أبرز ما تناولته الصحافة العبرية15/05/2016

تابعنا على:   12:16 2016-05-15

هرتسوغ يواصل مساعيه للانضمام الى حكومة نتنياهو ويحاول اغراء حزب ليفني بمناصب وزارية

كتبت صحيفة "هآرتس" ان رئيس حزب المعسكر الصهيوني، يتسحاق هرتسوغ، يواصل دفع انضمام كتلته الى الائتلاف الحكومي. وأوضحت مصادر مقربة من هرتسوغ، في نهاية الأسبوع، بأنه على الرغم من الانتقادات التي وجهت اليه من قبل قيادة حزبه، فانه لا يزال معنيا بالانضمام الى الحكومة. وقالوا ان "هذه الخطوة يمكن ان تتحقق، رغم ان فرص احتمالها ليست عالية".

وكجزء من محاولات توسيع الدعم لهذه الخطوة، ينوي هرتسوغ اقتراح منصبي وزير ومنصب نائب وزير رفيع على ممثلي حزب "الحركة" في اطار كتلة "المعسكر الصهيوني". لكن رئيسة "الحركة" ونواب حزبها اوضحوا لهرتسوغ معارضتهم الشديدة للانضمام الى الحكومة، الا ان مصادر مطلعة على التفاهمات بين هرتسوغ ونتنياهو، اعربت عن أملها بأن يسهم هذا الاقتراح بتخفيف حدة معارضتهم. وقال مقربون من ليفني ان "موقف الحركة تحدد بشكل مبدئي، ولا يرتبط بالمناصب".

ويعتقد هرتسوغ ان دعم الانضمام الى الحكومة بين نواب العمل سيتسع بعد المصادقة على الاتفاق في مؤتمر الحزب، حيث يسود التقدير بأنه سيحظى بالأغلبية هناك. واوضح هرتسوغ انه "يتوقع بأن يلزم قرار المؤسسات الديموقراطية في الحزب الجميع".

لكنه في هذه الاثناء تتواصل معارضة قيادة الحزب للتحالف مع نتنياهو، وتعرض هرتسوغ الى هجوم شديد في نهاية الأسبوع من قبل النائبين شيلي يحيموفيتش وميكي روزنطال. فقد كتب روزنطال على صفحته في الـ "فيسبوك" ان "الضرر الضخم الذي سببه بوغي غير قابل للتصحيح طالما بقي في منصبه"، فيما قالت يحيموفيتش خلال مشاركتها في برنامج "واجه الصحافة" التلفزيوني، امس، ان هرتسوغ "لا يملك حق القاء كل قيمنا وايديولوجيتنا لصالح شراكة تعتبر مقاولا منفذا لدى نتنياهو".

وتظاهر عشرات نشطاء حزب العمل المعارضين للخطوة امام منزل هرتسوغ، امس. وقالت نعمي لزيمي، احدى منظمات التظاهرة ان "بيبي يجب استبداله وليس خدمته". واضافت لزيمي التي تنافس على رئاسة "الحرس الفتي" في الحزب، بدعم من عمير بيرتس وشيلي يحيموفيتش، ان "الانضمام الى حكومة اليمين المتطرفة والمتوحشة سيؤدي الى فقدان ثقة الجمهور ويوجه ضربة قاسمة للحزب".

وقدر مصدر في الائتلاف مطلع على الاتصالات بين الجانبين، بأنه "يمكن التوصل الى اتفاق مقبول على هرتسوغ ونتنياهو، لكن المشكلة حاليا هي قدرة هرتسوغ على ضم حزبه الى الحكومة". وحسب اقواله فان "غالبية المطالب التي طرحها هرتسوغ في الاسبوع الماضي قابلة للحل. لقد صاغها بشكل غامض، لكي يتسنى تجاوز الفجوات. مثلا، يمكن منح المعسكر الصهيوني حرية التصويت على مخطط الغاز وتمرير المعارضة له في الحزب".

وحسب التقديرات فانه يمكن لنتنياهو وهرتسوغ التوصل الى اتفاق مشابه يمنح المعسكر الصهيوني حرية التصويت في مسائل حساسة اخرى، لا يتفق فيها موقف الحزب مع موقف الحكومة. وبالنسبة للصلاحيات التي طرحها هرتسوغ في مسألة الدفاع عن المحكمة العليا وصد قوانين عنصرية، فان هذه الصلاحيات تخضع في كل الأحوال لحزب كلنا.

واعرب احد اعضاء المعسكر الصهيوني عن احباطه في ضوء مطالب هرتسوغ، وقال: "كل مطالبنا الأساسية التي يفترض ان تكون مفهومة ضمنا، ليست مذكورة بشكل مفصل في تصريح هرتسوغ – تجميد البناء في المستوطنات، سن قانون الاخلاء والتعويض، وحتى التصريح بشأن الدولتين للشعبين او الالتزام باستئناف العملية السلمية. هرتسوغ لا يصر على نيل حق الفيتو في موضوع مخطط الغاز وانما على "تدخل في الموضوع".

اما رئيس حزب "يوجد مستقبل" يئير لبيد، الذي يتوقع ان يكون الرابح الكبير من دخول المعسكر الصهيوني الى الحكومة، فقد انتقد الاتفاق وقال: "السياسة القديمة منشغلة فقط في نفسها وفي كراسيها وتشريفاتها والوظائف التي سيحصل عليها الرفاق".

في المقابل يعمل مسؤولون كبار في الليكود على عرقلة الاتفاق. وقد حذر الوزير زئيف الكين من ان دخول المعسكر الصهيوني الى الائتلاف يمكنه جر الحكومة الى انتهاج سياسة مشابهة لليسار وابعاد البيت اليهودي. وكتب على صفحته في "فيسبوك": "بوغي ورفاقه سيحاولون ترميم ثقة اليسار وتبرير وجودهم في الحكومة. ولذلك سيحاولون كل يوم جرنا الى اليسار والمطالبة بالدفع للملك: انجاز يساري اخر، والا فانهم سيبكون وسيهددون بأنهم لن يستطيعوا البقاء في الداخل والامساك بالرفاق".

اما نائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيلي فكتبت: "اما نحن واما هم لم تكن مجرد شعار انتخابي. هذه مقولة تعكس الفجوات في المفاهيم. الجمهور اختارنا وعلينا اخذ هذا التفويض وقيادة حكومة المعسكر القومي حسب الاجندة التي انتخبنا وفقا لها".

