حظر الهجمات العشوائية ضد الأعيان المدنية الفلسطينية ( الحلقة 3 )

تابعنا على:   13:22 2014-01-30

د.عبدالحكيم سليمان وادي

من دراسة: المسئولية الدولية في حماية الأعيان المدنية زمن النزاعات المسلحة "العدوان الإسرائيلي على غزة 2008-2009- نموذجا".

الفقرة الثانية: حظر الهجمات العشوائية ضد الأعيان المدنية.

لقد جاءت المادة 52 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 بحظر مطلق لتوجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية.5 بما فيها الهجمات العشوائية وقد أورد البرتوكول نفسه تدابير يجب اتخاذها عند توجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية.ويتجلي ذلك على النحو التالي:

حظر الهجمات العشوائية ضد الأعيان المدنية بنص المادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والتي نصت ((تحظر الهجمات العشوائية)).وقد عرفتها كتالي:

أ-الهجمات العشوائية التي لا توجه إلي هدف عسكري محدد.

ب-تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه ضد هدف عسكري محدد.

ج-أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة لا يمكن حصر أثارها على النحو الذي يتطلبه البرتوكول ومن ثم من شانها أن تصيب في كل حالة كهذه,الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.5

وللإشارة فقد تم اعتماد المادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977بموافقة 77 صوت مقابل صوت واحد معارض وكذلك 16 صوتا ممتنعا.6

وقد أكدت الدول على الأهمية الكبيرة للمادة 51 حيث صرح الوفد المكسيكي أثناء المؤتمر الدبلوماسي لاعتماد البرتوكول الأول : أن المادة 51 تعد أساسية جدا بحيث لا يمكن البتة أن تكون موضوع اى تحفظات,وان اى تحفظات ستتعارض مع الهدف والغاية من البرتوكول وستقوض أساسة,وجاء هذا التصريح اثر تصويت فرنسا ضد المادة 51,ولكن وعند التصديق على البرتوكول الأول لم تسجل فرنسا أية تحفظات على حظر الهجمات العشوائية.7

لقد سارت العديد من الاتفاقيات الدولية على نفس نهج المادة 51 في تعريفها للهجمات العشوائية منها المؤتمر الرابع والعشرون للصليب الأحمر لسنة 1981 الذي دعا أطراف النزاعات المسلحة إلى عدم استخدام أساليب ووسائل القتال التي لا يمكن توجيهها ضد أهداف عسكرية محددة,ولا يمكن حصر أثارها.8

وكذلك نجد التعريف الوارد في البرتوكول الثاني الملحق بالاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية والصيغة المعدلة له في سنة 1996 على : يحظر الاستعمال العشوائي للأسلحة التي تنطبق عليها هذه المادة51.مرجع 9

كما إن اجتهادات القضاء الدولي أكدت على الطبيعة العرفية لحظر الهجمات العشوائية.إذ أشارت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري المتعلق بحظر التهديد واستخدام الأسلحة النووية في سنة 1996 إلي حظر الأسلحة العاجزة عن التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية بصفته مبدأ من القانون الدولي العرفي لا يجوز خرقة.مرجع10

وهذا ما أكدته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا في لائحة الاتهام في قضية مارتيش سنة 1996,فقد دققت المحكمة في شرعية استخدام القنابل العنقودية وفقا للقانون الدولي العرفي بما يتضمنه من حظر للهجمات العشوائية التي تستخدم وسائل و أساليب حرب لا يمكن توجيهها ضد هدف عسكري محدد.مرجع11

وللإشارة فقط حيث سنتناول هذا الموضوع في الفصل الثاني .هذا ما فعلته إسرائيل خلال عدوانها على غزة سنة2008- 2009 باستخدامها القنابل العنقودية والفسفورية المحرمة دوليا ضد السكان الفلسطينيين المدنيين وممتلكاتهم المدنية والثقافية والتي تحققت من استخدامه في تقرير لجنة غولدستون وهي لجنة تحقيق وتقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة، يرأسها القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون، ومهمة اللجنة كانت التحقيق في دعاوى ارتكاب جرائم حرب في العدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2008-2009.من طرق قوات الجيش الإسرائيلي.

وبالعودة للمادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977,إضافة إلي التعريف السابق,هناك أمثلة أخري عن الهجمات العشوائية:

أ-الهجوم قصفا بالقنابل,أيا كانت الطرق والوسائل التي تعالج عددا من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتميز بعضها عن البعض الأخر.والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخري تضم تمركزا للمدنيين أو الأعيان المدنية,على إنها هدف عسكري واحد.

