مجد رمز وصانع ثورة

تابعنا على:   01:44 2016-05-25

أ. سلوى ساق الله

عُرف أبو عمار - لروحه المجد والتقدير- قائداً عسكرياً وشخصية رئيسية في الثورة الفلسطينية ورجل دولة عالمي. هو رمز للثورة والنضال في داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها حينما كانت منظمة التحرير في لبنان وتونس، وصاحب المواقف والحضور والمكانة الفلسطينية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

صَّب القائد اهتمامه على حتمية وجود القضية الفلسطينية على طاولة المحافل الدولية وسعى باتجاه الحصول على قرار رسمي من الجمعية العامة للأمم المتحدة يمنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير وإقامة الدولة ودحر الاحتلال.

كرس أبو عمار وقته وحياته من أجل قيادة دفة النضال الوطني الفلسطيني مطالباً بالحق الأساسي للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. ترأس العمل الفدائي كرافعة للكفاح الفلسطيني المسلح والذي اعتبر من أدوات العمل السياسي والعسكري والاستراتيجية السياسية حيث جند الأنصار والمؤيدين، تمرد على الوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية وقاد الثورة الفلسطينية بيقظة أمنية عالية امتاز بها.

خلال الفترة من الستينات وحتى والثمانيات؛ لم يجد نفسه إلا رجلا فدائياً عسكرياً يقاوم الاحتلال بكل ما أوتي من إمكانيات. استنهض الأمة ورفع الروح المعنوية في الشعب. كان ثورياً بالكامل وثابتاً في نضاله وأدار شعلة الحراك الشبابي، وقدس المصلحة العامة والتي تقتضي تحرير أرض فلسطين حتى أخر شبر منها. لم يكن يهاب الموت أو العدو المحتل أو ملاقاة زعماء العالم الذين اجتمعوا ضده في ذلك الوقت.

سطر القائد ملاحم البطولة والانتصار والكرامة الفلسطينية، وغرس روح التضحية. كان القائد نبض الشعب ونبع الوطنية. أصبح أبو عمار بنضاله وكفاحه رمزاً للثورة الفلسطينية والنضال الفلسطيني بمجمله، بل صورة لكل فلسطيني يحاول الدفاع عن أرضه. رسم فلسطين رمز الصمود والتحدي والعزة والكرامة والشموخ والكبرياء ورمز النضال والكفاح، والدفاع عن المقدسات. وثق الرمز عمق انتماء أبناء الشعب الفلسطيني لأرضه وتمسكه بالثوابت، ووحدة الشعب الفلسطيني في مناطق 1948 وفي الضفة والقطاع والشتات.

إلى جانب الكفاح المسلح؛ ناضل الزعيم أبو عمار في اللقاءات والمحافل الدولية ضمن خطاباته ضد احتلال الأرض واضطهاد الشعب، ونادى بالحرية للأرض والشعب والروح، ونادى بحق عودة مهجري فلسطين إلى ديارهم.

لم يتوانَ أن يحمل السلام في قلبه وروحه وفكره ونضاله، وآمن أن الأرض عربية فلسطينية بامتياز وأن السلام يجب أن يكون في العالم أجمع وليس في فلسطين فقط، وأن سلام الشرق الأوسط لا يكون إلا بتحرير أرض فلسطين من المحتل.

تنوعت أدوات النضال التي اختارها القائد أبو عمار لإنهاء الاحتلال، منها الثورة والبندقية، ومن ثم المفاوضات ورسالة السلام. عرف بعسكريته على مدار خدمته لقضية وطنه. وعرف بدعمه لأحزاب المعارضة الفلسطينية. كان يعزف بين المفاوضات وإعطاء إشارات للعمليات العسكرية والنضالية ضد الاحتلال ليثبت للعالم أن النضال وحق المقاومة هو حق شرعي لكل فلسطيني من أجل استرداد أرضه التي اغتصبتها إسرائيل، وأقامت قسراً وظلماً عليها ما أسمته دولة إسرائيل على أنقاض البيوت الفلسطينية المهدمة.

بدأ القائد مشواره النضالي الطويل بين الحرب والسلام محاوراً مناوراً على مدار أكثر من نصف قرن من الزمن، حيث أسس الثورة الفلسطينية وأطلق الرصاصة الأولى للكفاح المسلح 1965، ثم توج هذه النجاحات النضالية للثورة الفلسطينية وقدم أطروحة السلام التي حفرت على جدران التاريخ في خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 "إنني جئتكم بغصن الزيتون وبندقية ثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون الأخضر من يدي .. الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين". وقف العالم له احتراماً وتقديراً لشخصه ولشعبه الذي حمل هذا المنهاج النضالي المشرف.

امتاز أبو عمار بحكمته وحنكته السياسية التي لم تدخر جهداً في الحصول على أي انتصاراً دبلوماسياً ومكسباً قانونياً مهماً صغر حجمه أو قل شأنه في سبيل تحقيق الغاية الأكبر وهي تحرير كل شبر من فلسطين من أيدي الاحتلال. كان رمزاً للسلام احترمه العالم، امتاز بجرأته وعرف بمواقفه المشرفة البعيدة عن الخضوع والاستسلام وعدم تقديم تنازلات تمس الثوابت الوطنية المتعلقة بالقدس ومقدساته وبالأرض وحقوق اللاجئين.

