مهارات تكتيكية متقدمة للوفد السوري في جنيف (2)

تابعنا على:   23:00 2014-02-09

عليان عليان

لفت انتباهي وغيري من المراقبين المتابعين للأزمة السورية ، أثناء متابعة الجولة الأولى لمؤتمر جنيف (2) في مونترو الذي بدأ أعماله في الثاني والعشرين من كانون ثاني / يناير الماضي ، والتي استمرت ثمانية أيام ، أن وفد المعارضة المزعومة برئاسة أحمد الجربا ضعيف على الصعيد التمثيلي ، جراء تغييب جميع أطراف المعارضة الداخلية هذا ( أولاً ) ( وثانياً ) وضعيف في أدائه جراء عدم تأهيله تفاوضياً ( وثالثاً ) أنه ليس صاحب قرار أثناء المفاوضات ، بحكم رجوعه المتصل للعراب الأميركي روبرت فورد في كل صغيرة وكبيرة ، بحكم تبعيتهم الكاملة له ولمشروعه ، ناهيك عن الصراعات داخل الوفد نفسه في من يتصدر المشهد التفاوضي

 وبالمقابل لفت انتباه المراقبين الوحدة التمثيلية لوفد الحكومة السورية ، والتأهيل السياسي والتفاوضي عالي المستوى لهذا الوفد ، وقراره المستقل المحكوم بثوابت الدولة الوطنية والقومية.

لقد غابت عن ذهن الوفد المزعوم للمعارضة في جنيف (2) أن مسائل رئيسية في إدارة الصراع التفاوضي ، تشكل جذراً لأي تكتيك تفاوضي ، وبدونها تكون محصلة حركته صفراً ويكون حاله كمن يتسلق على جدار أملس ، ما يلبث أن يصعد حتى يعود القهقرى من حيث بدأ.

وبالمقابل تسلح الوفد العربي السوري بقيادة وزير الخارجية وليد المعلم ، بكل متطلبات إدارة الصراع التفاوضي ، وامتلك الوسائل كافة لإدارة هذا الصراع ، دون أن ينبهر بهذا الكم من الدول المناوئة لسوريا (40) دولة ، التي حولها المعلم إلى مجرد حضور يستمع لمحاضرة القادم من أرض المعركة.

إن إدارة الصراع التفاوضي عبر تكتيكات ناجحة ، في حالة مثل حالة الأزمة السورية منذ حوالي ثلاث سنوات ، تقتضي بالإضافة لطرح التكتيك المناسب في اللحظة المناسبة توفر العوامل التالية :

أولاً: أن تكون هذه التكتيكات مستندة إلى ميزان قوى حاسم على الأرض.

ثانياً: أن تكون هذه التكتيكات مستندةً إلى حاضنة جماهيرية.

ثالثاً : وجود وحلفاء مجربين وموثوق بهم .

وهذه التكتيكات بهذه الشروط والمواصفات هي التي تصنع الإنجاز ، على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي ، فالاستراتيجيات بما تعنيه من تحديد للأهداف ، وما توفره من وضوح في الرؤيا ومن قوة الحافز ، تظل قاصرةً عن تحقيق الانتصار بالمعني النسبي أو المطلق إذا لم تقترن بالتكتيكات الصحيحة وفق ضوابط وشروط محددة .

 

في جنيف (2) كان الوفد السوري يتعامل مع صبية لا حول لهم ولا قوة في المعارك التفاوضية ، ولا يملكون من أمرهم شيئا ، يقطعون المفاوضات بين لحظة وأخرى لأخذ التعليمات من العراب الأمريكي روبرت فورد ، الذي هو الآخر فقد توازنه وسقط في دروس التكتيك .

 

فوفد المعارضة المزعوم لجأ إلى تكتيك رفع سقف المطالب ، بعضها وارد جنيف(1) وبعضها وبعضها لم يرد ، ناهيك أنه لم يراع التسلسل المنطقي في بنود جنيف (1) فراح يطرح موضوع الهيئة الانتقالية ، رغم أنه البند (8) في جنيف (1) قبل طرح ومناقشة البنود السابقة عليه التي توفر البيئة السياسية لنجاح أي اتفاق.

تكتيك صبية المعارضة بشأن رفع سقف المطالب ، والذي تمثل بالمطالبة بعدم منح الرئيس بشار الأسد أية صلاحيات ، قوبل برفض الوفد السوري ، باعتباره خطاً أحمر غير قابل للتفاوض والنقاش ، أما طرح موضوع الهيئة الانتقالية ( أولاً) فقوبل برفض الوفد السوري وفق سلم الأولويات ، وأن الأولوية هي لمكافحة الارهاب.