ب- الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منة أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضرار بالأعيان المدنية,أو يحدث خلطا من هذه الخسائر والأضرار,يفرط في تجاوزها ينتظر أن يسفر عنه هجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.12

من هنا وبناءا على تحليلنا للمادة 51 من البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977واستقرائنا للنص فيها نجدها قد أكدت على مبدأ التناسب في توجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية,فوفقا للقانون الدولي الإنساني يعتبر مبدأ التناسب هو مقياس تحديد النسبة الشرعية والقانونية من وجهه نظر القانون بين التفوق العسكري الحاصل وبين كمية سقوط الضحايا وسط السكان المدنيين نتيجة الهجوم على المنشات العسكرية.حيث أن المادة 51 لا تستثنى إمكانية القيام بالهجوم على المحاربين والأهداف العسكرية إذا رأى قادة الهجوم أن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالسكان المدنيين والمنشات المدنية لا تفوق أو تتجاوز الحد أو المستوى الذي يمكن أن يعتبر نسبة معقولة بين حصول التفوق العسكري المطلوب وبين كمية سقوط الضحايا نتيجة الهجوم.13

وللإشارة نستعين بنموذجا على ارض الواقع في فلسطين حول ما حصل في الاعتداء الإسرائيلي عبر توجيه هجمات عسكرية مباشرة للمنازل المدنية في مدينة غزة أثناء فترة العدوان على غزة في حرب 2008-2009 حيث استهدف سلاح الجو الإسرائيلي وبشكل مباشر ومقصود منزل عائلة السموني في يوم الأحد، 4/1/2009 جمع الجنود ما يقارب مئة فرد من أبناء عائلة السّموني الموسّعة في داخل بيت عائلة وائل السّموني في حيّ الزيتون في مدينة غزة. وفي صباح الغداة، وأثناء محاولة عدد من أبناء العائلة الخروج من المنزل، أطلق الجيش صوبهم صاروخًا أو قذيفة قُتل على أثره أحد أفراد العائلة وأصيب اثنان آخران. بعد ذلك بثوانٍ أطلق الجيش قذيفتين أو صاروخين إضافيين أصابا البيت إصابة مباشرة فانهار فوق ساكنيه.

وجراء ذلك قُتل 21 فردًا من أبناء العائلة منهم 9 أطفال، وأصيب عشرات آخرون من أفراد العائلة. ورغم التوجّهات المتكرّرة من الصليب الأحمر و"منظمة بتسيلم الحقوقية " ومنظمات أخرى لحقوق الإنسان، منع الجيش الإسرائيلي إنقاذ الجرحى حتى يوم 7/1/2009. وبعدها قام الجيش بهدم المبنى فوق جثث القتلى ولم يكن بالمستطاع إخراج الجثث إلا بعد انسحابه، أي بعد أسبوعيْن على الحادثة.وحتى اللحظة لم يتم محاسبة المسئولين عن هذه الجريمة.14

وكخلاصة يمكن لنا القول انه وبالرغم من النص على إمكانية توجيه هجمت ضد الأعيان المدنية في حالة تحقيقها لميزة عسكرية.فان أطراف النزاع المسلح وتحديدا الدولة العبرية بما يسمي إسرائيل تبقي ملزمة بضرورة الامتناع عن توجيه الهجمات العشوائية ضد الأعيان المدنية الفلسطينية وذلك نظرا للنموذج السابق الذكر حول مجزرة عائلة السموني من غزة الزيتون التي راح ضحيتها 21 مدنيا من الأبرياء بينهم 9 أطفال فلسطينيين لم يراعي فيها الجيش الإسرائيلي قواعد القانون الدولي الإنساني في مراعاة مبدأ التناسب في القيام بالعمليات العسكرية الإسرائيلية مستخدما ضد المدنيين الفلسطينيين ومنازلهم (الأعيان المدنية) طائرات الاباتشي الحربية من جهة,وعدم مراعاة ضرورة اخذ التدابير والاحتياطات عند توجيه الضربات العسكرية لمنزل عائلة السموني الذي قام الجيش الإسرائيلي بتجميعهم في منزل واحد ومن ثم قصفهم بصواريخ الطائرات والمدفعية الإسرائيلية من جهة أخري.وهذا ما سنبينه في الفقرة الثالثة من الموضع التالي.

يتبع في الحلقة 4

الفقرة الثالثة: مراعاة التدابير اللازمة في حال توجيه ضربة عسكرية للأعيان المدنية زمن النزاع المسلح.

د.عبدالحكيم سليمان وادي

رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الإنسان ومتابعة العدالة الدولية

http://rachelcenter.ps/index.php

lملاحظة الرجاء عدم إزالة الأرقام في الإحالات لأنها مهمة للباحثين وللأمانة العلمية أيضا وسنضع الإحالة في الهوامش وننشرها كمراجع مهمة أخر الدراسة أن شاءا لله

اخر الأخبار