"هولاند يعتذر عن تصويت فرنسا الى جانب الفلسطينيين في اليونسكو"

كتبت صحيفة "هآرتس" ان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بعث يوم الاربعاء الماضي، برسالة الى رؤساء الجالية اليهودية الفرنسية، ادعى فيها ان دعم بلاده للقرار المضاد لإسرائيل الذي بادر اليه الفلسطينيون في اليونسكو،  والذي يشطب الصلة بين اليهود بالحرم القدسي، نجم عن سوء فهم. والتزم هولاند بعدم دعم فرنسا في المستقبل لقرارات مشابهة.

وجاءت رسالة هولاند في اعقاب سلسلة من الاحتجاجات الشديدة من جانب الحكومة الاسرائيلية في الأسبوع الأخير على خلفية الغليان الكبير في الجالية اليهودية الفرنسية.

وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قد بعث في بداية الأسبوع الماضي، برسالة الى هولاند احتج فيها بشدة على دعم فرنسا لقرار اليونسكو. وكتب نتنياهو في رسالته ان اليونسكو، التنظيم التابع للأمم المتحدة والمسؤول عن حماية التراث الانساني "تدهور الى حد اعادة كتابة جزء اساسي من التاريخ الانساني غير المتنازع عليه".

وكتب نتنياهو انه "لا توجد لدى اسرائيل اوهام بشأن الأمم المتحدة والتزاماتها بإجراءات عادلة"، لكنه أضاف: لقد صدمنا قيام اصدقاءنا الفرنسيين برفع ايديهم تأييدا لمثل هذا القرار المخجل". وادعى نتنياهو ان المجتمع الدولي يجب ان لا يساعد محاولات الفلسطينيين انكار التاريخ اليهودي ونشر الاسطورة التي تقول ان اسرائيل تعمل بشكل عدواني في الحرم القدسي، لأنه، حسب اقواله "هذا ليس فقط غير اخلاقي وانما خطير".

في المقابل طلب قادة الجالية اليهودية الفرنسية اجراء لقاءات عاجلة مع مسؤولين في الحكومة الفرنسية وحولوا رسائل احتجاج الى الرئيس هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس ووزير الخارجية جان مارك أيرو. ويوم الاربعاء بعث هولاند برسالته الى رئيس المجلس الديني اليهودي في فرنسا، جويل مارجي، حاول فيها توضيح قضية التصويت في اليونسكو.

وكتب هولاند: "اريد التوضيح بأن موقف فرنسا في مسألة القدس لم يتغير – الدفاع عن حرية الوصول والعبادة في القدس، المدينة الهامة للديانات التوحيدية الكبرى، التابعة لكل المؤمنين اليهود والنصارى والمسلمين". واضاف: "بودي تكرار تمسك فرنسا بالوضع الراهن في الاماكن المقدسة في القدس. هذا حيوي في الوضع الحالي في ضوء ازدياد التوتر".

وكتب هولاند أن "أيرو"، الذي وصل الى إسرائيل امس، وسيجتمع بنتنياهو اليوم، ورئيس الحكومة المتوقع قيامه بزيارة اسرائيل في 22 ايار، سيوضحان ذلك خلال المحادثات في إسرائيل والسلطة الفلسطينية. كما وعد هولاند بأن فرنسا لن تدعم نص القرار المشابه الذي يتوقع التصويت عليه في اليونسكو في تشرين الاول القادم. وقال: "فرنسا لن توقع على نص يبعدها عن المبادئ التي اشرت اليها".

وقال مسؤول رفيع في القدس ان رسالة هولاند، وتصريح فالس في البرلمان قبل عدة ايام، ووزير الداخلية خلال لقائه مع رؤساء الجالية اليهودية في بداية الأسبوع الماضي، تدل على ان حكومة باريس فهمت بأنها ارتكبت خطأ خطيرا عندما دعمت مشروع القرار الفلسطيني في موضوع القدس وجبل الهيكل. وقال ان هولاند وأيرو يؤمنان بأن التصويت في اليونسكو مس بشكل بالغ بمحاولاتهما اقناع اسرائيل بالتعاون مع المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام حتى نهاية السنة.

وعلى خلفية التوتر بين اسرائيل وفرنسا يأتي اجتماع أيرو ونتنياهو اليوم لمناقشة المبادرة الفرنسية للسلام. ومن المتوقع ان يسمع أيرو انتقادا شديدا من قبل نتنياهو للموقف الفرنسي في اليونسكو وللمبادرة، بينما سيحاول أيرو اقناع نتنياهو بعدم رفض الاقتراح نهائيا.

اعتقال شرطي فلسطيني من بيت لحم بادعاء التخطيط لعملية

كتبت "هآرتس" ان اسرائيل اعتقلت امس، فلسطينيا في منطقة بيت لحم، خلال تواجده في منطقة ميشور ادوميم، الى الشرق من معاليه ادوميم، بشبهة التخطيط لتنفيذ عملية. وحسب بيان الشرطة فقد استعدت قوات الامن للهجوم في اعقاب تسلم معلومات استخبارية تفيد بأن "الفلسطيني خرج من بيته لتنفيذ عملية". وقالت وكالة "معا" الفلسطينية ان عائلة المعتقل تعرفت عليه وقالت انه محمد مصطفى النجار وهو شرطي فلسطيني من مخيم للاجئين في منطقة بيت لحم. وقالت عائلته انه كان عائدا من عمله في الشرطة التي التحق بها في الاسبوع الماضي.

وكان الشرطي قد وصل على متن سيارة الى نقطة التفتيش التي اقامتها شرطة حرس الحدود قرب ميشور ادوميم، فتم اعتقاله، وخلال تفتيش حقيبته عثر فيها على ملابس شرطي جديدة، ويجري فحص ما اذا كان ينوي استخدامها لتنفيذ العملية. وتم تسليم المعتقل للشاباك.

وقال شقيقه اشرف، ان شقيقه لم يحمل ملابس للشرطة الاسرائيلية وانما ملابس للشرطة الفلسطينية. وقالت العائلة ان محمد خرج من السجن الاسرائيلي قبل سنة بعد اعتقال لمدة عشر سنوات.

اسرائيل تدعي ان قوات داعش تتدرب في غزة

كتبت "هآرتس" ان منسق عمليات الحكومة في المناطق، الجنرال يوآب مردخاي، ادعى امس الاول، بأن نشطاء الدولة الاسلامية – داعش، دخلوا قبل عدة ايام من مصر الى غزة عبر الانفاق، لإجراء تدريب عسكري في القطاع. وحسب مردخاي فقد دخل النشطاء برعاية جهة مقربة من حماس التي تساعد داعش ايضا بتقديم العلاج الطبي لأفرادها في مستشفيات غزة.

