قبل أن نمنح شيكًا على بياض لترامب

تابعنا على:   15:03 2016-11-27

سوسن الشاعر

بشأن مستقبل العلاقات الخليجية - الأميركية عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، قال وزير الخارجية البحريني إن «العلاقات الخليجية - الأميركية قوية ولا تتأثر بأي ظروف»، مضيفًا أننا لا نبحث عن أي تحالفات جديدة، فـ«حلفاؤنا معروفون ولا يتغيرون».
يؤسفنا أن نختلف مع عموم وزراء الخارجية الخليجيين بهذا الخصوص، أي بشأن (عدم التغير) في علاقتنا الخليجية - الأميركية، فتلك التحالفات التي أشار وزير الخارجية البحريني إلى أنها لم تتغير، جرت مياه تحت جسورها وتغيرت مع الأسف، ومن المبكر جدًا أن نعول على عودتها إلى سابق عهدها، أو نقيس توجه السياسة الخارجية الأميركية بناء على تصريحات رئيسها إبان حملته الانتخابية، فتلك التصريحات كانت لزوم ما يلزم، أما اليوم فقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ولكل حادث حديث ولكل مقام مقال.
سترون أن هناك من سينصح الرئيس الآن بالتروي فيما يتعلق بإيران، والتركيز على السياسة المحلية إلى أن تنتهي انتخابات الكونغرس لضمان الغالبية الجمهورية، وسينصحه فريقه بالأخذ بعين الاعتبار ظروف الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة التي ستجري مايو (أيار) المقبل.
فترامب لن يدخل البيت الأبيض إلا في يناير (كانون الثاني) ليتسلم مهامه الرسمية، وسيفصل بين ذلك التاريخ والانتخابات الإيرانية أربعة أشهر سيهدأ فيها ترامب من تصريحاته المضادة لإيران أملاً في عدم التأثير السلبي على نتائجها، فقد يسهم في صعود المتشددين الإيرانيين (على أساس أن روحاني غير متشدد)، فقائمة المرشحين الجدد تضم من بين الأسماء المرشحة رستم قاسمي على سبيل المثال، قائد التعبئة في الحرس الثوري الإيراني، وتضم كذلك وزير الاتصالات السابق المحسوب على الجناح المتشدد، ولك أن تتخيل حجم التمرد الإيراني في ظل ولاية هؤلاء، لذا فإنه من المتوقع جدًا ألا نرى تشددًا تجاه إيران في الفترة المقبلة، بل بالعكس سنرى خطابًا هادئًا مغايرًا تمامًا عما سمعناه في الحملة الانتخابية.
وقد بدأت بالفعل عبارة «الاحتواء» تتسرب لتحليلات السياسة «الترامبية» الجديدة بخصوص إيران، بعد أن كانت تلك السياسة محل انتقاد في الحملات الانتخابية حين الحديث عن إيران، وسياسة الاحتواء - إن طبقها ترامب - فإنها تعني الاستمرار بالتغاضي عن خروقاتها، سواء كانت تلك الخروقات تتمثل فيما كشفته وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية عن إحباط سلطات الدول الأوروبية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، خططًا ومحاولات كثيرة لبيع مواد نووية قذرة لمنظمات إرهابية ومتطرفة في الشرق الأوسط، في أكثر من مناسبة، آخرها محاولة لبيع مواد نووية إلى «داعش» في فبراير (شباط) العام الماضي في مولدافيا، أو التغاضي عن تجارب إيران النووية الصاروخية، أو السكوت عن تدخلاتها السافرة في الدول العربية ووصول قواتها العسكرية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، فإن التغاضي عن كل هذه الخروقات من جديد من أجل «احتواء» إيران، يعني أننا «لا طبنا ولا غدا الشر» من بعد انتهاء الفترة الأوبامية التي تعكر فيها صفو العلاقة الأميركية - الخليجية لتلك الأسباب.
أضف إلى ذلك أن إيران استبقت وصول ترامب للبيت الأبيض بإعلانها العزم على إجراء مناورات عسكرية مع الصين، وصعّدت في ذات الوقت من تهديداتها بأن عواقب التراجع عن الاتفاق النووي سيعود بالضرر على العالم أجمع، لا على إيران فحسب، فقد قال المرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي، إن تمديد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران لمدة عشر سنوات أخرى ينتهك الاتفاق النووي، محذرًا من رد انتقامي من جانب طهران إذا أقرت واشنطن التمديد.
وفي لقاء مع قوات التعبئة أو ما يعرف بـ«الباسيج» في طهران، أضاف خامنئي أن «الحكومة الأميركية الراهنة انتهكت الاتفاق النووي في كثير من المناسبات». وردًا على تهديد ترامب إبان حملته الانتخابية بإحراق الاتفاقية النووية، قال خامنئي إن إيران هي من سيحرق الاتفاق النووي، إن مددت الولايات المتحدة فترة العقوبات!!
باختصار، إيران تعرف كيف تبتز المجتمع الدولي مثلما فعلت إسرائيل من قبل، ومع الأسف، المجتمع الدولي قابل فعلاً للابتزاز، شئنا أم أبينا، بما فيه الولايات المتحدة الأميركية، دعك من الخطابات والتصريحات، خصوصًا تلك التي تصدر إبان الحملات الانتخابية، إنما واقعيًا فإن إيران تعلمت الدرس، ونحن لم نتعلمه مع الأسف.. إيران ترى أن التصعيد في الخطاب إحدى أدوات الضغط التي بالإمكان استخدامها وقت التفاوض، في حين أننا لم نعرف تلك اللعبة ولم نجدها بعد.
إن تسرعنا بمثل هذه التصريحات التي قيلت في اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين يقدم للولايات المتحدة شيكًا على بياض دون مقابل، وذلك إحدى نواحي قصورنا مع الأسف، ودلالة على عدم الاستفادة من دروس الماضي.. نحن لا نطالب بتصعيد الخطاب، ولو أن ذلك ممكن ومفيد، إنما نطالب بترشيده. فلدينا ملفات كثيرة عالقة مع الولايات المتحدة، منها في السياسة النفطية وفي الحرب على الإرهاب وفي قواعدها العسكرية الموجودة على أرضنا. لدينا إذن مواقع قوة كثيرة ولدينا سلة من الخيارات ما زالت مفتوحة جميعها تحتاج إلى أن «نتفاوض» من أجل تبادل المنافع بيننا وبينهم، وتبادل المصالح بيننا وأن نعمل على تحقيقها بالاتفاق، لا أن نبيع دون أن نشتري!
عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار