظمة إرهابية من وجهة نظر مصر؛ فكيف يمكن لمصر أن تفتح لها ذراعيها على مصرعهما وتعترف بها اليوم شريكاً في اتفاقيات تجارة بين بلدين؟! هل هي فقط الأوامر الإسرائيلية؟ هل يمكن لمصر أن تخفض مستوى سيادتها الإقليمية وتتعاقد مع قوى غير شرعية وغير معترف بها؟ أي معترك يمكن أن تدلي مصر بنفسها فيه في هذا الإطار؟

دفعت حماس بملف المبادرة إلى الجهاد الإسلامي لتقدمه إلى القيادة المصرية، الأمر الذي يلقي بظلاله على مخرج اقتصادي لقطاع غزة، في ذات الوقت ربما دحلان يستغل الفرصة ويلمع صورته لدى أبناء بلده، بينما يقف محمود عباس بعيداً يتأمل ويضحك من السيناريوهات ذات الخداع البصري السياسي.

تتزامن هذه الطروحات مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني اعترافاً بمشروعية النضال الوطني الفلسطيني، وتقرير المصير ودعم صمود اللاجئين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، وانتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة إلى ديارهم وتكريس الجهود للضغط على القوى الدولية لرفع الحصار الظالم عن غزة، ودفع إسرائيل إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين، والذي خصصت له الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام.

يجدر بمصر أن تتخذ مثل هذه الخطوات العملاقة في إطارها القانوني وتكون السلطة الوطنية فيها طرفاً بل شريكاً رئيسياً. كلنا أمل في مصر راعية الحوار الوطني الفلسطيني والتي تشكل عمقاً استراتيجياً لغزة منذ عقود أخذ المبادرة على محمل الجد والموافقة عليها، واتخاذ اللازم لتنفيذ المبادرات ذات الفائدة المشتركة ولكن في الإطار الشرعي والرسمي الصحيح.

لا شك أيضاً أن إطلاق حوار وطني شامل لإنهاء الانقسام الفلسطيني وإتمام ملف المصالحة وتوحيد الجبهة الفلسطينية المنقسمة منذ عدة سنوات، واستعادة الوحدة الوطنية باتت ضرورة حتمية من أجل انهاء معاناة سكان قطاع غزة الذين يقبعون بين المطرقة والسندان، والحفاظ على القضية الفلسطينية وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني المناضل في إقامة دولة فلسطيـــــــــن المستقلة.

 

اخر الأخبار