وجاءت تصريحات مردخاي لموقع "ايلاف" السعودي. وحسب اقواله فقد دخل النشطاء بالتنسيق مع سعيد عبد العال، المقرب من حماس في رفح. وقال بأن هناك تنسيق بين القيادات السياسية والعسكرية الكبيرة في حماس.

في المقابل تبذل حماس جهودها لإظهار صورة تبين ابتعادها عن ايران وداعش من اجل التقرب الى مصر. وفي الآونة الأخيرة زار وفد من حماس القاهرة، لالتقاء رؤساء الاستخبارات المصرية. وقالت حماس ان اللقاءات كانت ايجابية واكدت ان التنظيم لا يتدخل في أي نشاط يمس بالأمن القومي المصري، من اجل تشجيع مصر على تغيير سياستها ازاء قطاع غزة واعادة فتح معبر رفح. وهكذا في ظل التفاهمات التي تم التوصل اليها خلال اللقاء، بدأ محاربو الحركة بالقيام بدوريات على امتداد الحدود مع مصر وانشاء حواجز ونقاط تفتيش.

مع ذلك يعتقد الجهاز الامني الاسرائيلي انه الى جانب الزيارات والاتصالات بين قادة حماس والقاهرة، ترفض حماس الانفصال عن ايران وجهات اسلامية وسلفية متطرفة في شبه جزيرة سيناء.

ونفى الناطق بلسان حماس، سامي ابو زهري تصريحات مردخاي، وقال انها تحريض ضد قطاع غزة بهدف تبرير كل عدوان مستقبلي ولمواصلة محاصرة القطاع. كما قال رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، ان "النضال ضد الاحتلال هو حق مشروع وواجب قومي وديني وهو الطريق الاستراتيجي لتحرير فلسطين". واضاف في خطاب مسجل تم بثه في غزة دعما للانتفاضة انه "يجب عدم منح الشرعية للاحتلال، والمقاومة هي ليست هدفا وانما وسيلة لتحرير ارض فلسطين".

حالة تأهب في إسرائيل بمناسبة يوم النكبة

كتبت "يديعوت احرونوت" ان الجهاز الامني اعلن حالة التأهب استعدادا ليوم النكبة الذي يصادف اليوم. ودعت حماس الفلسطينيين في الضفة والعرب في اسرائيل للخروج الى الشوارع والتظاهر. ويجري احياء ذكرى النكبة في هذا التاريخ سنويا، بشكل قريب من احتفال إسرائيل بالاستقلال، بهدف تذكير العالم بالمأساة التي اصابت عرب ارض اسرائيل الذين غادروا، طوعا او قسرا، خلال حرب التحرير، وتحولوا الى لاجئين، غالبيتهم في الدول العربية المجاورة.

في السنوات الأخيرة مر يوم النكبة بهدوء نسبي، لكن حماس حاولت في نهاية الأسبوع تأجيج الغرائز، واعلنت عن يوم غضب، ودعت الفلسطينيين الى التظاهر في الشوارع، والدخول في مواجهات مع قوات الأمن. واعلنت قيادة الحركة انها تتوقع مشاركة 50 الف شخص على الأقل في الاحداث، ودعت الى عدم الاكتفاء بالهتافات واللافتات وانما رشق الحجارة والزجاجات الحارقة وتنفيذ عمليات طعن ودهس واطلاق للنيران.

وفي السلطة الفلسطينية تم حث الجمهور على المشاركة في احياء ذكرى النكبة لكنها لم تدع الى الدخول في مواجهات مع قوات الامن. ومن المتوقع ان تقع الاحداث الرئيسية قرب معبر قلنديا، شمال القدس، وحاجز حوارة على مدخل نابلس، ومخيم عايدة للاجئين في بيت لحم. كما ستجري مظاهرات واجتماعات في مراكز المدن الفلسطينية. كما استعدت الشرطة في شمال اسرائيل لاحتمال خرق النظام.

 مقالات

موكب الحماقة

تكتب "هآرتس" في افتتاحيتها الرئيسية، ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اعرب خلال احدى مناسبات الاحتفال بيوم الاستقلال، عن امنية ملفوفة بالحنين: استئناف مواكب الجيش التي توقفت في أعقاب حرب يوم الغفران. نتنياهو تذكر ايام طفولته في القدس حين كان يشاهد مواكب الجيش في العاصمة الصغيرة، في غرب المدينة، حين كان جيش اسرائيل الفتية يَحذَر من اثارة غضب الجيران، واكتفى بتنظيم موكب ضم عدة سيارات جيب عسكرية ودبابات خفيفة ومدفع رمزي او اثنين. بعد 68 سنة من الاستقلال الذي تحول الى امر اعتيادي، تتوق روح نتنياهو الى صورة مستحدثة لتلك المواكب، قد تكون على شاكلة مواكب النصر التظاهرية في السنة العشرين للدولة، بعد سنة من حرب الأيام الستة. وبالفعل لماذا يغيب دور نتنياهو امام بوتين في الساحة الحمراء، والرئيس الفرنسي في الشانزليزيه وزعماء كوريا وايران.

لو كان نتنياهو جديا، لما كنا قد سمعنا امنيته قبل اجراء فحص اساسي لمعنى تنفيذها. مثلا، تكلفة الحدث وايقاف العمل الاعتيادي للوحدات التي ستشارك فيه. وهل سيكون الجيش على استعداد ويستطيع التخلي لصالح الموكب عن تدريب وحداته وعملها العسكري المقدس، بفضل سياسة نتنياهو، خاصة القيام بدوريات في المناطق؟

نتنياهو يقدس الكلمات والرموز على حساب الجوهر والنوعية. موكب الجيش بالنسبة له هو المقابل العسكري للخطاب في الكونغرس: لا يهمه ان كان يسبب الضرر اكثر من المنفعة لإسرائيل – المهم ان يجري الاستعراض، وفي مركزه نتنياهو. سلوكه القيصري يلائم موكب كهذا، تمر خلاله الدبابات وحاملات الطائرات، سوية مع كلاب "عوكيتس" والمستعربين من "دوفدوفان"، من امامه، وعندها يقوم قادتها بإلقاء التحية العسكرية عليه وعلى زوجته.

