الخرباوي رجل زمنين !

تابعنا على:   23:11 2014-01-29

داليا العفيفي

كنت أتابعه جيداً وأرى فيه الأب الحنون والمفكر الواثق من طروحاته الفكرية والسياسية بعد أن انتصر لعقله الوازن بالقفز الحر عن حقبة من الخديعة التي أمضى سنيها في صفوف جماعة الاخوان المتأسلمين ، عندما قرر الإنحياز للوطن على حساب الجماعة بكل المعاني ، وأعلن العصيان على منظومة من الافكار والقيم السوداوية والظلامية القائمة على مصادرة العقل والحق في التفكير خارج أدبيات الجماعة الإخوانية ، ليقدم صورة حقيقية ومشرقة للإنسان الخارج من الظلمات إلى النور وكأنه يريد تعويض ما فات من العمر ويكفر عن مرحلة شديدة التعقيد عاشها تحت عباءة الإخوان يشعر حيالها بالأسف والمرارة الشديدة ، لكن بعد زوال الغشاوة ترى فيه قيمة إنسانية وقامة فكرية وشخصية وطنية وقومية يكمن فيها البعد الإنساني بصورة لافتة جعلت منه حالة مميزة تستقطب الانتباه من كل من يستمع له ويتابع إبداعات قلمه السيال ، حيث نذر نفسه ووقته وجهده من أجل كشف هذه الجماعة الماسونية التفكير والتنظيم والممارسة ، والعمل على فضح مخططاتها ومنطلقاتها وأهدافها ، بعد أن عرف مدى خطورتهم على وطنه وشعبه لا بل على الوطن العربي بكامله .

ثروت الخرباوي الرجل الذي أبدع في تعرية الاخوان المتأسلمين وسلك طريق النور ، لازال يعتصر اللحظات الزمنية بشغف ليعرض عصارة تجربته الفكرية والسياسية والتنظيمية في قلب الإخوان ، ويقدم للرأي العام جرعات من الفكر المستنير عما يجرى ويقال على مر سنوات بين جدران المعبد الإخواني ويفضح أسراره التي فيها منافع للناس وإجلاء لحقائق تاريخية بقراءة واثقة لحاضر قائم وإستشراف مسؤول لمستقبل قادم بل لم يترك وسيلة إتصال كانت سواء في كتابة الرواية أو اصدار العديد من الكتب القيمة التي تختص في شأن الاسلام السياسي كان أعظمها سر المعبد ، قلب الاخوان ، كذلك من خلال جهد لا يتوقف عبر المقالات الصحفية واللقاءات التلفزيونية والمحاضرات والندوات والمؤتمرات .

شاهدته في إحدى المرات ضيفاً في برنامج متعددة كان من بينهم لقاء مع الإعلامية هالة سرحان عندما دعا المشير عبد الفتاح السيسي الشعب للنزول إلى الشارع ومنحه التفويض لمواجهة الإرهاب وخرج ملايين الملايين إلى الميدان تلبية لنداء الوطنية المصرية ، وقتها ذرفت عيونه الدموع ولم يتمالك نفسه من البكاء أمام تلك اللحظة التاريخية ، كم كانت تلك الدموع بحرارتها تعبر عن صدق المشاعر النبيلة بأفقها الإنساني المفتوح على حب الوطن ، وقتها إختلطت بداخلي الاحاسيس والأفكار نحو رجل إنتصر للإنسانية على ذاته بدموع الفرح أو التكفير عن شعور بالذنب إتجاه مرحلة مضت عاشها خارج موقعه الحقيقي في المعادلة الوطنية .

