"مأساة المناهج الفلسطينية التجريبية دون تطوير على مستقبل طلابنا"

تابعنا على:   14:28 2014-02-10

د.جمال أبو نحل

لو فتحنا جميع محتوى كتب المنهاج الفلسطيني نجد في أول صفحة بعد صفحة الغلاف؛ أن هذا المنهاج وضع تجريبيًا لمدة سنتين أو ثلاثة على أكثر تقدير؛ على أن يتم تعديله وتطويره حسب متطلبات المجتمع والطالب الفلسطيني؛

وللأسف الشديد استمر المنهاج تجريبيًا لسنواتٍ عجاف، لتكون تلك المناهج خالية من تنمية المهارات لطلابنا، وتعتمد على الكم أكثر من الكيف، وتحاكى واقع ومستوى أعلى بكثير من المستوى الفكري والعقلي والمعيشي لطلابنا، مما خلق تسرب مدرسي، وفشل تربوي، وصعوبة وعبء دراسي شديد على الطالب والمعلم معًا، وترفيع ألي، ليصل الطالب للمرحلة الثانوية ومهاراته دون المستوى المطلوب، والبعض الآخر لا يجيد كتابة الإملاء وبعض الكلمات بصورة سليمة، لدرجة أن بعض الجامعات أغلقت قسم الفيزياء منها، لعدم وجود كفاءات علمية من الطلبة الخريجين من الثانوية العامة لدراسة الفيزياء. بدايةً يقصد بتطوير المنهاج: عملية تغيير وتصحيح مقصودة وشاملة متكاملة الجوانب والأسس والأركان، تهدف للارتقاء بجميع نواحي المنهاج المراد تطويرهُ ليتسِق مع المتطلبات الأمنية والوطنية والمحتوى يعد أحد عناصر المنهاج وهو نوعية المعارف والقيم والمهارات التي يقع عليها الاختيار والتي يتم تنظيمها في داخل الكتاب المدرسي على نحو معين لتحقيق الأهداف التربوية، سواء كانت هذه المعارف مفاهيم أم حقائق أو أفكار أساسية. عرف حلمي الوكيل المنهاج بأنه: "التغيير المتعمد لتحقيق أهداف معينة، لهذا فإنهُ يقوم على أساس علمي موضوعي، ودراسة لكل العوامل المؤثرة والمتأثرة به، فالتطوير يستلزم التغيير الواعي، بينما التغيير قد يؤدى أو لا يؤدى إلى التطوير. وعرف الأستاذ الدكتور العلامة على أحمد مدكور المنهاج بأنه: "التغيير الكيفي المقصود والمنظم الذي يحدثه المُربون في جميع مكونات المنهاج، والذي يؤدى إلى تحديث المنهاج ورفع مستوى كفاءته في تحقيق أهداف النظام التعليمي". ويعرفه أحمد شوق بأنه:" تجويد العملية التربوية وصولاً إلى تحقيق أهداف التربية بصورة أكثر كفاءة". وعرفه لبيب وآخرون بأنه: "ذلك التغير الكيفي في أحد مكونات المنهاج أو بعضه، ومنظومته الفرعية الذي يؤدي إلى رفع كفاءة المنهاج في تحقيق غايات النظام التعليمي من أجل التنمية الشاملة". إن تطوير المنهاج في عصر يكاد ينعدم فيه اليقين، ويستحيل فيه تصور" الواقع الافتراضي" للمستقبل... عصر يلهث فيه لاحقه يكاد يلحق سابقه، وتتهاوى فيه النظم والأفكار، على مرأى من بدايتها، وتتقادم فيه الأشياء وهي في أَوْج جِدَتها...عصر تتآلف فيه الأشياء مع أضدادها؛ في هذا العصر يصبح التمسك بالثوابت الدينية، والخصوصية الإسلامية والعربية في مناهجنا التربوية المطورة؛ هو العاصم الوحيد من الوقوع في الفوضى الشاملة، والانهيار الكامل ويبدو بصفة عامة أن الإنسان مند نشأتِهِ قد أحاط به العديد من المشكلات التي ينبغي عليه، أن يواجهها ويعمل على إيجاد حلول مناسبة لها، وهذه المُشكلات متعددة شأنها شأن الحياة نفسها. خاصةً إن التربية من أهم أدوات الضبط الاجتماعي؛ وهي قوة ضابطة لسلوكيات الأفراد؛ إذ يتخذها المجتمع أداة لضمان الحفاظ على مقوماتهِ الثقافية، والفكرية والعقائدية وتعد قوة ضابطة لسلوكيات الأفراد، وأساس تقدم الإنسان وترقيتِهُ في الأرض والتربية والتعليم من أهم مرتكزات التنمية الشاملة؛ حيثُ أُنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء أول أية قُرآنية تؤكد أهمية التربية والتعليم من خلال القراءة؛ قال تعالى:"إ "(العلق:1-5). إن تربية الطالب الفلسطيني اليوم، التي يمكن أن تحفظ له الاستقامة على الفطرة التي فطرهُ الله عليها لن تأتى إلا من طريق تصحيح منهاج التلقي الذي يستقي منهُ الإنسان فهمهُ لطبيعة الإلوهية، والكون والإنسان والحياة، ليكون منهاج التلقي للطلبة ربانيًا صافيًا ونقيًا وواضحًا، صادرًا من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. إن تطوير محتوى المنهاج بفلسطين، أضحت عملية واجبة تقتضى التخطيط المتدرج من طور لآخر ومن مرحلة، لمرحلةٍ أُخرى لإيجاد المُتعلم التقي الورع المؤدب الخَلُوق، العابد العامل، الآمن في نفسهِ وعقلهِ؛ والمحقق الخير والعدل والأمن لنفسهِ وللآخرين، لصنع الفضيلة فيه. إن منهاج التربية " نظام متكامل من الحقائق والمعايير والقيم الثابتة والخبرات والمعارف والمهارات الإنسانية المتغيرة التي تقدمها مؤسسة تربوية للمتعلمين فيها بقصد إيصالهم إلى مرتبة الكمال التي هيأهم الله لها، وتحقيق الأهداف المنشودة فيهم. نحن اليوم في احتياج آكد لتطوير مناهجنا التعليمية في ضوء نظرية أمنية ووطنية؛ وفي ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة، والتي تمثل الضرورات الخمس وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وذلك في ظل منهاج تربوي يعتمد على النظرية التربوية الأمنية والوطنية، التي تعتمد على رؤية تربوية شرعية مستنبطة من خلال الشريعة الإسلامية ومقاصدها الخمسة، المرتبطة بضرورات الدين وحاجياتهِ وتحسينياتهِ. وإن كان تطوير المنهاج أمرًا ضروريًا في جميع المراحل التعليمية للطلبة، فإنه في المرحلة الثانوية أكثر ضرورةً وحاجةً؛ نظرًا لخطورة هذه المرحلة الحرجة والحساسة والتي تتسم بالاضطرابات النفسية والانفعالية، والعقلية، والأمنية عند الطلاب، "كما تتسم باستقلالية التفكير لديهم؛ مما يصعب على الطالب تقبل المفاهيم والقيم دون مناقشتها والاقتناع بها، وإن مقومات التقدم، والرقي بأمن الوطن والمواطن، مرهونة بتقدم وجودة نظام التربية والتعليم، ومن خلال تطوير محتوى المناهج التربوية الذي تقدمه الأمة لأبنائها، كما أن لتطوير محتوى المناهج التربوية دورًا بارزًا ومهمًا لحماية فكر الطلبة وعقولهم، من الأخطار المحدقة من ملوثاث الفكر الدخيل، عبر تربيتهم تربية إيمانية أمنية ربانية؛ تضمن لهم الأمن والطمأنينة؛ يقول الله عز وجل: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"(الأنعام:82). وتشمل عملية تطوير محتوى المنهاج ؛ جميع عناصر المنهاج من الأهداف إلى التقويم، ويقصد بتطوير محتوى المنهاج هو: "التغيير المتعمد لتحقيق أهداف معينة، لهذا فإن التطوير يكون على أساس علمي موضوعي، عبر دراسة