تماما مثل الجهود الخرقاء التي تبذلها وزيرة الثقافة ميري ريغف، للالتفاف بعلم اسرائيل، هكذا يتحمس نتنياهو للتسفع بمجد الجيش الذي يجري الحفاظ على فخامته الشعبية- بالتأكيد مقارنة بالمؤسسات السياسية. وهذا في الوقت الذي لا يتردد فيه بتقليص صلاحيات القيادة العسكرية اذا كان الامر ملحا له اثناء ضائقة سياسية. مثلا، بواسطة محادثة هاتفية لوالد الجندي المشبوه بالقتل، في الوقت الذي يواجه فيه وزير الامن ورئيس الأركان الضغط الشعبي ويحاولان صد تسلل الفوضى المتطرفة الى اوامر الجيش، او توبيخ نائب رئيس الأركان الذي يتجرأ على قول الحقيقة عن خطوات مقلقة في الدولة في عهد نتنياهو. انه يعتمد، كالعادة، على عدم مبالاة الجمهور امام الصفعة.

اذا كان رئيس الحكومة يريد موكبا عسكريا، فليتفضل ويحقق مهمته بالسعي الى السلام الذي سيسير الجيش بعده في موكب نحو الخروج من المناطق (الفلسطينية).

اغتيال المسؤول في حزب الله: اقسى ضربة للتنظيم في السنوات الأخيرة

يكتب عاموس هرئيل، في "هآرتس" ان بيان حزب الله صباح امس (السبت) بأن موت المسؤول في التنظيم مصطفى بدر الدين قرب دمشق، قد حدث نتيجة لتفجير نفذه المتمردون السنة في سورية، يزيل عن الجدول امكانية التصعيد بين التنظيم الشيعي واسرائيل في اعقاب الاغتيال، فقد عرف التنظيم في حالات سابقة اغتيل خلالها قادة في ذراعه العسكري (عماد وجهاد مغنية وحسن اللقيس) كيف يوجه اصبع الاتهام الى اسرائيل خلال فترة وجيزة، والتهديد، غالبا، بالانتقام.

بيان حزب الله هذه المرة يلائم دلائل مبكرة في الجانب الاسرائيلي ايضا. يبدو ان الجانبان يعرفان بأن التهمة يتحملها هذه المرة طرف ثالث، وفي كل الأحوال، ليست لديهما رغبة بتوسيع فرص المواجهة المتجددة بينهما. على الرغم من ان وصف الحادث يترك الكثير من علامات الاستفهام – أي تنظيم يملك القدرة على المبادرة الى القصف المدفعي، الذي يعتمد كما يبدو على معلومات دقيقة، ويكون بدر هو المصاب الوحيد من بين المجموعة التي تواجدت معه؟ واي تنظيم لم يكن سيفاخر بإنجاز كهذا وينشر بيانا رسميا حول نجاحه؟ - حزب الله واسرائيل يريان في ذلك نهاية للمسألة. التنظيم سيواصل التركيز على الجهود للإبقاء على نظام الأسد على قيد الحياة، بينما تحافظ اسرائيل على مستوى منخفض في الحرب الاهلية السورية.

كما يبدو فانه باستثناء التنظيم الشيعي، لن يحزن احد على موت بدر الدين. خلال عشرات سنوات نشاطه في حزب الله، جمع الكثير من الاعداء له، ليس فقط في اسرائيل والغرب، وانما في العالم العربي. بشكل عام يتم بث رسالة ردع ايجابية في حقيقة ان غالبية هؤلاء الأشخاص، مغنية وابنه جهاد، اللقيس ومن قبلهم الامين العام السابق عباس موسوي – الذين عملوا طوال ايامهم في تخطيط العمليات الارهابية ضد المدنيين – لم يموتوا موتا طبيعيا في فراشهم في الشيخوخة. حسن نصرالله، الامين العام، بقي وحيدا في قيادة التنظيم. من بين المجموعة الضالعة في تأسيس حزب الله، وخطواته الأولى في بداية الثمانينيات، (الخطوة التي تم تسريعها بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982) لم يبق الا قلة.

موت بدر الدين، نسيب عماد مغنية، ومن اخذ على عاتقه بعض مسؤوليات مغنية بعد اغتياله في دمشق في شباط 2008، يتم تسجيله بصفته اكثر خسارة مؤلمة لحزب الله في الحرب الاهلية السورية. لقد زاد التنظيم من تدخله في الحرب السورية في صيف 2012، بناء على توجه من الأسد وبتوجيه من ايران. منذ ذلك الوقت قتل هناك عدد من القادة العسكريين الكبار في حزب الله، ولكن ليس شخصيات برتبة بدر الدين. الجهاز الامني الاسرائيلي يقدر خسائر حزب الله اليوم بحوالي 1600 قتيل واكثر من 5000 جريح.

في الحرب نفسها يشارك اليوم حوالي 5000 ناشط لبناني، تقريبا ربع القوات النظامية لحزب الله. لكن التنظيم يسجل فوائد ايضا نتيجة الحرب. في الجيش يتحدثون عن تحسن ملموس في قدرات حزب الله على تفعيل الاطر العسكرية الكبيرة، التي تستعين بالتكنولوجيا والاستخبارات، تجربة عسكرية بارزة راكمها في صفوفه وتحسين القدرات العسكرية لقادته. اذا كانت إسرائيل قد وصفت في السابق تنظيم حزب الله بأنه تنظيم ارهابي يقوم بتفعيل طرق حرب العصابات، فاليوم تتعامل معه كجيش صغير، يتمتع بقدرات (وبمستودع صواريخ) تفوق ما تملكه غالبية دول الشرق الاوسط.

اغتيال بدر الدين يعكس استمرارية الفترة السيئة في سورية بالنسبة لايران وحزب الله، حليفا الأسد. رغم ان التواجد العسكري الروسي، الى جانب وقف اطلاق النار الهش، يخدمان الرئيس بشار الأسد واوقفا فقدان المناطق لصالح المتمردين، والذي وصل الى قمته في الصيف الماضي، الا ان استمرار الحرب يجبي ثمنا باهظا من حزب الله وايران. في الشهر الأخير تنشر تقارير حول موت الضباط الايرانيين، في صدامات مع المتمردين في منطقة حلب. في المعارك حول بلدة خان تومان، جنوب حلب، قتل وأسر عشرات رجال الحرس الثوري الايراني على ايدي المتمردين السنة – وفي البرلمان الايراني طرح مطلب بتشكيل لجنة تحقيق لفحص هذا الفشل العسكري.

