من لا يرى يحذر من لا يسمع

تابعنا على:   08:34 2016-05-19

عبداللطيف المناوي

يُروى أن أعمى قال لأطرش: «أنا حاسس إن فيه حد بيراقبنا». هذه نكتة قديمة ومكررة، لكنها تحضر دائماً عند الحديث عن غياب الحوار بين الجماعات والأفراد، سواء كانت جماعات سياسية أو مواطنين فى المجتمع. فمن لا يرى يُحدث من لا يسمع، ومن لا يسمع لا يستجيب، ومن لا يرى يظن أن الآخر يتجاهله، وهكذا دائرة مغلقة ندور فيها بلا حل، وتصلح لأن نستدعيها اليوم للحديث عن الشباب والدولة.
فتلك العلاقة الملتبسة بين الفهم الذى لم يحدث والإنصات الذى لم يتم، أو الصد والصدام الذى حدث عدة مرات، وهذا الاحتقان الواضح من خلال اللقاءات السياسية، يجعل موضوع الشباب أحد أهم الموضوعات الأساسية، ليس فقط بسبب أنهم يكونون الشريحة العمرية الأكبر فى البلد، ولكن أيضاً بسبب ما بدا خلال الفترة الماضية وكأنه الدفع بقطاع من هذه الفئة العمرية، لتكون فى موضع العداء من الدولة، وذلك بعد ما حدث فى مظاهرات 25 إبريل. ونبدأ الحكاية من البداية. وهى من المفهوم الملتبس لدى أجزاء من الدولة عن الشباب. فى فترة اعتقدت قطاعات من الدولة أن الشباب هم أولئك الذين فى السوشيال ميديا، والذين يهتفون فى المظاهرات، أو يكتبون هنا وهناك مهاجمين، وفى إطار محاولة احتوائهم فقد وقع الخطأ الأول. عندما تجاهلت الدولة كل من ينتمى لتلك الفئة ممن لا يمتلكون صوتاً عالياً، وأنصتت فقط لأولئك الهاتفين فى السوشيال ميديا أو فى الشوارع.
ولم يدرك بعض القائمين على هذا الملف أن الفلاحين فى القرى والأقاليم بينهم شباب، وأن كل أسرة مصرية بها فرد أو اثنان من الشباب، وأن الطلبة فى الجامعات المختلفة من الشباب، وأن العاطلين والباحثين عن عمل معظمهم من الشباب، وبالتالى كان على قطاعات من الدولة أن تفهم من البداية ما هو المقصود بمفهوم «الشباب»، الذى يجب عليها أن تتعامل معه.
وبدأت مرحلة جديدة عندما اعتقدت بعض أجزاء الدولة أن الشباب هم نقيض «الخبرة»، وأنه لكى نقرب الشباب ونقترب منهم لابد أن نعادى أصحاب الخبرة، وكان هذا خطأ آخر.
وعندما قررت الدولة أن تدرب الشباب ليكونوا قيادات المستقبل بدا الأمر وتنفيذه غير واضح الملامح، كما أن الأهداف والبرامج التى تقدم لا نعلم عنها الكثير، كما لا نعلم شيئاً عن أولئك الذين يكوّنون قيادات المستقبل، حول قدراتهم أو «بركاتهم».
ويبدو فى مرحلة تالية أن أجزاء من الدولة وجدت أن التعامل مع الشباب، أو مع بعضهم، ينبغى أن ينطلق من فكرة «اضرب المربوط يخاف السايب»، وهكذا كان التعامل فى مرحلة ما قبل مظاهرات 25 إبريل، وأثناءها، وما بعدها، وصدر ما صدر من أحكام، اعتبرها البعض كسباً لعداء جزء لا بأس به، ولقطاع مهم من أولئك الذين ينتمون سواء اجتماعياً أو عمرياً أو سياسياً إلى تلك المجموعة.
تجدر الإشارة فقط هنا إلى أننى من أولئك الذين يؤمنون دوماً بدولة القانون، واحترام القانون، وحتى إذا كانت هناك ملاحظة على هذا القانون أو ذاك، أو دعوة لتغييره، فلابد أن تكون من خلال القانون، وبالتالى فإن أى سلوك غير قانونى، صحيح أنه يجب أن يقابل برد فعل قانونى، ولكن تظل هناك الحكمة السياسية هى الحاكمة لأى تصرف فى هذا الإطار.
الخوف يسود المنطقة العربية جميعاً، بل العالم بأكمله، من اندفاع الشباب إلى التطرف والإرهاب، ومن اجتذاب الجماعات الراديكالية له عبر وسائل مختلفة، والمطلوب من عقلاء الأمة أن يعملوا معاً لحماية الشباب من هذا الخطر، ولتنفيذ هذا لابد من فتح الساحة فى البداية لعقلاء الأمة حتى يعبروا عن أنفسهم وعن أفكارهم بشكل صحيح من خلال وسائل مختلفة، وأن يتم وضع برامج تتعامل مع الواقع وتعالجه، ولا تنكر أى زاوية من زواياه، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، أو حتى طائفية.
والأكيد أن أكثر الأمور احتياجاً للعلاج هنا هو أن تجد الدولة اللغة المناسبة والأسلوب المناسب للتعامل مع تلك الفئة العمرية المنتشرة فى جميع أنحاء المجتمع، بهدف رئيسى، وهو البدء فى حمايتهم من التطرف، وأن يشعروا بأنهم شركاء بحق فى هذا البلد.
عن المصري اليوم

اخر الأخبار