لكل العوامل المؤثرة والمتأثرة به، فالتطوير يستلزم التغيير الواعي، بينما التغيير فقط قد يؤدي أو لا يؤدي إلى التطوير، وإن تطوير المنهاج يعني "تحسينه وتجويده وصولًا إلى تحقيق الأهداف المرجوة بصورة تواكب التقدم العلمي، لإعداد الإنسان الصالح للمستقبل للوصول لأحسن الصور، عبر إدخال التحسين والتجديد والتعديل الأحدث، بهدف تحسن العملية التربوية ، ولو أننا قمنا ببناء منهاج حديث بأحسن الطرق وأفضل الأساليب التربوية الحديثة، ثم تركنا هذا المنهاج لسنوات عديدة دون مراجعتِه، أو تطويرهِ، فسُيحكم عليه بالجمود والرجعية والتخلف. وإن عملية تطوير المناهج التربوية يجب أن تكون مُستمرة، ومن أبرز سمات هذا العصر أن المعلومات والمعارف والمهارات تتغير يوميًا؛ بحيث تتلاءم مع احتياجات المجتمع الُمعاصرة. يعد تطوير المناهج الدراسية عامة، والمناهج التربوية خاصة؛ وفي فلسطين بوجه أخص بحاجة إلى أمرين وهما: التطوير في ضوء نظرية علمية إسلامية، والتطوير في ضوء نظرية أمنية مُتسقة مع نظرة الشريعة الإسلامية، ومن الأسباب التي دعت الباحث لهذا المقال البحثي ما يأتي: 1- القصور في محتوى المنهاج الفلسطيني ، لأنهُ لا يسير وفق نظرية منهجية محددة؛ لذلك هناك حاجة إلى تطوير هذا المنهاج وفق القضايا المعاصرة لواقع مجتمعنا الفلسطيني، وحاجة السوق الفلسطينية وملاءمة المنهاج مع قدرات الطلبة التعليمية والعقلية والنفسية. 2- المنهاج الفلسطيني منهاج أُعِدَّ منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة، ولم يتم تطويره لأسباب كثيرة؛ ومنها الانقسام الفلسطيني الحاصل بين غزة والضفة، ومنها ظروف الاحتلال، وقيود الدول المانحة الخ..... 3- إن فلسطين وطن محتل، ويتعرض للتهويد المُمنهج، لطمس معالم الهوية الوطنية والإسلامية من قَبِل المحتل الصهيوني، مما يؤكد حاجة المنهاج للتجويد والتطوير في ضوء متطلبات التربية الأمنية والوطنية المستنبطة من خلال القرآن والسنة. 4- أهمية تضمين محتوي المنهاج التعليمي بفلسطين في ضوء التربية الأمنية والوطنية ومتطلبات مقاصد الشريعة الإسلامية حاجة ملحة وضرورية في زماننا المعاصر وذلك لأن نعمة الأمن في الأوطان، من أعظم نعم الله على العباد؛ قال تعالى: "لإِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" (قريش4:1). 5- عجز المنهاج الحالي عن تحقيق متطلبات التربية الأمنية والوطنية والإسلامية؛ بدليل انقسام الصف الفلسطيني بين فتح وحماس، وتخابر بعض الذين سقطوا في مُستنقع الخيانة، من ضعاف النفوس، الذين باعوا أنفسهم للمُحتل الصهيوني المُجرم، وكذلك ضعف التحصيل الدراسي والتسرب المدرسي، وصعوبة محتوى المنهاج وكثرة العبء الدراسي، وقلة المهارات في المنهاج التجريبي، لدرجة أن المنهاج المصري بغزة القديم فيه تنمية للمهارات أفضل من هذا المنهاج، وكذلك المنهاج القديم الأردني بالضفة الغربية المحتلة به مهارات أفضل من هذا المنهاج الذي وضع تجريبيًا، وبقي تجريبي وكأنهُ نزل من السماء!!. 6- وصف الباحث للواقع الحالي للمنهاج وبيان نقاط الضعف فيه، وكثرة الشكاوى حوله من قبل الطلبة والمعلمين، وأولياء الأمور، وضعف المنهاج الحالي عن ملاحقة التطور الفكري والتقدم العلمي اللازمين للنهضة والتقدم. 