النشاط الجوي الروسي، الذي تقلص فعلا لكنه لم يتوقف نهائيا، حقق الاستقرار للنظام، وخطوطه الدفاعية. انه لم يضع حدا للمعارك او لسفك دماء الاسد وانصاره. في الماضي اظهرت ايران حساسية للخسائر العسكرية في سورية، وقبل عدة اشهر قلصت حجم قواتها المحاربة هناك، على خلفية الانتقادات في ايران في اعقاب ازدياد عدد الاصابات في الحرب.

من المشكوك فيه ان نصرالله يملك خيار اخر باستثناء الاستثمار في الابقاء على النظام السوري. حسب المعروف فان هذا هو ما يطلبه رعاته في ايران. لكن موت بدر الدين، احد كبار الذراع العسكري المخضرمين، يوفر تذكيرا بالثمن الذي يدفعه حزب الله وسيواصل دفعه مقابل مشاركته في الحرب الدائرة خارج لبنان، البلد الذي يعرض نصرالله نفسه كمدافع فاعل ووحيد عنه.

كلهم ينفون وكلهم موضع شك

يكتب تسفي برئيل، في "هآرتس" ان الجنرال قاسم سليماني، قائد كتائب "القدس" التابعة للحرس الثوري الايراني، والناشطة في الحرب خارج الجمهورية الاسلامية، يعمل وفق مبدأ محدد. انه يحرص على عدم تجنيد اكثر من محارب واحد من العائلة ذاتها. وقد استخلص هذا التوجه الانساني من الدرس المرير خلال فترة الحرب الايرانية – العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، حين قتل اباء وابناء من العائلة ذاتها، وابادوا جراء ذلك سلالات كبيرة. الان، ايضا، في سوريا والعراق، حيث ينشط الجنود والضباط والمرشدين الايرانيين، تحاول القيادة الايرانية تقليص رد الفعل المدني الذي يصل احيانا الى الاحتجاج، وعدم المس بشكل بالغ بعائلات المقاتلين.

لكن سليماني لا ينجح دائما في تطبيق هذا المبدأ. المتطوعون الايرانيون كثر، خاصة اولئك الذين ينتمون الى صفوف الباسيج – قوة المتطوعين للحرس الثوري التي تستطيع تجنيد اكثر من مليون محارب – الذين ينجحون بالالتفاف على الأمر. انهم يشترون بطاقات هوية افغانية او باكستانية وينضمون الى كتائب "الفاطميون" الأفغان، او "الزينابيون" الباكستان الذين يحاربون الى جانب النظام السوري. وعندما تعاد جثثهم الى ايران فقط يتضح انهم ايرانيون. لقد قتل في الحرب السورية منذ ايلول 2015 حوالي 280 مقاتلا ايرانيا، بينهم ضباط كبار، وهو رقم يثير الخلاف السياسي في البرلمان الايراني حول مسألة استمرار التدخل في الحرب السورية.

سليماني الذي يتمسك بالتدخل الايراني في سورية، يجد امامه محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الايراني، الذي لا يتحمس لهذا التدخل العسكري. الرئيس روحاني يمتنع حتى الان عن اطلاق تصريحات علانية في هذا الشأن. وحسب محللين ايرانيين، فقد ادى هذا الخلاف الى النشر الاخير حول عدد القتلى الايرانيين في سورية. وهذا بشكل خاص، بعد المعركة الفاشلة في خان تومان، قرية الى الجنوب من حلب المحاصرة، التي قتل فيها خلال الأسابيع الأخيرة اكثر من 50 ايرانيا، بينهم الكولونيل شافي شافعي. ويعتقد المحللون ان نشر المعطيات يهدف الى تأجيج الخلافات في ايران وان النشر يأتي من جهة الاصلاحيين ومن جانب خصوم سليماني.

نشر المعطيات يطرح تساؤلا آخر. في شباط نشرت مصادر في الادارة الامريكية ووسائل اعلام اسرائيلية عن انسحاب القوات الايرانية من سورية. يبدو ان المعلومات لم تكن كاملة او دقيقة. لقد قامت ايران بتفعيل حوالي 2500 محارب في سورية، بعضهم عاد الى وطنه فعلا، كجزء مما وصفته ايران باستبدال القوات، لكن الدولة نفت التقارير حول الانسحاب. المعارك الأخيرة في منطقة حلب تدل على انه لا يزال في سورية مئات الجنود الذين تم تعزيزهم بقوات اخرى، وانه مقابل التكتيك السابق، تعمل في اطر صغيرة من احجل تقليص عدد القتلى.

كما ان البيان الروسي حول سحب القوات من سورية يتطلب اجراء فحص اكثر دقة. ذلك ان المشاركة في القتال ضد المتمردين لا تتوقف فقط على الطائرات الحربية (وليس فقط ضد داعش كما تدعي روسيا)، بل ان هناك قوات روسية وخبراء روس يشاركون في الحرب في عدد من الحلبات. واذا كانت الاستخبارات قد حددت في بداية التدخل الروسي بأن روسيا لا تنجح بتغيير وجه المعركة، فانه كما يبدو يصعب اليوم العثور على دعم لهذا التقييم. حسب جهات في المعارضة السورية، يجري بين روسيا وايران تنسيق امني وثيق، تم تحديده خلال زيارة سليماني الى موسكو في 14 نيسان الماضي. ويشمل هذا التنسيق اتفاق على استمرار الحرب في حلب من اجل استعادة المدينة الثانية من حيث حجمها في سورية، وكذلك التعاون الجوي مع القوات السورية والايرانية في منطقة خان تومان.

ينسب الإيرانيون الهزيمة في خان تومان الى التدخل السعودي، القطري والتركي والامريكي، "الدول التي تعمل قواتها الى جانب قوات التكفير (نعت للتنظيمات الاسلامية كأحرار الشام، جبهة النصرة وداعش وغيرها)، وهي توفر لها السلاح والذخيرة الارشاد". هكذا يقول أمين مجمع تشخيص مصلحة الأمة في إيران محسن رضائي، قائد قوات الحرس الثوري سابقا. لقد تحول خان تومان الى مركز للصراع بين الجيش السوري وشركائه وبين المتمردين الذين احتلوا القرية، لأنها تتربع على مسار حيوي لاحتلال حلب.

