العراق: وقفة مع الحقيقة..!؟

تابعنا على:   23:16 2013-10-13

باقر الفضلي

لا مجافاة للحقيقة، إذا ما إنصرف الحديث عن المشهد العراقي، الى واقع فيه من المرارة، ما تعجز كل مفردات اللغة، من سبر أغواره أو الإحاطة بأبعاده..؛ عراق بات يرزح تحت واقع فيه ما ينضح بكل ما تعافه النفس، وما يأباه الضمير، وما لا تستسيغه كرامة الإنسان..!!؟

فالمشهد العراقي اليوم، ليس في أفضل حالاته، ولا كما كان يتوقعه المرء أو يتمناه؛ وما يتعرض له العراق الآن، من هجمة إرهابية، إنما يشكل إمتداداً لمسلسل من حلقات سيناريو كارثي تدميري، قد جرى الإعداد له مسبقاً ويتم تنفيذه بإنتظام..؛ فالعراق قد خطط له ومنذ أكثر من عقد من السنين، أن يكون بمثابة ساعة الصفر، وساحة التدريب الأولى لبدايات ما يدعى ب " الربيع" الموسوم ب " العربي"، وعليه عقدت الآمال لتحقيق الأهداف غير المعلنة لما يدعى ب ""الشرق الآوسط الجديد" ، والتي مثلت فيها منظمة " القاعدة " أحدى الأدوات المساندة لتدخل التحالف الأمريكي _ الغربي وتوابعه من بعض دول الخليج وتركيا، لتنفيذ ذلك السيناريو، الذي كانت باكورته الأولى غزو العراق في آذار/2003..!؟

ولعل أقل ما يمكن أن تؤاخذ عليه شعوب المنطقة وبالذات نخبها السياسية، هو سباتها المستديم وغفلتها في إكتشاف ما كان يخطط لمستقبلها، من قبل تلك الدول الغنية التي سبقتها في سلم التطور والمعرفة، خاصة وأن دول شعوب تلك المنطقة، قد حبتها الطبيعة والتقسيم الجغرافي للخامات، بأعظم مخزون من الموارد الطبيعية والطاقة، فإستغفلت طبيعة تحرك وعمل القوانين الإقتصادية على الصعيد العالمي، وطبيعة سيرورة التناقض الوجودي على صعيد الكرة الأرضية بين الدول الغنية والفقيرة، فإنحسرت صراعاتها ونضالاتها في نطاقها الداخلي الضيق، فأدمت نفسها جراء تلك الصراعات، لدرجة باتت معها لا تقدر على زحزحة قواعد الأنظمة، التي ونتيجة لتلك الصراعات، أن قويت وإستبدت في الحكم، وإستأثرت بمفاصل وآليات السلطة، فأسست ديكتاتوريات لسلطات حاكمة، لا تعرف غير وجودها في دست الحكم، فإستورثت وأورثت، وشرعت لنفسها ولضمان مصالحها الدساتير والقوانين التي تتوافق مع واقعها القائم، ذلك الواقع الذي بات وكأنه قدر شعوبها المحتوم، في وقف ظلت فيه تلك الدول، تراوح في الدرجات الدنيا من سلم التطور الصناعي العالمي، أمام منافسة لا تعرف الهوادة من قبل الرأسمال الدولي، أوما يطلق عليه بالعولمة الدولية الشاملة، للنظام الرأسمالي العالمي..!؟

فلم تجد النخب السياسية لتلك الشعوب نفسها، وبعد أن وصلت حالها، الى درجة من الإنهاك والإحباط على الصعيدين السياسي والأمني، نتيجة لذلك الصراع، إلا وقد جُرجِرت الى الأفخاخ التي نصبتها الدول الغنية، لتصبح في النهاية فريسة لمخططات تلك الدول وسيناريوهاتها القاتلة، ومنها ما يدعى ب "الفوضى الخلاقة"، في وقت لم تكن بعد فيه، مدركة لمغبة ذلك الإنجرار، وتداعياته الكارثية على مستقبل بلدانها وشعوبها، يحركها الى ذلك وهم التحرر من كابوس الدكتاتورية ، وما توهمته من خلاصها وشعوبها من نير الإستبداد، بمعونة من أحسنت الظن بهم، وإستظلت بمظلتهم، فجاءت النتائج على عكس جميع تلك التوقعات..!؟

ومثل العراق ليس بعيداً عن كل ذلك، إن لم يك الأنموذج الأمثل للكارثة التي "فجرتها"سيناريوهات التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة، تحت شعار " ثورات الربيع العربي" ، التي قادتها ولا زالت تقودها أمريكا وحلفها الغربي التركي الخليجي، لتعيد الى الأذهان غزوات الإستعمار القديم الى أفريقيا والى آسيا والأمريكيتين..!؟؟(1)