7- أن المناهج الحالية وضعت منذ أكثر من عشر سنوات لكى تكون تجريبية لمدة ثلاث سنوات، على أن يتم تطويرها بما يتسق مع متطلبات الحياة، ولم يحدث ذلك حتى الآن؛ ويمكن القول على لسان وزارة التربية والتعليم الفلسطينية الآتي: "أن المنهاج وضع تجريبيًا وقابل للتطوير لكي يتلاءم مع تغيرات التقدم العلمي والتقني، ومهارات الحياة"، حسب كلام الوزارة ونصُه حرفيًا". 8- من الأسس والقواعد المُهمة لتطوير المنهاج بفلسطين أن تستند عملية التطوير على فلسفة ونظرية تربوية واضحة المعالم، نابعة من الشريعة الإسلامية ومستندة إلى دراسة عملية، وعلمية، تراعي الجودة وخصائص نمو الطلبة في كل المراحل العمرية والإفادة من البحوث العلمية والدراسات السابقة، والبحوث التي أجريت في هذا المجال، بحيث يراعي تطوير المنهاج فلسفة المجتمع وتطلعاتهِ، وأهدافه. 9- إن المنهاج بناء هندسي متكامل الجوانب والأركان والمكونات بدءًا من الأهداف والمحتوى إلى الطرق والوسائل وأوجه النشاط والتقويم، بحيث تكون عملية التطوير مستمرة وشاملة. 10- منهاج التربية الفلسطيني، ومكوناته بخلاف مناهج الأرض الأُخرى؛ يتطلب تطويره بصورة متدحرجة ومستمرة حسب الوضع الفلسطيني، بحيث يجعل الإنسان خليفة الله في أرضه، ووظيفته العبادة وعمارة الأرض وفق هذا المنهاج الرباني، وغايته تحقيق السعادة الإنسانية في الدنيا بترقية الحياة وفق إرادة الله عز وجل، والسعادة في الآخرة بالخلود في الجنة جزاء تطبيق شرع الله ومنهجه، وعمل الصالحات في الدنيا، وأساسيات هذا المنهاج هو التصور الإسلامي الوسطي الشامل للكون، والإنسان، والتصور الإسلامي للحياة والمجتمع في الدنيا والآخرة، وذلك بالتقوى، والعلم النافع، والعدل، والحرية، والشورى، والوحدة الإسلامية، وعمل الصالحات، والإحسان والإخلاص في القول العمل، ونحن بحاجة لتطوير المنهاج التربوية بفلسطين ليس عبر "فلسفة أو نظرية تربوية فقط" بل في ضوء تصور إسلامي شامل ومتكامل للألوهية والكون والإنسان والحياة. ويقول أحد علماء المسلمين رحمه الله: "يجب أن يعرف أصحاب هذا الدين جيدًا أنه- كما أنه في ذاته دين رباني- فإن منهجه في العمل منهاج رباني كذلك، متوافق مع طبيعته، وأنه لا يمكن فصل هذا الدين عن منهجه في العمل"؛ وإن تطوير المنهاج في ضوء التربية الأمنية والوطنية في عصرنا الراهن بفلسطين هي القوة الضابطة لسلوكيات أفراد المجتمع، وهي الأداة والوسيلة التي تحافظ على الهوية الأخلاقية والثقافية للمجتمع المُسلم وعدم الانزلاق أو الانحراف في سلوك الطلبة وإن المقصود بالتربية الأمنية هنا هي المنبثقة من روح الإسلام وتعاليمه، التي تغرس في عقل الطالب المسلم وروحه الأخلاق الحسنة والسلوك الإيجابي الخير تجاه الآخرين، وتزرع فيه الفضيلة، والقيم النبيلة، والأدب، وتنزع من نفسه الرذائل والأخلاق السيئة، وكل ما يمكن أن يشكل ضررًا للغير، وهي التي تغرس في نفسه الضمير الحي الواعي المُستنير". كما أن تعديل وتحسين وتطوير المنهاج الفلسطيني لكافة المراحل التعليمية في ضوء التربية الأمنية الإيمانية ضرورة واجبة العمل بها، كوننا شعب محتل؛ ولأن الأمن من أهم خصائص الحياة التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها، وبغير الأمن المرتبط بالإيمان بالله وحده، تفقد الحياة معناها، وتتحول إلى جحيم لا يطاق، فالأمن من الخوف يعني الاستقرار الاجتماعي، والإطعام من الجوع يعني الأمن الغذائي، ويُقدم الإسلام الأمن على أنه أوسع من أن يختزل في نطاق الحياة الدنيا، ليشمل حياة الإنسان فيما بعد هذه الحياة، حياته في الدار الآخرة، ليكونوا وهم في غُرفات الجناتِ آمنين؛ وطبيعة مفهوم التربية الأمنية والوطنية، في معناه الإسلامي يقوم على قاعدة الإيمان بالله تعالى؛ وعمل الصالحات، وإن التربية الأمنية بهذا التصور تعني اطمئنان الإنسان النفسي بإدراك غاية وجوده في الحياة، ومآله فيما بعد هذه الحياة، إلى جانب الجمع بين عبودية الأخذ بالأسباب وعبودية التوكل على الله، في مغالبة المنغصات الأمنية ومقاومتها، وهذه خاصية نفتقدها نحن المسلمين عند كثيرين ممن لا يتصورون الأمن بهذا النحو، ويعجزون عن أن يعطوه بعدًا أوسع من البعد المادي الذي لا يتجاوز في تحليلاته للتعقيدات الأمنية بشتى صنوفها وصورها دائرة الحياة الدنيا، وإن التصور الإسلامي للأمن أوسع من أن يُختزل في قضية بذاتها. ومما يؤكد ضرورة تعديل المنهاج في ضوء الأمن لفلسطين، قول العالم ماسلو يؤكد في هرمه الشهير، عام (1934م) من خلال نظريتهِ عن التحفيز البشري، الُمسماه (هرم الاحتياجات) يأتي الاحتياج إلى الأمن في تصنيفهِ، من ركائز احتياجات الإنسان وفي المرتبة الثانية للهرم بعد الحاجات الفسيولوجية للإنسان. ويعد الهدف الأسمى للخلق هو تحقيق العبودية الُمطلقة من الإنسان لله عز وجل، لأن تبني المفهوم يؤدي إلى تحقيق الترابط بين النظرية والواقع المجتمعي العملي، وطبيعة العصر الذي نعيشه تَميّز بالتقدم العلمي والتقني، مما يتطلب تغيير المناهج الحالية القاصرة عن مواكبة التطورات الحاصلة في المجتمع، مما يجعل تطوير المنهاج الفلسطيني أمرًا مُلحًا، وذلك من خلال كيفية التعامل مع المستجدات الأمنية والوطنية وسبل مواجهتها، بما يتلاءم والمستجدات المعاصرة والتحديات المستقبلية. وبحث الإنسان عن الأمن يعد من أشّد الحاجات الضرورية للحياة اليومية؛ لذلك نجد أصحاب السياسة والاقتصاد والعلوم الإنسانية يركزون على شعور الفرد بالأمن حتى يتمكن من التعلم والإنتاج والإبداع في جو من الأمن الأمان؛ وذلك من خلال تطوير وتحسين المناهج التعليمية، على أن تتم عملية التطوير في ضوء الواقع الذى يعيشهُ المجتمع، وأهداف ذلك المجتمع؛ وخاصةً مع فقدان نعمة الأمن في معظم دول عالمنا العربي والإسلامي في زمن أصبح يعرف:(بالربيع العربي)، مما يقوي ضرورة العمل لتطوير المناهج التعليمية للمرحلة الدنيا والمتوسطة والثانوية خاصةً في ضوء التربية الأمنية والوطنية، من خلال الشريعة الإسلامية الوسطية؛ "لمواجهة مخاطر الإرهاب الفكري، والتطرف، والغلو في الدين، والتكفير، وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، والعنف المدرسي؛ تلك الظواهر التي أصبحت منتشرة بين صفوف غالبية الشباب المسلم في زماننا هذا؛ على أن يضم