دونكوتشية المفاوضات..وحرث الماء
موسى أبو كرش
لم يعد معقولاً أو مقبولاً الاستمرار في المفاوضات بعدما تبين أنها معركة دونكوتشية، وفي أحسن الأحوال مفاوضات حرث ماء قد تفضي إلى دولة منزوعة الدسم والسيادة، لا تسمن ولا تغني من جوع! وذلك في ضوء التفاصيل التي تسربت حول خطة جون كيري، وفي ضوء التصريحات المتعنتة لقادة الاحتلال، والتي كان آخرهاتصريح نتنياهو حول عدم نيته إخلاء أي مستوطنة من مستوطنات الضفة، وفي ظل الواقع الأليم الذي يعيشه شعبنا،وفي ظل حالة التشرذم والانقسام، وتردي واقع الربيع العربي!
ففي مقابلة له مع صحيفة "الحياة اللندنية" كشف أمين سر اللجنة التنفيذية ل. م ت ف ياسر عبدربه ،وبجلاء أفكار وتفاصيل خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والتي تقوم على الاعتراف بيهودية ، وإقامة العاصمة الفلسطينية في جزء من القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وإبقاء الكتل الاستيطانية، واستئجار المستوطنات الضارية في عمق الضفة، وسيطرة اسرائيل على المعابر والأجواء، ووجود قوات رباعية أمريكيةإسرائيلية أردنية وفلسطينية على الحدود مع الأردن، وحق اسرائيل في المطاردة الساخنة، وهي أفكار لا يمكن بأي حالٍ أن يقبلها أيّ ساذج فلسطيني ،أو تنطلي على أي خبٍّ من أبناء شعبنا، ومما يدهش ويحير أيضا أن رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ذاته أعلن عن رفضه لهذه الخطة في مجملها وتفاصيلها في أكثر من تصريح وفي أكثر من مناسبة بتأكيده المستمر على ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة وعدم قبولهلأي قوة عسكرية غير اسرائيلية في الأغوار، ورفضة الإقرار بحق اللاجئين في العودة ونفيه أي مسؤولية اسرائيلية عن تهجيرهم، ويكفي أن نعلم أن اخر تصريحاته في مؤتمر"دافوس" تركزت حول عدم نيته إخلاء أي مستوطنة من مستوطنات الضفة أو إجلاء أي مستوطن من بيته، وتأكيده على أن الافكار الامريكية لا تعتبر اتفاقاً وانما أساسا للمفاوضات، وجاءت تحذيرات وتهديدات رئيسة الوفد الإسرائيلي المفاوض تسيفي ليفني للرئيس محمود عباس ، لتؤكد هذا المعنى وذلكبتدفيعه الثمن لعدم إقراره بيهودية الدولة، ولعل اللافت مؤخراً هو يأس وتشاؤم وزير الخارجية الأمريكي راعي المفاوضات ذاته والذي أعلن في دافوس أيضا ان الافكار التي يعد بها ليست اتفاق اطار،وإنما هي أفكار تصلح كأساس لعملية المفاوضات.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المفاوض الفلسطيني قد ذهب للتفاوض في ظل الواقع المرير الذي تشهده الساحة الفلسطينية في ظل حالة الانقسام والتشرذم والحصار الذي وصل حد عزل قطاع غزة تماما، وتقليص الأونروا لخدماتها وتركها لاجئي شعبنا في مخيمات سوريا ولبنان تحت رحمة القذائف الصديقة والشقيقة دون دعم أو مساندة، وفي ظل الواقع العربي المرير وانشغال دول الربيع العربي بترتيب أوراقهم وملفاتهم، وانشغال الإدارة الأمريكية بالملف الإيراني والسوري والمصري، وفي ظل إدراكها للواقع المرير الذي يعيشه شعبنا وهو ما جعلها تنتهز الفرصة وتنقض على القيادة الفلسطينية بكل ثقلها وضغوطها، وذلك ظنا منها أنه يمكن أخذ أقصى التنازلات منها، مما يجعل إسرائيل تقبل بالمبادرة وتنهي هذا الملف.
إن هذا الواقع المرير يفرض على القيادة الفلسطينية رفض الخطة الأمريكية رفضا مطلقا والبحث عن مكامن القوة لدى شعبنا وفي المقدمة منها، توحيد الإرادة الشعبية لشعبنا عبر برنامج سياسي مقاوم لا يستبعد منه أي عنصر من عناصر المقاومة الشعبية والمسلحة، والعمل بأقصى سرعة على توحيد شقي الوطن، فيبدو أن معركتنا مع الاحتلال ليس معركة دونكوتشية، وإنما هي معركة حقيقية تستدعي أقصى درجات الجهد والعرقوالدم الفلسطيني أيضاً، حتى نجبر الاحتلال على الاعتراف بكامل حقوقنا في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.