هل ادت المعركة في خان تومان الى قتل المسؤول العسكري في حزب الله مصطفى بدر الدين؟ في الشبكات الاجتماعية لتنظيمات المتمردين تم نشر تقارير تقول ان بدر الدين قتل في السادس من أيار خلال معارك خان تومان. وحسب تلك التقارير، فانه لا أساس لرواية حزب الله بأنه قتل جراء قذيفة او صاروخ تم اطلاقه من قبل "قوات التكفيريين" عندما تواجد في قاعدة التنظيم قرب دمشق. وتدعم هذه الرواية تصريحات تنظيمات المتمردين التي تقول انهم لم يطلقوا في الايام الأخيرة قذائف او صواريخ باتجاه المطار وان الموقع الامامي لتنظيم احرار الشام يبعد حوالي 15 كلم عن موقع الاصابة. اضف الى ذلك انه حسب المعلومات المتوفرة، لا تملك هذه التنظيمات صواريخ او قنابل دقيقة الى هذا الحد.

النفي الجارف للولايات المتحدة واسرائيل والمتمردين حول التورط في اغتيال بدر الدين يجب ان لا يثير احد. بدر الدين مطلوب منذ 1983 في الولايات المتحدة بسبب تورطه في العمليات في الكويت التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، ومن قبل جهات لبنانية تسعى للانتقام لعملية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، التي ارتبط اسم بدر الدين فيها. كما انه يوجد لإسرائيل حساب مع من كان المسؤول عن قسم كبير من الهجمات الصاروخية عليها.

اذا تحدثنا عن مشبوهين محتملين، ليس من الزائد التذكير بأن بدر الدين اختلف مع مسؤولين كبار في حزب الله في مسألة التكتيك الذي يجب اتباعه في الحرب ضد اسرائيل، وطرق تفعيل القوات في سورية. قبل عامين نشرت صحيفة "السياسة" الكويتية عن خلاف شديد في صفوف التنظيم، وتوجيه اتهامات شديدة الى بدر الدين بالإهمال في ادارة الوحدة العسكرية 910 بقيادة طلال حمية، الذي تم تعيينه مسؤولا عن عمليات حزب الله خارج لبنان، والوحدة  133 بقيادة محمد عطايا، المسؤولة عن النشاط في المناطق. لقد اتهم بدر الدين بأن عشيقاته تحرفن اهتمامه بالعمل الاداري، الامر الذي تسبب بفشل عدة عمليات للتنظيم كمحاولة تنفيذ عملية في تايلند في 2014.

ووقع خلاف بين عطايا وبدر الدين على خلفية التفاف عطايا على بدر الدين وتقديم تقارير مباشرة الى المسؤولين في بيروت. من المتوقع ان يستبدل حمية بدر الدين في منصبه، الا اذا تبين بأنه ساعد على قتله. حزب اللهي عرف، كما يبدو، من هو المسؤول عن قتل بدر الدين، والمشكلة الرئيسية التي تواجه التنظيم هي امكانية وجود اختراق استخباري في صفوفه، خاصة وان الحديث عن قائد كان معروفا في حرصه الصارم على السرية، والذي استبدل اماكن اقامته بشكل دائم ولم يستخدم الهاتف الخليوي لأكثر من يومين متواصلين.

قتل بدر الدين، مهما كان قاسيا لحزب الله ونصرالله بشكل شخصي، لن يؤثر على استمرار تعاون التنظيم في الحرب السورية. مشكلة حزب الله لا تكمن حاليا في تجنيد قيادات عليا وانما بتعبئة صفوف المحاربين بعد فقدانه حسب التقديرات، لأكثر من الف محارب. حزب الله ملتزم ومقيد بإيران والأسد، وطالما لم يتوفر حل سياسي او دبلوماسي، سيتواصل اعتبار الحرب السورية بمثابة حاجة وجودية للتنظيم.

كلهم رغبوا بموته

يكتب اليكس فيشمان في "يديعوت احرونوت" انه بعد تخبط دام ثلاثة ايام، قررت قيادة حزب الله اللجوء الى الاختيار الأسهل والكذب. وتقرر بالتشاور مع قادة الحرس الثوري الايراني اغلاق قضية اغتيال بدر الدين بأنين خافت. وتم اختيار صيغة تغطية مشكوك فيها لتقديم جواب معقول لرجال حزب الله في الميدان – ولكنها لا تلزم التنظيم بالرد وفتح جبهات جديدة امام جهات في الداخل والخارج، تحرف التنظيم عن جهوده الأساسية في سورية.

في الايام الاعتيادية كان قادة حزب الله يحملون المسؤولية بشكل مباشر لإسرائيل. لكنهم حذروا هذه المرة في بياناتهم الرسمية من ذكر اسمها – وهذا دليل على انهم لا يملكون، حاليا على الأقل، مصلحة او قدرة على خلق مواجهة على الحدود الشمالية.

بدر الدين الذي كان نائبا للأمين العام لحزب الله، ورئيس الجهاز العسكري، تم اغتياله بشكل مهني – ولم يقتل صدفة بنيران المتمردين في سورية، كما تم الادعاء في استنتاجات لجنة التحقيق التي عينها حزب الله لفحص ظروف موته. وقالت مصادر مطلعة في بيروت، أنه تواجد اثناء اغتياله في منشأة سرية لحزب الله في منطقة مطار دمشق، وانه وقع انفجار في الغرفة ادى الى موته. لكنه لم يصب احد باستثنائه. والاستنتاج: كان هناك من تعقبه وعرف تماما متى يصل ومتى تواجد في الغرفة.

لقد وقع حادث مشابه في 2012، عندما ارادت الاستخبارات السعودية تصفية نسيب الأسد ووريثه المحتمل، الجنرال آصف شوكت، ونجحت بذلك اكثر من المتوقع: فقد قاموا بمساعدة ثلاثة من حراسه بإدخال قنبلة الى الغرفة لم تقتل نسيب الاسد فحسب، وانما كل اعضاء مجلس الطوارئ لدى الاسد. المخابرات السعودية متورطة حتى العنق ليس فقط في دعم فصائل المتمردين الاسلاميين – الذين يتهمهم حزب الله باغتيال بدر الدين – وانما تتآمر بشكل دائم على حزب الله الذي اعتبرته الجامعة العربية قبل عدة اشهر فقط، تنظيما ارهابيا. لقد كان بدر مطلوبا للسعوديين بصفته المسؤول عن حليفهم رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. ورغم ذلك، لم يتجرأ حزب الله في بيانه الرسمي بإثارة الشبهات ضد السعوديين. وهذا دليل آخر على محدودية قوته.

