ذرائع الاحتلال في الأغوار

تابعنا على:   22:55 2014-01-31

واصف عريقات

خبير ومحلل عسكري

 ندرك جيدا الأسباب الحقيقية من وراء تمسك القيادة الإسرائيلية بمنطقة الأغوار وفي مقدمتها منع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وإبقاؤها تابعة للاحتلال محرومة من الإستقلال، ومنعها من الوصول لنهر الأردن والبحر الميت والحيلولة دون تواصلها مع الأردن ومحيطها العربي. وتقف حائلا امام التنسيق والتعاون بينهما وفي نفس الوقت تحرم الأردن من منفذا على البحر المتوسط عبر قطاع غزة باعتباره جزء من دولة فلسطين .

ونعلم أن الأغوار تشكل لهم سلة غذائية واقتصادية تدر عليهم ملايين الدولارات حيث انها تحتل مرتبة متقدمة في الناتج المحلي وتعطي مردودا اسرع من الموارد الأخرى كتصنيع السلاح . وحسب تقرير مجلس المستوطنات لعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار، بل تعطيهم فرصة سرقة الأرض وتهجير أهلها الفلسطينيين عبر التضييق عليهم في حياتهم اليومية وتنفيذ المناورات العسكرية المتوالية ومنعهم من تصدير المنتجات الزراعية عبر إقامة الحواجز العسكرية في حين تشجع إسرائيل الاستيطان وتقدم خصومات للمستوطنين في 36 مستوطنة تصل إلى 75% من تكاليف الاتصالات والمواصلات ومياه الشرب والكهرباء. كما تقدم خدمات تعليمية ومياه ري مجانية وكله على حساب موارد الفلسطينيين وحقوقهم، ويخصص الاحتلال 70 دونما من الأراضي الزراعية لكل عائلة استيطانية انشئوا من خلالها مشاتل الورود ومزارع الدواجن والأبقار وبرك زيت التماسيح والمزروعات الأخرى، كما يقدم الاحتلال تسهيلات تصديرية و20 ألف شيكل كقرض طويل الأجل، إضافة لتسهيل تصدير منتجاتهم إلى كافة دول العالم . وعلى سبيل المثال احتفل الاحتلال عام 2010 بزراعة النخلة رقم 1,000000 مليون في الأغوار مقابل 160 ألف نخلة للفلسطينيين، مع ما يعنيه هذا من منافع اقتصادية إنتاجية تصديرية هائلة لإسرائيل، لذلك تحول غور الأردن من باب الإستراتيجية العسكرية إلى باب الإستراتيجية الاقتصادية لينعكس مشروعا اقتصاديا ناجحا حتى الآن بوجود موارد وثروات طبيعية وإمكانات سياحية ومعالم تاريخية مهمة وذات طابع استثماري إضافة إلى ثروات البحر الميت.

وما استخدام إسرائيل لمصطلح إستراتيجية أمنية وعمق استراتيجي إلا ضرب من السخرية كما جاء في توصيات وثيقة "المجلس الإسرائيلي للسلام والأمن" التي أعدها سنة 2011 ، والذي يضم مجموعة واسعة من كبار الضباط والمسئولين الأمنيين السابقين، حيث تناولوا فيه الادعاءات حول حاجة إسرائيل الأمنية إلى مواصلة سيطرتها على الأغوار والضفة الغربية بسبب تطور طبيعة وتقنيات الحرب، وذهبوا لأبعد من ذلك حين قالوا أن السيطرة على منطقتي الأغوار والضفة الغربية ليست ضرورية على الإطلاق لمواجهة التهديدات، وأكدت الوثيقة أن المنطقتين لا تمثلان حلاً للتهديدات الرئيسية المتوقعة خاصة الصاروخية، لأن عرض إسرائيل في المكان الأكثر ضيقا مع غور الأردن لا يزيد عن 40 - 50 كم، وأن الاحتفاظ بوجود عسكري في منطقة الأغوار والذي سيكون محدوداً سيعاني ضعفاً طوبوغرافياً، وسيكون عرضة للنيران من الشرق ومن الغرب، وسيبقى محاصراً وفي خطر دائم. وتخلص الوثيقة إلى أن التبريرات الأمنية التي تسوقها حكومة نتنياهو لاستمرار التمسك بالأغوار هي تبريرات واهية، لا سيما في ظل سقوط مفهوم "السيطرة على الأرض هو الحل الأمثل للانتصار في المعارك"، وهو ما كشفه رئيس جهاز الموساد الأسبق مئير دغان أمام منتدى ماجدي في كفار سابا حين قال"الصراع حول البقاء في منطقة الأغوار هو سياسي بحت وليس له أي أهمية أمنية لإسرائيل"، واعتبر الحديث عن الأهمية الحيوية لمنطقة الأغوار من الناحية الأمنية لإسرائيل نوعا من التلاعب بالتعبيرات الأمنية . أما دوف فايس غلاس المستشار السابق لشارون والمبعوث الخاص لأولمرت فقد قال "تجربة الماضي تبين أن قوات عسكرية هزيلة تنتشر في خط دفاعي طويل لا تضيف أمناً، وهي تنشغل بشكل عام في الدفاع عن نفسها .

وهنا يصح السؤال: هل تمكنت القوات الإسرائيلية المتواجدة في الأغوار وفي المناطق الحدودية الأخرى على منع عبور الصواريخ البالستية العراقية التي قصفت عمق الاحتلال ، وكذلك الآتية من حزب الله وجنوب لبنان ومن قطاع غزة صوب تل أبيب والأهداف الأخرى في فلسطين المحتلة . وفي ظل وجود المنظومات الدفاعية الصاروخية وفي مقدمتها العصا السحرية وحيتس والقبة الحديدية والأشعة الليزرية .وهل حالت الحدود العربية ومرابطة الجيوش عليها دون قصف سلاح الجو الإسرائيلي للبنان والجولان وتونس والعراق والسودان وهل منعت الإجتياحات الإسرائيلية المتكررة واقتحام بيروت العاصمة العربية ؟

 مع التغيير في الفكر العسكري الاستراتيجي وانهيار النظرية التبريرية التقليدية حول الأمن القائم على الطوبوغرافيا، والمحصن بموانع طبيعية ومساحات شاسعة من الأراضي، ووفرة من أجهزة التصنت والإنذار والاستخبار على التلال والمرتفعات، لا مكان الآن لمفهوم الأمن "القومي" الإسرائيلي المستند على العقيدة العسكرية الهجومية في إطار دفاعي ولا مكان للجدار الحديدي الذي نظٌر له جابوتنسكي والمنظر العسكري كلاوزفتز والتاريخ حافل بالشواهد .

كما برهنت نتائج الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة بأن أحذية جنود الاحتلال الثقيلة لم تصنع التاريخ كما أورد مناحيم بيجين في كتابة (الثورة) بل جلبت لإسرائيل مزيدا من جرائم الحرب والكراهية والعزلة الدولية . فصناعة التاريخ لها طريق واحد والأمن والأمان لا يتحققان إلا بالسلام .

 

اخر الأخبار