فالهجمة الإرهابية البربرية التي يتعرض لها العراق اليوم، ما هي إلا حلقة في سلسلة سيناريو تدمير البنى التحتية والهياكل الإرتكازية لبلدان المنطقة، والعودة بها الى عهود التخلف الإقتصادي والإجتماعي الغابرة، وتمزيق وحدة نسيجها الوطني، وإشغالها في حروب إثنية وطائفية لا هوادة فيها، وتمزيق صفوف قواها الوطنية ودفعها للإحتراب فيما بينها والتدافع للتفرد بالسلطة؛ فسلط عليها سلاحٌ أمضى في جبروته وتأثيره، من جميع تلك الأسلحة التي إعتادت على مواجهتها طوال سني نضالها أثناء صراعها مع الإستبداد والدكتاتورية، لدرجة باتت معها شعوب تلك البلدان، في أسوء حالاتها على كافة الأصعدة وخاصة السياسية منها، لتجد نفسها أخيرا، وهي تعيش واقعاً من التمزق والتفرقة والتنافر، والإفتقاد الى الحكمة والتعقل، في البحث عن الطرق المناسبة للخروج من براثن الأزمة الخانقة، التي أصبح المتحكم الرئيس في إدارتها، هو سلاح الإرهابالمسلط على الرقاب، والذي أصبح وفي حدوده الدنيا، أحد المتحكمين بمسيرة (العملية السياسية)، وتحديد إتجاهاتها وفقاً لمقاصد وأهداف الجهات التي تقف وراء تلك الهجمة الإرهابية..!؟

 

 

وما يراه الحزب الشيوعي العراقي في إفتتاحية طريق الشعب بتأريخ 10/10/2013 بهذا الشأن، إنما يلقي بعض الضوء وبوضوح، على ما يكتنف (العملية السياسية) وما يهددها من مخاطر، نتيجة لما يهدف له تواصل العمليات الإرهابية في العراق، الأمر الذي يضع النقاط على الحروف، ويحدد مسؤولية الجهات الحكومية ذات الإختصاص في مواجهة العدوان الإرهابي المتواصل..!

فعلى حد قول (طريق الشعب) ، وبقدر تعلق الأمر بذلك، فإنه:

 [[ ومما يخدم مرامي مجاميع الارهاب والقتل، ايضا، استمرار تردي العلاقات السياسية بين المتنفذين، وتواصل عراكهم على اقتسام المغانم، وتفشي الفساد الاداري والمالي والسياسي، وتحوله الى مؤسسة اخطبوطية تنتشر اذرعها في مفاصل الدولة جميعا، وفي المجتمع، وهي تقدم موضوعيا افضل الخدمات لشبكات الإرهاب، وتؤمّن تعمق الروابط بينهما. تضاف الى ذلك الفوضى الادارية، وعدم اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية في اسناد الوظيفة العامة. واذا تواصل هذا كله وغيره،فسيؤدي الى ذهاب نتائج مؤتمر " ميثاق الشرف " ادراج الرياح.

في اجواء واوضاع كهذه، بنهاياتها المفتوحة بعد، لم يعد يكفي تكرار نفس الحجج والذرائع لتبرير ما يحدث. فالامر بحاجة الى وقفة جادة، وصحوة ضمير وعقل، واعتماد نهج تفكير جديد، والى خطط سياسية وعسكرية وامنية اكثر كفاءة وقدرة، وتسخير ذلك كله للارتقاء بفاعلية اجهزتنا العسكرية والامنية والاستخباراتية، كي تتصدي لسائر مصادر العبث والتخريب الخارجية والداخلية وتدحرها، ولرفع معنوياتها وتوفير سبل الدعم الشعبي لها، بما يساعدها على انجاز مهماتها على اكمل وجه. كذلك الكف عن التلويح بالميليشيات، على اختلاف مسمياتها، بديلا عن القوات المسلحة النظامية، وسواء سميت لجانا شعبية او جيوشا أو غير ذلك.]](2)

فكل ما توصلت اليه (طريق الشعب) من توجهات تراها ضرورية لمواجهة الواقع العراقي الراهن، إنما يصب في مجمله، في نفس الإتجاه المفترض التمسك به، لدرء الأخطار التي تحيط بالعراق، خاصة وإن ما يواجهه العراق اليوم، ليس بعيداً في جوهره، من إن يكون وجهاً من وجوه المخطط العدواني الدولي الجاري تنفيذه في سوريا، وما تتعرض له المنطقة من عدوان إرهابي شامل، الأمر الذي يتطلب معه، موقفاً وطنياً موحداً دولةً وشعبا، في مواجهة زخم الإرهاب المتلاطم..!

فالموقف من الدول التي ترعى الإرهاب، هو ما ينبغي أن يكون في مقدمة أولويات إهتمام النخب الوطنية العراقية بكل فصائلها، في نفس الوقت الذي يفترض فيه، أن يكون حال جميع القوى المشاركة في العملية السياسية، أكثر توحداً وأكثر وضوحاً وإنسجاماً في مواقفها من مواجهة كارثة الإرهاب، الذي بات يعصف في جميع الإتجاهات، ولم يعد يفرق بين الدولة والشعب، في عين الوقت الذي ينبغي، أن لا تطغى فيه خلافاتها الجانبية والثانوية، على المسألة الأساسية المتمثلة بالخطر الداهم الذي يشكل فيه " الإرهاب" العنصر الأساس في المواجهة، الارهاب الذي إمتدت رقعته عمودياً وأفقياً لتشمل حتى إقليم كوردستان الآمن نسبياً قياساً بمناطق العراق الأخرى..!؟

ففي هذا الوقت العصيب، فإنه ليس أمام المرء والعراق يواجه كل هذه المأساة، إلا مشاركة (طريق الشعب) في ندائها الموجه الى الشعب العراقي والذي جاء فيه.. :

 [[ واننا لنتوجه ايضا، في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها وطننا، الى شعبنا الصابر.. داعين ابناءه وبناته الى التماسك واليقظة والحذر من دسائس الارهابيين، ومن يقف وراءهم من الساعين الى إلقاء بلدنا في اتون حرب طائفية، والى إحداث شرخ عميق في وحدة الوطن ونسيجه المجتمع.]]

اخر الأخبار