فالعامل الأول المطلوب لإسناد هذا التكتيك ، من قبل المعارضة المزعومة ، ممثلاً بميزان القوى على الأرض ، يكاد يكون معدوماً ، خاصةً بعد انفلاش ما يسمى بالجيش الحر وهزائمه أمام تشكيلات تنظيم القاعدة الإرهابية ، وأمام عصابات الجبهة الإسلامية الوهابية التكفيرية وعرابها بندر بن سلطان.

والعامل الثاني الذي يحصن التكتيك ويعطيه زخماً قوياً ، هو الحاضنة الجماهيرية ، وهذه الحاضنة تكاد تكون معدومة ، بعد أن أكدت جماهير الشعب السوري في مختلف المناطق الخاضعة لاحتلال الزمر الإرهابية ولائها للدولة ، ورفضها العودة بسوريا الحضارة إلى غياهب الجهالة والتخلف المتدثر بدثار الإسلام والإسلام منهم براء .

والعامل الثالث الذي يعطي فضاءً واسعاً للتكتيك ، هو الاستناد إلى حلفاء موثوق بهم ، فحلفاء المعارضة المزعومة ، وخاصةً من دول الاتحاد الأوروبي ، بدأوا ينفضون من حولهم ، جراء هزائم مجاميع الإرهاب على الأرض ، وخشيةً من أن يؤدي نجاح المؤامرة على سوريا أن تنتقل هذه المجاميع للعمل في أوروبا ، ولعل زيارات الوفود الأمنية الأوروبية لسوريا بحثا عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب لمؤشر على ذلك.

أما الحلفاء الإقليميين للمعارضة المزعومة وتحديداً " تركيا وقطر " فرغم علو صراخهم في جنيف (2) إلا أنهم بدأوا منذ زمن مراجعة حساباتهم ، في ضوء معادلة موازين القوى على الأرض ، وبات معلوما أن قطر سعت إلى إعادة العلاقة مع دمشق عبر مختلف الوساطات .

أما تركيا فباتت تستجدي إيران ، لإعادة الاعتبار لنفسها في الإقليم ، وسعت أثناء زيارة أردوغان الأخيرة لطهران ، إلى طلب الوساطة من الحكومة الإيرانية لإزالة التوتر في العلاقات التركية السورية ، وقدمت عربوناً لإيران مقابل هذه الوساطة تمثل في قصف القوات التركية قافلة عسكرية " لداعش " شمال حلب ، بعد أن كانت تركيا هي المسهل الرئيسي لدخول التكفيريين عبر حدودها وموانئها الجوية والبحرية إلى سوريا.

وبينما كان أردوغان يقول لمضيفيه في طهران إنها بلده الثاني، مشيدا بموقفها والموقف الروسي من الأزمة السورية ، ومعلنا الاتفاق على محاربة "الارهاب"، كان الرئيس التركي عبد الله غول يصرح للصحفيين المرافقين له في روما "إننا إذا تعاونا بجدية وإخلاص يمكننا طرح مبادرة على المجتمع الدولي للحل في سوريا، فنحن يمكننا جر الغرب (للموافقة)، وإيران يمكنها إقناع الطرف الآخر ".

ناهيك – وسبحان مغير الأحوال - أن غول انتقد أصحاب الأصوات العالية منذ بداية الأزمة والذين ادعوا البطولة وأعلنوا أنهم على وشك إسقاط النظام بقوله " أقوالهم لم تطابق أفعالهم أبدا" معترفاً "بأن دمشق أقوى مما كانت قبل سنتين ونصف ، وأن لا وجود لإمكانية إسقاطها وأنه ما لم يتمكن المجتمع الدولي من فعله ، لن يمكن لأحد أن يفعله بعد الآن".

أما الوفد العربي السوري ، فقد أدار المعركة التفاوضية على مدار أيام المؤتمر بكفاءة واقتدار ابتداءً من كلمة رئيس الوفد وزير الخارجية وليد المعلم ، مرورا بالمفاوضات غير المباشرة عبر الموفد الأممي الأخضر الإبراهيمي والتي قادها د. بشار الجعفري ممثل سوريا في الأمم المتحدة.

لقد استخدم المعلم تكتيك " إطالة وقت الكلمة " (33 دقيقة ) ، ليضع العالم أجمع عبر وسائل الإعلام العالمية التي تواجدت في المؤتمر ، في صورة وحقائق الأزمة السورية والمؤامرة المحاكة ضد سوريا ، وأن ما يحصل في سوريا إرهاب تكفيري وهابي مدعوم إقليمياً ، وإذا ما انتصر يشكل تهديداً للعالم كله .

