متى يفيقون؟

تابعنا على:   13:03 2016-05-25

بكر عويضة

مضت عشر سنوات على فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في انتخابات عام 2006، بأغلبية أعطتها شرعية تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية. أغلب حكومات العالم أصابها، آنذاك، مسٌ من الذهول. تردد سؤال عاكس لرد الفعل ذاك: كيف يوصل الناخب الفلسطيني قيادات «حماس» تحديدًا للحكم؟ أجاب بعض الذين استغربوا ذلك التساؤل، فتساءلوا بدورهم: ترى، أليس عجبًا أن يتحكم الهوى في إصدار الأحكام؟ كلا، لكنها الانتقائية حين تُتخذ المعيار للموقف السياسي، أو التصرف الشخصي. فالممارسة الديمقراطية إذ ترضي القوم في ضفة ما، فتقابل بالإعجاب والتصفيق، تراها تُغضب أقوامًا آخرين في الضفة الأخرى، فتواجه بعقاب وصفير. ما حصل في الأشهر الأولى لما بعد تلك الانتخابات الفلسطينية كشف عما هو مقبل، وأسهم في عواقبه. ووجهت «حماس» بعقوبات تشديد الحصار، وبدا الأمر أن على الفلسطيني المُعتَر أن يدفع ثمن الاختيار. كأنما مأساة من وُلِدوا فلسطينيين يجب أن تظل رواية بلا نهاية، لعلها «ساغا» شكسبيرية SAGA مُقدّر لها أن تتوالد عبر كل العصور. ما إن يلوح بريق أمل في الأفق، حتى يُفتح فصل جديد، وإذا المأساة ذاتها يُعاد إنتاجها ويجري إخراجها بشكل مختلف، فتطفح أنهار تجري بدم الضحايا، ويسيل الألم دموعًا وتشردًا، مرة تليها مرات، فقط يتبدل المسرح، وقد تتغير وجوه، لكن الذي يدفع الثمن الفظيع هو الفلسطيني البسيط.

بدل أن تواجه قيادات «حماس»، بصبر الحكمة وتحكيم التعقل، ما واجهها من سوء انتقائية الموقف السياسي، عربيًا ودوليًا، إزاء الوصول الشرعي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، فوجئ كل من دافع عن حقها ذاك بانقلابها هي ذاتها على شرعيتها. حصل ذلك عندما أخذت تلك القيادات بمبدأ الانتقائية ذاته، وقررت بعد سنة وبضعة أشهر من فوزها، في يونيو (حزيران) 2007، الاستفراد بحكم قطاع غزة، فاستولت على مؤسسات السلطة وأجهزتها، وطاردت عددًا من مسؤولي حركة «فتح»، وشهد العالم مشاهد بشعة أضيفت إلى مسلسل المآسي المرتكبة بأيدي قيادات فلسطينية.

وبدل أن ترد السلطة الفلسطينية الشرعية، المُنقلب عليها، على انقلاب «حماس» بالإصرار على شرعيتها، فوجئ أيضًا كل مراقب محايد دافع عن حقها الشرعي ببسط سلطتها على مناطق السلطة كافة، بموقفها المزمجر غضبا عبر البيانات، والبارد عمليًا. لماذا لم ترفض السلطة الشرعية الانقلاب الحمساوي، وتتصدَّ له بالإصرار على الانتقال إلى غزة وتشكيل حكومة وطنية تشمل القوى الفلسطينية كافة؟ صيف 2008، وجهت هذا السؤال لأحد قياديي «فتح» ممن غادروا غزة بينما كان يزور لندن، وكانت خلاصة جوابه الهادئ، أو البارد: بصراحة، لا أحد يريد غزة.

أما استفراد «حماس» بغزة، وترك السلطة لها تواصل ذلك الاستفراد، فبدأ يعطي «ثماره» في تشديد الحصار، وكان الرد أن حُفرت أنفاق، ثم شُنت حروب، فهل بقي الحال على ما هو عليه؟ نعم، وكلا. نعم، بالنسبة لكل مصفق لما يقال إنه «انتصار» و«صمود» في مواجهة الحصار. لأصحاب هذه المحاججة الحق فيما يعتقدون. إنما، في الآن نفسه، كلا لم يبق الحال على ما كان عليه بما يخص أحوال غالبية ما يفوق المليون ونصف المليون إنسان. الحق يقول أيضًا إن ذلك الحال لم يزل يدفع باتجاه الأسوأ. ألم يك في غزة فتية في سن العاشرة قبل عشر سنوات؟ ترى، كيف حالَ أحياؤهم وقد بلغوا العشرين؟ وهل يجوز التساؤل عن أحوال أبناء العشرة أعوام حين جرى توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993؟ هم الآن في منتصف ثلاثينات العمر، فهل تحقق لجيلهم ما كان يأمل؟

الأربعاء الماضي، نشرت «الغارديان» مقالاً للجراحة البريطانية فيليبا ويتفورد تضمن ما شاهدته من آلام مصابات بسرطان الثدي في غزة. لعل السيدة ويتفورد لم تر ما أصاب النفوس من بؤس اكتئاب أوجع الأعصاب، وأدى لانتشار سلوكيات غريبة على المجتمع الغزي، خصوصًا بين الشباب، فزاد معدل الجريمة، واتخذ بعضها من الأشكال ما أثار الذهول. أما آن أوان أن يفيق أولاً أهل الدار (حمساويين، فتحاويين، جبهويين، إلى آخر القائمة)، ويضعوا حدًا، ولو لواحد من فصول المأساة اللانهائية، الفصل الذي صنعوه بأيديهم، فصل انقلابهم على أنفسهم؟ أعيبٌ هو أم جرمٌ أن يتواصل نوم القيادات الفلسطينية في مخدع الانقسام؟ ربما كلاهما. ثم، ألا يؤمنون أنهم سوف يُسألون في يوم فصل هو ميقات للبشر أجمعين؟ لست أدري.

عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار