
دفاعا عن الانجاز والامل
يحيي رباح
"علامات على الطريق"
لا جديد على الاطلاق في هذا الصراخ الهستيري الذي ينطلق من حناجر اعضاء –البيت اليهودي –او –اسرائيل بيتنا – او متشنجي الليكود الذين يصيبون زعيمهم نتنياهو بالذعر، وغيرهم في دولة اسرائيل !!! فكل الذي يقولونه سبق ان قاله اسلافهم في العصابات التي كانت عالية الصوت في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي مثل الهاجانا، واشتيرت، والبال ماخ وغيرها، وهذا الصراخ الهستيري تختلط فيه الخرافات والاساطير مع عربدة الارهاب وعناصر القوة، والشعب الاسرائيلي نفسه لم يهتم في يوم من الايام بالتدقيق والفرز بين ما هو خرافة، مثل خرافة الهيكل الثالث او خرافة يهودية الدولة والحقائق الممكنة، فالجميع يتاجرون بكل انواع البضائع الارهابية، ولا احد يحاسب احدا الا اذا انقلب الميزان الدولي او تعدل ميزان القوى كما حدث في عام 73، فحين اذ يهدأ الصراخ ويعود كل شيء الى حجمه الحقيقي.
في هذه الايام وحتى الثلاثين من نيسان القادم، سيقال كلام كثير وسوف تهبط حيطان كثيرة، ويختلط الحابل بالنابل في مواجهة السؤال الكبير :
هل يتم اعلان فشل المفاوضات؟ ام يتمكن جون كيري وزير الخارجية الاميركي وهو رجل لا يكل ولا يمل، وبالتعاون مع حلفائه الاوروبيين وشركائه الدوليين واصدقائه العرب من ايجاد صيغة لتمديد هذه المفاوضات؟
مهما يكن الجواب النهائي فسوف لا يكون خارقا ولا جديدا، فقد سبق ان تفاوضنا وتقدمت المفاوضات قليلا، وبسبب ذلك التقدم تم انشاء السلطة الوطنية وتوسعت صلاحياتها المحدودة من غزة واريحا اولا الى الوضع الراهن، ثم حلت الطائرات والاجتياحات والعمليات الانتحارية بدلا عن المفاوضات، وتدخل المستوى الدولي فاستأنفت المفاوضات ثم توقفت مرات عديدة حتى وصلنا الى المحاولة الراهنة التي حدد لها تسعة شهور تنتهي في الثلاثين من نيسان القادم.
ربما اذا فشلت المفاوضات –ونحن لا ندعو الى فشلها – فانها حتما ستتجدد، ولكن ليس في عهد الادارة الاميركية الحالية، وهذا بالنسبة للادارة الاميركية الحالية يعتبر خسارة كبيرة لان الحزب الديمقراطي عينه على النجاح في الانتخابات الرئاسية القادمة من خلال انجاز حقيق ولامع وهو حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عبر اتفاق نهائي بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
اما على الجانب الاسرائيلي فان الائتلاف القائم هو ائتلاف الذئاب، ائتلاف المستوطنين، ائتلاف اليمين الديني والعلماني، اذا هبت رياح سياسية قوية، فقد يتمزق بشدة، وقد لا يعود كثير من المشاركين فيه الى مقاعدهم في الحكومة ولذلك فهم يخوضون معركتهم الاخيرة، ولذلك يصدر منهم هذا الصراخ الهستيري الذي يقترب من الجنون.
بالنسبة لنا فلسطينيا تهددنا اخطار كثيرة، ولكننا عبرنا ما هو اخطر منها، ولنتذكر اننا ما زلنا تحت الاحتلال، هل بعد الاحتلال يوجد شيء اخطر، وبرغم المفاوضات منذ اليوم الاول احتكرت اميركا بحيث لا يكون هناك شهود ولا شركاء، فقد حققنا انجازات كثيرة، مسألة الهوية الفلسطينية هي البند الاول، والاستيطان الاسرائيلي يعاني من مأزق الشرعية الى حد الاشتباك ومرشح للمعاناة اكثر، والمصداقية الفلسطينية لها احترام كبير، وهناك مكسب كبير يتخلق في رحم هذا الصراع وهو الدور المتنامي في الوطنية الفلسطينية اعلى بكثير من مستوى الفصائل، سبق ان عبرت عن ذلك في المواجهة التي تمت في احدى قرى نابلس، وفي تجارب عين حجلة وباب الشمس واحفاد يونس وغيرها، بمعنى ان اي خلل في انضباط المفاوضات يمكن ان يتوسع الى اشتباك ميداني واسع قد يغير وجه المنطقة، والمستوطنون رغم ادعاءاتهم لا يمكنهم تجاهل ذلك.
توجد عندنا نقاط ضعف، محورها هذا الانقسام الاسود، وهو انقسام حدث دون مواربة نتيجة حسابات اسرائيلية، وبفعل وتمهيد ميداني اسرائيلي، ومن يدعي ان حماس قامت بالانقلاب قبل سبع سنوات من تلقاء نفسها، يبالغ في خداع نفسه، ولكن الصورة انكشفت، وعناصر اللعبة تغيرت، وما زلنا في انتظار حماس لكي تبدأ الخطوة الاولى فهي التي بدأت الخطيئة الاولى !!!ولكن هذه الخطوة الاولى تحتاج الى شجاعة كبرى، وتحتاج الى مبادرة عملية، فهل نضجت الامور داخل حماس الى هذا الحد؟اما اذا بقيت في انتظار تقدير الموقف من قبل التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، فهذا قد يطول كثيرا، وبهذه المناسبة فقد صدمت من صياغة الخبر الذي نشر امس عن لقاء مفترض الاخ الرئيس ابو مازن مع الدكتور ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء للحكومة العاشرة، فقد نسب اللقاء الى مصادر، ماذا هذا الغموض الذي ليس له معنى؟ولماذا الميوعة التي لامبرر لها؟ على العموم ملاحظتي على الاعلام الفلسطيني الرسمي هذه الأيام بأنه اعلام تائه ومرتبك.
لدينا ما يستحق افضل واعمق الحسابات، ولدينا ما يمنحنا الثقة بأنفسنا، لسنا في مهب الريح رغم خطورة التوقعات فنحن اولا واخيرا جزء عضوي من منطقة تعبر اجواء عاصفة وتواجه اختبارات حاسمة، فلماذا ينفرد بعضنا بترويج الذعر والقلق؟