المنهاج المطور دراسات ميدانية مبسطة تكون في شكل مشروعات تضع الحلول المناسبة للمشكلات الاجتماعية والأخلاقية والأمنية والوطنية ؛ مما يتطلب استخراج نظرية أمنية ووطنية نابعة من مقاصد الشريعة الإسلامية من منهاج التربية في فلسطين؛ ينبُع من مقصد إسلامي عظيم هو تحقيق مهمة الاستخلاف في الأرض وإعمارها وفق منهاج الله، وعبر عمل الصالحات، وتحقيق البر والتقوى، والقيم النبيلة، والأخلاق الحميدة بين الطلبة، وإعداد الإنسان الصالح للإنسانية جميعها، وتقوية لفكرة الوسطية في الإسلام، من خلال تطوير وتجويد المنهاج الفلسطيني؛ هذا المنهاج الذي يتعرض للتهويد بصورة مُمنهجة، وتجسد ذلك التهويد، عبر قرار صهيوني صدر عام 2011م، وبدأ فعلاً تطبيقهُ في التاسع عشر من سبتمبر الماضي لعام (2013)؛ حيث منعت قوات الإحتلال، عشرة مدارس في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، في القدس المحتلة من تدريس المنهاج الوطني الفلسطيني، ووضعت المنهاج الصهيوني بدلاً عنه، والذي يتكلم عن يهودية الدولة وعن العلم الصهيوني، وعن تزييف الحقائق التاريخية؛ في أن القدس الشريف:(عاصمة إسرائيل) كذبًا وزورًا حسب قولهِم؛ وتزامن هذا العمل مع قيام قوات الاحتلال بتطبيق (التقسيم الزمني) للصلاة في المسجد الأقصى بين الفلسطينيين وقطعان المستوطنين الصهاينة في نفس الشهر؛ مما يعرض أمن وثقافة وتراث المواطن الفلسطيني ومنهاجهُ، والقضية الفلسطينية الوطنية برمُتها للخطر الشديد والتهويد؛ على الرغم من أن المنظمات الدولية قد أدركت خطورة فقدان الأمن في حياة البشر وفي محتوى مناهجهم التعليمية؛ حيث جاء في مقدمة ميثاق اليونسكو بند مهم يقول: "لما كانت الحروب تتوالد في عقول البشر... ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام. غير أن تلك المنظمات عاجزة عن أن تتدخل لمنع تهويد القدس الشريف، وتهويد حتى المنهاج الفلسطيني؛ لأن العقل الصهيوني قام على التهويد والقتل والخراب؛ مما يقوي الحاجة لنا كشعب فلسطيني يرزح تحت وطأة المحتل المُجرم؛ للعمل على تطوير المنهاج بشكلٍ سليم، وتوحيد الصف الفلسطيني ضرورة ملحة لشطري الوطن من أجل تعديل وتحسن وتجويد المنهاج، من أجل مستقبل أفضل لطلابنا، ؛ حيث أصبح اليوم يقاس مدى تطور الشعوب المتطورة والمتقدمة علميًا مثل اليابان وألمانيا، يقاس تطورها بمدى تقدم وتطور محتوى المناهج التعليمية في تلك الدول؛ نرجو أن يبلغ هذا البحث، وهذا المقال قلوب ومسامع أصحاب القرار، حتى لا نندم على ضياع مستقبل أطفالنا وشبابنا، بسبب صعوبة المنهاج التجريبي العقيم الذي جنينا من وراءهِ الكثير من المُر والحنظل، والقليل من الفائدة التعليمية، وخاصةً أن ألاف مؤلفة من رسائل الماجستير والدكتوراه بفلسطين تكلمت عن اهمية وضرورة تطوير محتوى مناهجنا التعليمية بفلسطين دون فائدة، وكانت ومازالت تلك الرسائل توضع على الرفوف مهملةً في زوايا المكتبات بالجامعات الفلسطينية؛ اللهم إني بلغت اللهم فأشهد.

مقدم دكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبدالله أبو نحل

دكتوراه الفلسفة في مناهج وطرائق التدريس التوجيه السياسي والوطني

اخر الأخبار