وهو بهذا التكتيك ، كشف أمام الرأي العام العالمي المضلل ، حقائق الأزمة وأبعادها وأبعاد الموقف الإمبريالي الأمريكي ، خاصةً عندما خاطب المعلم وزير الخارجية الامريكية جون كيري بلغة التحدي بقوله : " سيد كيري لا أحد في العالم له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سوريا إلا السوريين أنفسهم".

لقد تمكن الوفد العربي السوري في جولات التفاوض غير المباشرة ، من كشف حقائق ارتهان المعارضة المزعومة للولايات المتحدة ، ولبقية القوى الغربية والرجعية في المنطقة ، عبر طرحه تكتيك " أوراق عمل وبيانات الثوابت الوطنية " ، التي تتضمن في جزء منها بعض البنود الواردة في (جنيف 1) ، ومطالبته رئيس وفد المفاوضات للمعارضة المزعومة هادي البحرة ، التوقيع عليها كمدخل مبدئي للمفاوضات لإنقاذ سوريا ، ولتكون حجر الأساس لتوافق وطني .

لقد تضمنت أوراق العمل والبيانات المطروحة من الوفد السوري ، فيما تضمنته " مكافحة الإرهاب التكفيري الوهابي ، واحترام سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة وسلامة أراضيها ، وعدم جواز التنازل عن أي جزء منها والعمل على استعادة أراضيها المغتصبة كافة ، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية بشكل مباشر أو غير مباشر ، بحيث يقرر السوريون بأنفسهم مستقبل بلادهم عبر الوسائل الديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع ، وامتلاكهم للحق الحصري في اختيار نظامهم السياسي بعيداً عن أي صيغ مفروضة ، وإدانة قرار الكونجرس الأمريكي استئناف إرسال السلاح للمعارضة المزعومة" .

لكن وفد المعارضة المزعومة ، رفض التوقيع على أوراق العمل والبيانات المطروحة ، التي لا يمكن لوطني مخلص لتراب وطنه أن يرفضها ، ما كشف حقيقة دوره كأداة في يد الحلف الصهيو أميركي الرجعي.

ولا يمكن عزل النجاح التكتيكي للوفد العربي السوري عن عوامل النجاح سالفة الذكر وهي :

أولاً : أن التكتيك التفاوضي السوري ، استند إلى ميزان قوى عسكري مائل بشكل كبير جداً على الأرض لصالح النظام العربي السوري ، وذلك باعتراف الإدارة الأمريكية وتركيا وغيرهما من الدول الداعمة للإرهاب والمعارضة المزعومة .

ثانياً: أن التكتيكين التفاوضي والعسكري ، استندا إلى حاضنة جماهيرية كبيرة خاصة بعد أن اكتشفت العديد من القوى الاجتماعية حقائق المؤامرة على سوريا ، وما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا ، من بؤس وخراب وطني ونكسة حضارية وثقافية ، في حال سيطرت مجاميع العملاء والإرهابيين على سوريا ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن هذه الحاضنة الجماهيرية هي التي ساعدت بالمعنى المادي واللوجستي الجيش السوري في تحقيق انتصاراته على الأرض ضد الإرهابيين .

ثالثاً: أما العامل الثالث الذي أعطى ويعطي المفاوض السوري فضاءً واسعاً للتكتيك – كما أسلفت - هو الاستناد إلى حلفاء موثوق بهم ، فحلفاء حزب الله ( حزب الله وإيران ) ثابتون بكل صلابة على مواقفهم، ويعتبرون الدفاع عن سوريا في وجه المؤامرة في صلب نهج المقاومة ، وفي صلب الدفاع عن القضية الفلسطينية - في التحليل النهائي - وذلك وفق قراءة علمية ودقيقة لأبعاد المؤامرة واستهدافاتها ، التي تستهدف فيما تستهدفه إسقاط النظام في سوريا والإتيان بنظام لا علاقة له بالمقاومة وثوابت الأمة ، نظام مطبع مع الكيان الصهيوني ويشكل عمقاً استراتيجياً له ،على غرار النسق النفطي الرجعي في الخليج وغيره.

أما روسيا فهي ليست ثابته على مواقفها حيال الأزمة السورية فحسب ، بل أنها باتت تطور مواقفها أكثر وأكثر لصالح سوريا من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عشية وأثناء (جنيف 2) التي قال فيها : " إن أولوية (جنيف 2) هي لمكافحة الإرهاب " " وأن الهدف من المفاوضات ليس تغيير النظام " وغير ذلك من التصريحات التي تصب في الاتجاه المعاكس للأهداف الأمريكية وأدواتها في المنطقة.

 

اخر الأخبار