على الرغم من الاتفاق في القضايا المصيرية في بعض النقاط، إلا أن الخلاف بينه وبين بعض الفصائل أدى إلى اتهامه بالعمالة والخيانة ضد وطنه وقضيته، وأنه تنازل عن أكثر من 80% من الأرض خلال سلسلة المفاوضات وما سمي بعملية السلام لصالح الاحتلال.

عصفت سنوات أوسلو العصيبة بالقضية الفلسطينية في منحنى اختلفت على خياراته الأحزاب الفلسطينية التي قابلت هذه الخيارات بالرفض، حيث اعتبرتها خيارات غير موفقة وقد اعترف بها بنفسه. بعدها؛ استطاع أبو عمار العودة إلى الطريق المقاوم في الانتفاضة الثانية ومعه استعادت القيادة الفلسطينية دورها وموقعها الطبيعي، واستعاد أبو عمار - نفسه- صورته وكرامته وأمجاد نضاله، ومات بصورة مشرفة كما تمناها "شهيداً".

بعد غياب أبو عمار؛ أصاب الجسد الفلسطيني الوهن. غابت عنا شخصية القائد والأب الحنون ومفجر الثورة، والحكيم والثوري والوطني. فلو كان بيننا اليوم عرفات لن يرضَ بالهوان والضعف الذي أصاب الجسد الفلسطيني وأضعفه، ولن يسمح بالمطلق بالانقسام الذي يتآكل معه جسد اللُحمة الفلسطينية يوماً بعد يوم، ولن يرضَ أن يسجل التاريخ يوماً واحداً انقساماً للقوى الفلسطينية حول أدوات تحرير الأرض وتطهير التراب وفك قيد جميع الأسرى. إن شخصيته الحكيمة تجعله يبلور الرؤية لرأب الصدع بين الفلسطينيين، وإعادة اللحمة بين أبنائه والوحدة بين صفوفهم.

الزعيم الفلسطيني هو عنوان الحكاية الفلسطينية، هو عنوان البقاء داخل كل فلسطيني غيور على أرضه ومحطة النهوض الوطني الفلسطيني للدفاع عن الأرض وعروبتها. وإن اختلف البعض على بعض خيارات أبو عمار أثناء رحلة نضاله، وتحديداً بعد اتفاق أوسلو والحكم الذاتي واتفاق غزة أريحا، إلا أن الفلسطينيين لا يختلفون عليه كرجل نضالي مقاوم ومثابر وله تاريخ نضال مشرف.

إن الانقسام لا يجعلنا أكثر من أدواتاً في يد الأخرين لتنفيذ مطامعهم، كأحجار على رقة الشطرنج في يد الجهات خارجية ذات أجندات خاصة تهدف إلى إحراق الشرق الأوسط بنار الفتنة والطائفية والحزبية العمياء الضالة والمضلة، بينما العالم هناك يجتمع ويهدف ويخطط لتقسيم المنطقة وإعادة هندستها حسب خريطة المطامع الجديد وهو ما سمي سايس بيكو 2016، وهذا كله في ظل ركيزة هامة وهي الوضع العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص الضعيف المهترئ التي يخدم تلك المطامع والمصالح وحدها.

لمَ لا نجتمع اليوم على قلب رجل واحد ونحي صلابة وحدتنا الوطنية من أجل انهاء الانقسام ومواجهة التهويد والاستيطان؟ وأن نوحد كلمتنا وأدوتنا ورايتنا ونعيد أمجاد القضية الفلسطينية التي باتت تتأرجح على حافة الهاوية بسبب الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني، وإعادة الاعتبار لثوابت الصراع مع العدو الصهيوني الإمبريالي؟

إن كانت المعارضة هي الوجه الصحي والصحيح لديمقراطية الشعوب، فإن هذا لا يعني تغلب الخطاب الفئوي الحزبي، واعتبار أن الطرف الأخر هو خصم سياسي يجب القصاص منه، وبالتالي اعتناق منهجية مرتبطة بالشعارات العامة والخطابات البلاغية والدعاية التوتيرية الموجهة للخصم الأخر ومهما كان الخلاف فليس من المفترض ألا يؤدي الخلاف إلى انشقاق وحدة الصف.

إن التفكك الوطني الذي تعاني منه الاحزاب الفلسطينية المتناحرة على السلطة في شطري الوطن لن يخدم إلا أصحاب الأجندات الخارجية الهادفة إلى ضياع القضية الفلسطينية واستمرار استعمار الأرض وتهويدها.

نحن الآن جميعاً مدعوون أن نعيد قيم نضالنا والتي لن تتحقق في ظل انقسام وحدة الصف الفلسطيني وتراشق الكلمات. والمطلوب هو إطلاق طاقات الفصائل وتوثيق الكفاح الطويل من خلال في خطة في مبنية على رؤية واستراتيجيات جديدة وموحدة قائمة على مواجهة المحتل وتعزيز الثوابت الوطنية وعلى رأسها حق العودة للشعب الفلسطيني، والقدس والأقصى وفلسطين كلها غير قابلة للقسمة أو التقسيم، إلى جانب ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء مؤسساته ومرجعياته السياسية على أسس ديمقراطية والشراكة في المسؤولية والمصير.

اخر الأخبار