غزو فكري مكمل للغزو العسكري والانتصار للتكنولوجيا، مقابل استسلام عربي تركي

تابعنا على:   13:11 2016-05-24

مروان صباح

ذات يوم قبل قرون من الزمان ، أُسر لويس التاسع ملك فرنسا في بيت القاضي إبراهيم بن لقمان بعد معركة المنصورية في مصر ، توصل الملك الأسير إلى هذا الاكتشاف العبقري بعد سلسلة حروب من الاحتلال والطرد ، بأن لا بد من فهم الفكر الإسلامي الذي يجعل من المسلم بهذا الاندفاع والجهوزية والتضحية ، في أي وقت ومهمَ كانت الظروف ، فوضع الرجل أسس جديدة تعترف بالنهج التقليدي ، لكن ، تضيف إلى الغزو العسكري ، غزو فكري ، الذي من المفترض ، أن يسبق إي تحرك عسكري ، ويؤسس قواعد ثقافية في المجتمعات الإسلامية على أن تتحول المنطلقات والأهداف إلى خضوع واستسلام ، بالطبع ، للقوة الغربية المتجددة ، حيث ، يتم ترويض وإبهار هذه المجتمعات شيءً فشيئاً إلى أن تصل لقناعة مطلقة بأن السبيل الوحيد ، هو ، التبعية الكاملة للقوى الانتاج الكبرى ، ولا شيء آخر .

أنها الجدلية الأبدية بين الظلام والنور ، لهذا ، كان لا بد منذ زمن لويس التاسع حتى ثورة الأنوار ، أن تعمل المكنة الاستعمارية على فك اللغز الذي وضعه الرجل ، فلجأت إلى مساندة الاستبداد في المنطقة الاسلامية وإفراغه تماماً ، من حيويته العلمية والتطورية ، حيث ، سعت بكل جهد إلى اجتثاث التجربة الهارونية والأندلسية من نمط الحكم الاسلامي وتكفل الإستشراق في إعادة كتابة سيرة هارون الرشيد ، حيث ، اختزله بين حفلات الطرب والنساء وأنتج نخبة عجفاء تردد السرد الجديد ، وأبقى على الإبداع الفردي الذي من الطبيعي سيضطر إلى الهروب من محيط الاستبداد والجهل إلى أماكن تسعى للحضارة والإنسانية ، من هنا ، بدأت الدولة الاسلامية تتراجع ولا تتقدم وانحصرت البوتقة الجامعة للقوميات والإثنيات ، تماماً ، لقد انكسر كل شيء عند انتهاء الحرب العالمية الأولى ، فكان الفاصل ، هو ، دخول الاستعمار من جديد ، لكن ، الجديد كان ، أن المستعمر ، بذر بذور الوطنيات بين جغرافيات ، اقتطعت بالأصل ، من الجغرافيا الأوسع ، كانت متماسكة ومتداخلة لقرون من الزمن ، لم يشهد تاريخ المنطقة منذ أن حكمت الدولة الاسلامية شؤون الناس ، دول وطنية ، يسود فيها دساتير مدنية وضعية ، بالرغم ، أنها شهدت صراعات دموية على الحكم ، ومن جهة أخرى ، أسس بعض الشخصيات التاريخية ، دول هزيلة مستقلة ، وأيضاً ، شهد التاريخ فرق متعددة ، أخذت طرق خاصة في الدين ، منها الصالح وأكثرها الطالح ، لكنها بقت جميعها في إطار مفهوم الدولة الاسلامية ، الشاملة ، حتى لو اتسمت بطابع قومي أحياناً ، عربي أو تركي أو فارسي وغيرهم .