تمنيت كثيراً مقابلة هذا الرجل الذى كنت أشعر في داخلي بكمية هائلة من الألغاز نحوه علاوة على كونه برز في مرحلة هي الأخطر ليس في التاريخ المصري بل المنطقة العربية كلها ، فهو بات الرمز الحى والشاهد القوى في مواجهة جماعة ظلامية وإرهابية تحمل بداخلها كل نوازع الشر الذي لا ينتهى ،بالإضافة إلى أنه بمثابة كنز فكري ومعلوماتي لا ينضب بكل ماله علاقة بالإخوان المتأسلمين وشاءت الصدف أن تخلق لي فرصة اللقاء المباشر مع هذا الإنسان المتميز بعدما كتب الزميل سلامة عطاالله روايته " الشعار الرجيم " التي حملت بين طياتها أطياف تجربته الشخصية مع الفرع الفلسطيني لجماعة الاخوان المتأسلمين "حماس" وكيف تعرض للنفي القسري واختار وطناً غير وطنه ، فقررت الوصول إلى الاستاذ ثروت الخرباوي والطلب منه الإطلاع على مكنونات ذلك العمل الأدبي والإنسانى الذي يلامس جوانب حية في حالة إخوانية ظلامية وعنصرية ، وإن أمكن أن يتفضل بعمل تقديم للرواية الفلسطينية الأولى في هذا المجال بعد تقييمها أولاً ، كنت أتساءل حينها كيف سيكون اللقاء بهذه القامة الكبيرة خصوصاً وأنه كان يتعامل بدفء ومودة تثير الإعجاب والإحترام منذ اللحظة الأولى التي تواصلت هاتفياً معه وعرضت عليه الأمر حيث رحب بذلك وأبدى كل الحرص للاطلاع على هذه التجربة الوليدة لكاتب فلسطيني ؟!! وقمت بإرسالها له عبر بريده الإلكتروني الذى زودني به بطيب خاطر ، ومن ثم قرأها وأعجب بها ، بل شجع على أن يقوم كل أصحاب التجارب الحية على كتابة كل ما لديهم من معالجة جوانب تجربة العلاقة مع جماعة الاخوان الارهابية ، وتقديمها بكل القوالب الفنية والأدبية لتكون في متناول الجيل الجديد فهو يعتبر كل هذه المساهمات الإبداعية بمثابة موروث يبقى للأبد وللأجيال كافة .

عندما حدد لي موعداً للقاء بناء على طلبي لتقديم الشكر له على صنيعه الرائع وتعامله الراقي مع العمل الإبداعي الذى أنجزه الزميل سلامة عطاالله ، ذهبت للقاء بلهفة لمجالسته والحديث معه وبالفعل التقيت به في مكتبه المتواضع ووقفت أمامه بإحترام كبير يستحقه الرجل المهيب ، كنت أعتقد أني سأرى مكتباً فخماً ، وأواجه جملة من الترتيبات الأمنية والبروتوكولية ، لكنني فوجئت فعلاً عندما رأيت الرجل يجلس في مكتب بسيط تجري به بعض الترميمات والإصلاحات ، كان لطيفاً محبوباً متواضعاً، رغما هيبتي في اللحظات الأولي من اللقاء ، لا أعلم لماذا ولكن لربما أنه كان في يوم ما من جماعة الاخوان الارهابية وأننا كفلسطينيين لم نر منهم سوي القتل والتهديد والدمار والقمع ، لذلك تداخلت الأحاسيس والمشاعر مع رجل يحظى عندي بكل التقدير والإحترام منذ ظهوره اللافت على الساحة السياسية والفكرية ، لا أخفي عليكم مدي عظمة هذا الرجل في نظري ولربما أني أصبحت أنظر له بمثابة أب روحي ونموذج يحتذى في التفكير والتنوير والإرادة الصلبة في صناعة التغيير في الذات الانسانية وفتح آفاق الوعى الوطني والتطور الحضاري .

بالمختصر المفيد أفتخر بمعرفة إنسان يمثل قيمة وقامة وقمة في العطاء ورجل في زمن يعز فيه الرجال أصحاب المواقف العظيمة ، يعترف بخطئه ولا ينكره ويحاول أن يعوض ما فات ويرى التغيير الحقيقي بعيون المستقبل في مصر والوطن العربي الكبير ، وقف وقفة الرجال وهو يعلم أن موقفه هذا قد يكلفه حياته بأي لحظة .

 

 

اخر الأخبار