ماذا تريد الجماهير الفلسطينية؟

تابعنا على:   10:57 2013-10-14

رامي الغف

إن الوطن الفلسطيني ليس مزرعةً لهذا وذاك من الساسة والقادة والسياسيين يقتسمون ثماره ويستأثرون بخيراته ويستولون على موارده، دون سواهم من الجماهير، وإنما الوطن الفلسطيني هو الأم الحاضنة لكل أبنائها أياً كانت أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وألوانهم، وهم يتساوون في الحقوق والواجبات بدون تمييز، ويتكافئون في الفرص المتاحة لهم سواءً بسواء.
لقد كان الوطن سابقا وما زال يمارس محتليه دكتاتوريته الغاشمة بكل صلف وتعنت تجاه الأرض والشعب، فعاش وطننا طيلة رَدْحٍ من الزمن، تَجَاوزَ أكثر من خمسه عقود غارق بالمظالم والجرائم والحروب والعدوان والمغامرات الطائشة وإشاعة ثقافة الاستهتار بحقوق الفلسطيني وكرامته من قبل الحكم الصهيوني على أراضيه حتى بات الإنسان الفلسطيني في ظل هذا الحكم البربري أرخص السلع في سوق الطغيان والتوحش الفظيع، بعيداً عن كل القيم والأخلاق والضمائر الحية والإنسانية والحضارية والاجتماعية، ولا نبالغ لو قلنا إن ما تعانيه فلسطين اليوم من اهتزازات وتداعيات وانقسامات ومهاترات، يرجع في جزء منه إلى تلك التركة الثقيلة التي خلفها المحتل الصهيوني بعد أن اختلطت الأوراق وتغيرت الطباع وفسدت الأخلاق.
إنّ ما تطمح إليه الجماهير من قادتها بعد كل ما عانته من فقدان للحياة الكريمة في ظل هذا الوضع القاتم، أن يكون لها كرامه وحقوق أساسيه وليست مُطلقه ودوله ديمقراطيه حرة مستقلة، تشارك فيها الجماهير في اختيار حُكامها لا بالتوافق المَقيت، حَلِمهم أصبح بدوله قوية وعدالة توزيع وحق كل فَرد في التأهيل والعَمَل والسَكَن المُناسب والحماية الاجتماعية في حالات البطالة والشيخوخة والمَرَض والحوادث، وبقضاء عادل وفصل للسلطات ويكون الولاء فيها للوطن والمواطن ورؤية واضحة للسياسة وأمنه الوطني غير قابل للتجزئة وجهازه الإداري أكاديمي، وأن تخضع كل الإدارات والواجهات القضائية والخدمية والمهنية والاجتماعية لسلطه القانون وفوق ذلك سلطه الدستور الذي يستمد شرعيته من الجماهير، في ضوء تحديد الصلاحيات، ويقرَن بمسؤولية الرقابة، لا بالتوافقيات المريضة والمراهنة على عامل الزمن وقرائه الطالع، والذهاب إلى سبيلا عرافه عجوز شمطاء لقرائه حظها العاثر.
لا تريد الجماهير خطابات وشعارات براقة ورنانة، فهناك الكثير من الأطفال يجيدون إلقاء الخطب أفضل من الكثير من السياسيين.
تريد فرص عمل مجزية الأجر.
نريد تعليم متقدم في مناهجه ووسائله وأساليبه.
تريد أسواق مليئة بالبضائع.
تريد تجارة حرة ومصانع تعمل.
تريد كهرباء وماء ووقود.
تريد مستشفيات ومستوصفات وعيادات حديثة.
تريد حرية في القول والفعل ملتزمة.
تريد سكن لائق وحدائق ونوادي ثقافية.
تريد شوارع نظيفة، وساحات مطرزة بالخضرة.
تريد مسئولون يوفرون لهم السعادة والأمن والحرية.
تريد محافظين يرفعون من مكاتبهم أكوام الزهور الورقية الملوثة بالتراب ليفكر بتقديم الخدمات.
تريد مجالس بلديات تلقي جانبا بالسبح الكهرمانية والبدل المكوية او اليسر المحببة بالفضة ويسيرون أمام المعدات الثقيلة ليوجهوها برفع الأنقاض والقمامة وشق الطرق.
هناك مقولة للنجاح تدعو إلى وضع الرجل المناسب في الموضع المناسب وهو مبدأ صحيح، وحين يتم التعيين وفقاً لهذا المبدأ، ستجد الجماهير على اختلاف ثقافاتهم وتياراتهم وألوانهم السياسية، يرحبون بهذا التعيين ويثنون عليه، ويسقطون من الحساب الاعتراضات الناشئة من حسابات شخصية أو مصلحيه.
أن التصدي لموقع المسؤولية هو تكليف وأمانة وطنية ودينية وليس تشريف ومقام ومسميات وإن الإنسان الذي يتحمل مسؤولية الأمانة لابد أن يتحملها بكامل مسؤوليتها واستحقاقاتها كاملة دينيا ووطنيا وإنسانيا، وعليه فان الجماهير بكل مكوناتها تتحمل كامل المسؤولية في عملية اختيار الأصلح بعيدا عن الكل المؤثرات الخارجية مهما كان نوعها ولونها.
إن إرادة التغيير لابد أن تنبع من داخل النفس، ومتى انتصر الإنسان على نفسه، كان أقدر على الانتصارات الأخرى في الميادين السياسية والاجتماعية والفكرية والمعرفية. فلتكن هموم الوطن والمواطن الفلسطيني فوق كل الهموم الشخصية والفئوية، وبهذا نخرج الوطن الحبيب من عنق الزجاجة.

 

اخر الأخبار