كما تملك الولايات المتحدة رغبة وقدرة على تنفيذ الاغتيال، فبدر كان هدفا واضحا للسي أي ايه، بسبب تورطه في تفعيل العبوات ضد الجيش الامريكي في العراق وافغانستان. في 2015 صادق مسؤولون في السي أي ايه على اغتيال رئيس اركان حزب الله عماد مغنية، بالتعاون مع اسرائيل. والسبب: تصفية الحساب معه بسبب ضلوعه في قتل وجرح عشرات الجنود الامريكيين. لقد ساعد بدر مغنية في العراق، بل واصل اصابة المدنيين الامريكيين في الكويت. وليس صدفة انه كان مطلوبا للولايات المتحدة. خلافا لإسرائيل لا تخجل امريكا بالتصريح علانية بأنهم ينفذون عمليات اغتيال من اجل تصفية السحاب، حتى لو استغرق الامر سنوات.

المنشأة التي اغتيل فيها بدر الدين، تتبع لما يسمى "جيش الظلال" التابع لحزب الله وسورية – ذلك الجهاز السري الذي يعمل في بناء القوة وتهريب اسلحة من ايران الى لبنان. جيش الظلال الذي يشكل الذراع الاستراتيجية الرئيسية لنصرالله، يخضع منذ سنوات للتعقب من قبل جهاز تجسس يحترم نفسه. وقد نشر في اكثر من مرة عن شن هجمات جوية على منشأة جيش الظلال بالقرب من مطار دمشق، ولا شك ان هؤلاء الأشخاص يتعرضون للملاحقة.

اغتيال بدر الذي قاد جيش الظلال، لا يعتبر ضربة معنوية فقط، وانما توجد هنا ضربة ضد من شكل مسارا رئيسيا في المثلث الاستراتيجي لإيران، سوريا وحزب الله.

في البيان الاول الذي نشره حزب الله بعد اغتيال بدر الدين، تمت الاشارة الى ثلاث امكانيات سببت موته: اطلاق نيران جوية، اطلاق صاروخ بري، ونيران مدفعية دقيقة. لكن هذه القدرات الثلاث تملكها دول ولا تملكها تنظيمات ارهابية. صباح يوم السبت نشر في جريدة الاخبار المتماثلة مع حزب الله انه تمت تصفية بدر بواسطة صاروخ ارضي موجه. والمقصود عمليا طريقة عمل تذكر بعملية "نبات العوسج" المعروفة في اسرائيل باسم "تسئليم ب" في 1992، عندما اعدت وحدة القيادة العامة "سييرت متكال" خطة لاغتيال صدام حسين بواسطة صاروخ ارضي متطور. من المهم ان نذكر: قدرات من هذا النوع متوفرة فقط في ايدي الجيوش، ولذلك سارعت قيادة حزب الله الى اصدار تصحيح لما نشرته "الاخبار" واصرت: المقصود عملية قصف نفذتها "تنظيمات ارهابية". لو كان المقصود فعلا تنظيم ارهابي لكان قد سارع بالتأكيد الى تحمل المسؤولية من اجل المفاخرة.

هناك احتمال آخر وهو ان الحديث عن تصفية حسابات داخل التنظيم: طوال فترة طويلة سادت خلافات شخصية بين بدر الدين وجهات في قيادة حزب الله. لقد تحول الى نوع من الازعاج، الامر الذي ولد توترا امام الايرانيين. الفشل العسكري الاخير لحزب الله لم يسهم في تحسين شعبيته – الامر الذي يعني ان امكانية تصفيته من قبل رفاقه معقولة.

في الماضي حين تم تنفيذ عمليات اغتيال داخلية في التنظيم، انتظر حزب الله – احيانا لعدة اسابيع – التوقيت المناسب، وفي نهاية الامر كان يصدر بيانا مقتضبا حول "سقوط قائد في ساحة المعركة". هذه المرة لم يكن بإمكانه التستر على اغتيال المسؤول الكبير، لكنه اضطر للانتظار لثلاثة ايام من اجل بناء عذر.

قرار الحكم على بدر الدين

تكتب سمدار بيري، في "يديعوت احرونوت" انه حتى في المعارضة السورية وجدوا صعوبة في التعامل بجدية مع بيان حزب الله الذي حمل المسؤولية عن تصفية مصطفى بدر الدين في الأسبوع الماضي، على ايدي المتمردين. ووصف رئيس طاقم المعارضة المفاوض في جنيف، مصطفى الزعبي، هذا البيان بأنه "طرفة رخيصة وبائسة".

كان من الصعب تجاهل وجود الكثير من التوتر وراء البيانات المتناقضة لحزب الله حول الاغتيال. تصفية بدر الدين، رئيس الذراع العسكري لحزب الله في هضبة الجولان، ووريث عماد مغنية، ليلة الثلاثاء الماضي في دمشق، سبب الحرج لحسن نصرالله ورجاله.

الكولونيل فادي زهران، الذي هرب مؤخرا من الجيش السوري، قال انهم "تركونا عمدا مع كثير من الاسئلة المفتوحة". وقدرت مصادر في بيروت بأن الامين العام حسن نصرالله الغى خطابه المخطط في نهاية الاسبوع، في اعقاب الاغتيال. وقالت هذه المصادر ان "نصرالله يعرف من هو المسؤول وهو يواجه حالة احراج قاسية". وفي لبنان سرت امس شائعات حول الجهات التي يعتقد انها تقف وراء الاغتيال: السعودية، روسيا، ايران، اسرائيل، وحتى حزب الله نفسه.

لقد سارع رجال نصرالله لتوجيه اصبع الاتهام الى المتمردين السوريين، واصروا على ان اطلاق قذيفة مدفعية على قاعدة حزب الله في المطار هو الذي قتل بدر الدين. لكن البيان لا يذكر بتاتا متى وقع الهجوم.

حسب تقارير نشرت في بيروت في نهاية الأسبوع، ترتسم صورة مختلفة تماما: لقد اغتيل بدر يوم الثلاثاء الماضي، وحزب الله علق نشر البيان واطلق روايات متناقضة. في الرواية الأولى تم تحميل المسؤولية لإسرائيل. وبعد ثلاث ساعات نشرت رواية جديدة، لم تذكر من نفذ الاغتيال واين وفي أي طروف.