وبهذا التجديد ، وفي عنصر جدلي ، ليس من الحكمة غض الطرف عنه ، اقتصر المستعمر هذه المرة غاياته العميقة . عندما نقل المنطقة إلى أوطان متعددة ، تتوحد في الرسالة ، عموماً ، وتتبنى أيديولوجيات متنوعة خارجية ، أحياناً ، محلية مذهبية ، طوراً ، وتتفق بلاد الشام خاصة ، المحيطة بإسرائيل ، حول الحد المسموح لمقاصد الدين أن تتمدد ، بهذا المنطق ، كسب المستعمر ثلاثة أمور ، اولاً ، لم تعد الأكثرية ، السنة والجماعة ، ذات قيمة فعلية في التأثير والفعل ، لأنها ، موزعة بين أيديولوجيات خارجية وفرق دينية منزوعة الأهداف والمنطلقات ، لتصبح الأكثرية ، أقلية في الواقع ، ثانياً ، عبر العقود ، لم تتشكل لدى المواطن قناعة جدية ، لمسألة حدود الوطن والمواطنة ، طالما ، نظام المتحكم بالدولة أخفق بجميع الاختبارات ، فتجزئته كما حصل في السودان رسمياً أو في العراق ضمنياً وفي لبنان تاريخياً ، يُعتبر أمر عادي أو إجرائي ، ثالثاً ،عمل المستعمر من خلال أدواته الإستشراقية ، على ترسيخ مفهوم ، جدير ذكره ، بأن العروبة والعرب ، منحصرين ، في منطقة الجزيرة العربية فقط ، وبالتالي ، أصبحت القدس ، قابلة للتدويل ، بإدارة يهودية والأقصى قابل للنقل إلى موقع أخر مع الاحتفاظ بأحجاره ومنبره وأيضاً قبة الصخرة التاريخية التى بناها عبد الملك بن مروان وتُعتبر أقدم بناء إسلامي بقي محافظاً على شكله وزخرفته ، حيث ، نجح المستعمر بتحويل القدسية من المكان إلى الحجر بعد ما أنتج نخب تتحكم ، اليوم ، بالمسارات الفكرية ، ففقدت القدس رسالتها العلمية وفقد المسلمون قبلتهم الأولى ، تماماً ، كما فقدوا حائط البراق ، رغم أهميته ، فهو يُعتبر مدخل وباب الأنبياء ، وقد سُميا باسم دابة رسول المسلمين ، وليس غيرهم ، لكن ، إدارة القدس الحقيقة ، استطاعت تغير اسم الحائط من البراق إلى حائط المبكى ، والملفت ، أن الأغلبية المسلمة تطلق على الحائط ، بحائط المبكى ، طبعاً ، باستثناء النخبة المضادة ، وهذا يشير عن حجم الإفراغ الحاصل ، لكن الملفت أيضاً ، أن إسرائيل عندما اقدمت على هدم حي المغاربة ومدارس دينية ملاصق جميعها في جدار المبكى ، طالبوا في حينها من الحكومة المغربية بنقل حجارة المباني إلى أي مكان يناسب المغرب .

هناك ذرائع لا تصمد أمام الحقائق ، يتابع المرء أفكار فوكوياما وما يطرحه الرجل حول تاريخ قد رحل وتاريخ يتشكل بفضل التكنولوجيا ، وبالتالي ، من يمتلكها فهو المنتصر ، تتقاطع أفكاره هذه مع فرق إسلامية متعددة ، حول وجود المهدي في مكان ما ، لكن ، لم يأذن له بالخروج العلني حتى الآن ، ومن جانب آخر ، ينتظر اليهود خروج رجل يمتلك القدرة والسيطرة على الأرض ، هذا يعني ، أن الغلبة لمن يمتلك التكنولوجيا التى من المفترض أن يتحكم فيها الرجل القادم ، أي أن خلاصة القول تقول ، بأن إسرائيل الوحيدة تمتلك التكنولوجيا في منطقة بلاد الشام ، وفي المقابل ، إيران في الجانب الأخر من المشرق العربي ، تتفوق تكنولوجياً على جيرانها ، فالأولى ، سيطرت على القدس والأقصى وترغب بتدويل المدينة بإدارتها ، والثانية ، سيطرت على العراق وتفتعل عقد ومأزق بهدف تدويل مكة والمدينة المنورة ، الأولى تحالفت مع أمريكا والغرب في احتلالها للقدس ، والثانية ، تحالفت مع أمريكا والغرب للسيطرة على العراق وتهديد الخليج ، في المقابل ، يتحالف الروسي مع إيران وإسرائيل وأمريكا من أجل استمرار وجوده في سوريا ، لكن ، عينه على الأناضول ، بالإضافة ، للساحل السوري ، التى يعتبرها حصته المؤجلة منذ الحرب العالمية الأولى ، وهذا على الأقل يفسر ، ببساطة وتبسيط شديد ، أن الأمريكي قلب الطاولة على السعودي والخليجي عموماً ، عندما انجز اتفاق التفوق التكنولوجي مع الإيراني ، وأيضاً فعلها مع التركي ، عندما تحالف ، مع حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا والأكراد عموماً .

أمام كل هذه العقائد والأفكار والحروب والانتصارات والهزائم العربية ، بالطبع ، هناك شيء طريف ، رغم أنه يثير الحزن والأسف ، أيضاً ، ينتقل العربي والتركي من تحالف إلى الأخر أو بالأحرى ، من فخ إلى وكر ، كأنهما ، طير مذبوح ، يرقص رقصته الأخيرة .

والسلام

كاتب عربي

اخر الأخبار