"الثورات" العربية...وتفكيك الجيوش والمجتمعات

تابعنا على:   21:10 2016-05-27

راسم عبيدات

في بداية قيام ما يسمى ب" الثورات" العربية،وما رفعته من شعارات ومطالب اقتصادية واجتماعية ومن ثم سياسية، تصورنا بأن الهدف هو التغيير والإصلاح وتحقيق اعلى قدر من العدالة الإجتماعية والحريات العامة والخاصة،وبناء مجتمعات مدنية تقوم على المواطنة والمشاركة في القرار والقيادة وتداول السلطة ديمقراطياً..الخ،ولذلك وجدنا اوسع التفاف شعبي وجماهيري حول تلك الثورات،ولكن سرعان ما انحرفت البوصلة وجرى استثمار وإستغلال تلك الثورات خدمة لأهداف واجندات ومصالح قوى مرتبطة باحلاف ومشاريع سياسية كبرى يجري رسمها للمنطقة تقوم على تفكيك وتركيب الجغرافيا العربية على تخوم وحدود المذهبية والطائفية،وبما يمنع أي حالة نهوض قومي عربي او توحد،ولذلك بحثت امريكا عن شركاء لمشروعها هذا الذي كانت تحاول تنفيذه منذ عام 2000 و20006،لكنها فشلت في ذلك بفعل صمود حزب الله اللبناني ومعه المحور المتماسك من قوى المقاومة على وجه التحديد ايران وسوريا.

جاءت ما يسمى ب"الثورات" العربية،وركبت جماعة الإخوان المسلمين الموجة،بإعتبارها قوة منظمة كبرى،ولديها حنفيات ومزاريب اموال تضخ عليها كمال سياسي من اكثر من عاصمة خليجية واسلامية في مقدمتها السعودية وقطر والامارات وتركيا،واعتلت حركة الإخوان السلطة في اكثر من بلد عربي وبالتحديد مصر،ولكن سرعان ما انكشفت حقيقة الإخوان،وانهم لا يعرفون سوى مصالحهم ورفعوا ايديولوجيتهم فوق اوطانهم،وشرعوا باخونة الدولة والسلطة والمجتمع،مما ادى لسقوطهم المدوي،ولكن بسقوط الاخوان لم يتوقف المشروع الأمريكي-الصهيوني-الإستعماري الغربي على المنطقة بإدواته العربية والاقليمية،حيث تصدر ذلك قطر والسعودية وتركيا.

المشروع التفكيكي للجيوش حقق نجاحات كبيرة في ليبيا والعراق،حيث ان تفكيك الجيوش من شأنه ان يفتح الطريق واسعاً امام تفكك المجتمعات،وخصوصا بان ليبيا كانت دولة غير محصنة مجتمعيا ولا تتمتع بمواصفات الدولة المدنية،وجيشها اقرب الى مليشيات عشائرية منه الى جيش نظامي وطني،ولذلك وجدنا بأن تفكيك الجيش الليبي،سهل بشكل كبير تفكيك المجتمع،بحيث تحولت ليبيا الى ساحة حرب بين مليشيات وعصابات متناحرة،حروب عشائرية وقبلية،تسفك فيها دماء المدنيين وترتكب مجازر،فالحرب تجري على البيئة المدنية لهتك نسيجها المجتمعي،وبالتالي تنفصل مكونات المجتمع الى قبائل وعشائر وملل وطوائف،وتفقد القيم المدنية معناها بين الناس لصالح القيم البدائية التي تحيي حرباً مزمنة بين أطياف المجتمع تتغذى وتشبع يومياً من البيئة اللامدنية التي تحوّل ماء المجتمع الى مستنقع.

وفي العراق وجدنا مباشرة بعد إحتلاله في عام 2003،اول خطوة قام بها الحاكم العسكري الأمريكي للعراق "بريمر" هو تفكيك الجيش العراقي،لكي يسهل تفكيك المجتمع العراقي،والذي وجدنا أنه بعد تفكيك الجيش العراق واستولاد ودعم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وإستيلائه على مساحات واسعة من أراضي الدولة العراقية،كانت المجازر ترتكب بحق المدنيين بشكل كبير،وجرى ويجري عمليات تطهير عرقي بحق جماعات أثنية ودينية كاملة،ودخل العراق في حروب مذهبية وطائفية وتقسيمات عشائرية وقبائلية،في حروب الهدف منها خلق ثارات وندوب وجروع عميقة ومستديمة في المجتمع تمنع لملمة تشظياته والعودة به لمجتمع مدني لأكثر من مئة عام قادمة على الأقل،حيث تتحول المجتمعات الى مجتمعات بوهيمية تحكمها الغرائز والعواطف،وتعمل القتل والدمار في بعضها البعض،في حروب تذكر بحروب "داحس" و"الغبراء" وحرب "البسوس" وغيرها.

هذا المشروع الذي نجح في ليبيا والعراق حاولت امريكا والمروحة الواسعة من حلفائها صهيانة وسلاجقة وعربان مشايخ ونفط تطبيقه في سوريا،ودفعوا بمرتزقتهم وعصاباتهم من اكثر من 80 دولة في حرب عدوانية إجرامية على سوريا،ولكنها طوال خمسة سنين لم تنجح في كسر إرادة السوريين ولا فك عرى العلاقة بين الجيش السوري المبني على أسس وطنية وعقائدية وبين حاضنته من المجتمع المدني،ففي ليبيا والعراق،التدخل الخارجي فكك ودمر الجيش،وسهل تدمير وتفكيك المجتمع المدني ولكن في سوريا لم يكن تدخل عسكري مباشر،ومن انيط به من الحلفاء للقيام بهذه المهمة تركيا،فشل في ذلك فشلاً ذريعاً،فرغم كل الحرب والضربات التي تعرض لها الجيش السوري،وما رافق ذلك من تحريض مذهبي وطائفي وتشويه واشاعات واخبار كاذبة وتلفيقات،لم تثمر في حصول أي إنشقاق جدي،وذلك لكون البيئة الحاضنة للجيش لم تتآكل ولم تتفتت،وإنشقاق الجيش يكون عندما ينهار المجتمع الذي ينتج الجيش ويستند عليه الجيش.

هذا الفشل قاد أصحاب هذا المشروع وحواضنهم وادواتهم التنفيذية لشن حرب شاملة على المجتمع المدني السوري،حيث التفجيرات الإرهابية وعمليات القتل الوحشية والمجازر المروعة بهدف زعزعة الإستقرار في المجتمع المدني،لكي يتم خلق حالة من الإنفصال والخصام والعداء بين الجيش وبيئته الحاضنة،وبما يشغل الجيش عن القيام بدورة في إجتثاث وإستئصال الجماعات الإرهابية،ولهذا المجازر المتنقلة والتي يتناوب عليها داعش والنصرة والفتح وجيش الاسلام وأحرار الشام هي عمل منظم خبيث غايته أبعد من مجرد عملية ثأر بل عملية ضرب المجتمع والقيم المدنية، تديره نفس الجهات التي تفاوض من واشنطن ومن خلفها تل أبيب.

كما قال سماحة السيد نصرالله ستشهد الأشهر القادمة عملية تصعيد غير مسبوق،ولكن حلف المقاومة سيفرض معادلاته وسينتصر،وستنهض سوريا من جديد،وستصبح رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية والدولية.

القدس المحتلة – فلسطين

0524533879

[email protected]

اخر الأخبار