ويوم امس، نشر حزب الله بيانا غامضا حدد بأن بدر قتل بنيران مدفعية المتمردين. لكنه لم يصب أي واحد من حراسه بشكل بالغ. بل على العكس، يتضح انه قتل جراء صاروخ ذكي داخل الغرفة التي تواجد فيها، بينما لم يصب احد من المحيطين به بجراح بالغة. سبب موته: كما يبدو شظايا صغيرة دخلت الى جسمه. والتقدير هو ان المقصود صاروخ ذكي تم توجيهه مباشرة اليه – وهدف الى احداث اضرار بيئية طفيفة.

لقد سارع المتمردون الى التوضيح بأنه في الاسبوع الاخير لم يتم شن أي هجمات على المطار في دمشق، واكدوا عدم حيازتهم لصواريخ ذكية لتنفيذ الاغتيال المركز.

وفي البيت الابيض، ايضا، سارعوا بشكل مفاجئ الى التنكر للمسؤولية وادعوا: "لم تقم أي طائرة حربية امريكية بالعمل في سماء سوريا".

يوم امس، ربط المحللون في بيروت "خطاب الدموع" الذي القاه نصرالله مساء يوم الخميس، باغتيال بدر الذي كان مقربا منه. ويدعي المحللون ان "نصرالله الذي يفتقد الى الأحاسيس بكى من دون سبب مبرر. لقد اجهش بالبكاء امام الكاميرات بعد معرفته باغتيال بدر الدين".

وجه بدر الدين لم يظهر على الملأ منذ فترة طويلة: قبل سنة شوهد في المرة الأخيرة في بيروت، خلال تشييع جهاد مغنية، نجل عماد الذي تقول مصادر اجنبية انه اغتيل بأيدي اسرائيل في الجولان. لقد عرف بدر منذ فترة طويلة بأنه مستهدف من قبل اجهزة المخابرات العربية والغربية. وقد اقسم للمقربين منه بأنه سيرجع الى لبنان "اما منتصرا او شهيدا". وبالفعل حرص على الحذر: لقد استخدم خمسة اسماء وهمية، تخلص من جواز سفره واوراقه الثبوتية وحظي بلقب "الشبح". في 2011، عندما اندلعت الاضطرابات ضد الرئيس بشار الأسد في سورية، تم ارساله لقيادة قوات حزب الله في سورية. في الأسابيع الأخيرة من حياته، ادار المعارك الى جانب الجيش السوري لاحتلال مدينة حلب.

بدر ينضم الى قائمة من قادة حزب الله الذين تم اغتيالهم في السنوات الأخيرة، من بينهم جهاد مغنية، سمير قنطار، ومجموعة من القدة الذين قتلوا في سورية.

بدر الدين متهم مع قائد المخابرات السورية رستم غزالة، وآصف شوكت وغازي كنعان، باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط 2005. المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي توصلت الى اتهامه بشراء الشاحنة التي استخدمت لزرع العبوة، وبتعقب وتجنيد عملاء لتفعيل العبوة. نصرالله و"مجلس الشورى" في التنظيم ارسلوا بدر الدين الى سورية، لمنع السلطات اللبنانية من تسليمه للمحكمة.

لقد شارك عشرات الآلاف في تشييع جثمان بدر الدين الذي نقل نعشه الملفوف بعلم حزب الله من المستشفى العسكري في دمشق الى بيروت. وردد المشاركون في التشييع شتائم وتهديدات للعائلة المالكة في السعودية، والنظام السوري وايران، حتى نودي عليهم بمكبرات الصوت ليتوقفوا عن توجيه الاتهامات. وادعى شهود عيان انه خلافا لبيان حزب الله الذي ادعى انه اصيب بنيران مدفعية، فانه لم يتم العثور على جثة بدر على علامات تؤكد ذلك.

حزب الله تضرر لكنه سيمتنع عن التصعيد

يكتب يوآب ليمور، في "يسرائيل هيوم" ان اغتيال مصطفى بدر الدين، يشكل ضربة قاسية لحزب الله، تعتبر الأشد قسوة منذ اغتيال عماد مغنية، قبل ثماني سنوات، والأشد صعوبة خلال السنوات النازفة للحرب الاهلية في سورية.

ينتمي بدر الدين الى النواة المؤسسة لحزب الله، وهو ناشط عسكري مخضرم ويحظى بالتقدير، وتمت ترقيته، الى حد كبير، بسبب قرابته بمغنية، نسيبه. ولهذا فقد كان ضالعا تقريبا في كل النشاطات العسكرية للتنظيم، الامر الذي حوله الى هدف واضح لجمع المعلومات عنه، والاغتيال، من قبل كل تنظيم استخبارات غربي، تقريبا. في احدى الحالات – اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري- تم جمع ما يكفي من الادلة التي تشير الى مسؤوليته المباشرة عن عملية القتل. لقد كان بدر الدين هو الشخص الذي اشرف على تنفيذ الاغتيال بأوامر من مغنية وطاقم السلطة في دمشق الذي رغب بالتخلص من خصمه اللبناني.

مع اغتال مغنية (في عملية نسبت الى اسرائيل) تم توزيع صلاحياته بين عدة مسؤولين. وكان بدر الدين احدهم، والى جانبه طلال حمية، وحسب اللقيس الذي اغتيل في بيروت في كانون الاول 2013 (في عملية نسبت الى اسرائيل ايضا). لكنه لم يتمتع أي من هؤلاء الشخصيات، باستثناء بدر الدين، بالقدرات والكاريزما التي ميزت مغنية. ومن هذا الجانب فان المس بحزب الله سيكون الان اقل بكثير مما حدث قبل ثماني سنوات، ومع ذلك سيكون من الصعب التقليل من اهميته: فالتنظيم لا يفقد فقط قائدا رفيعا، مرة اخرى، الامر الذي يولد، بطبيعة الأمر، فجوات في المعرفة والتجربة. لكنه مرة اخرى تنجح جهة سرية بالتغلغل في منظومة الدفاع المكتظة حول المسؤولين الكبار في التنظيم، واصابتهم بشكل دقيق، من دون ترك آثار.

هذا هو سبب كون الغريزة الاولى لغالبية الجهات الفاعلة في المنطقة هي نسب عملية الاغتيال الى اسرائيل. بعد صدور نفي امريكي جارف بشأن الضلوع في العملية (خطوة مستهجنة في حد ذاتها). من ايضا يملك القدرة على جمع معلومات دقيقة وتنفيذ عملية تشريح كهذه، لا تصيب الاخرين، او تسبب ضررا كبيرا؟ فقط بفضل البيان الذي اصدره حزب الله والذي حمل فيه المسؤولية للمتمردين السنة في سورية- والى جانب ذلك نشر تلميحات مشابهة الى غياب التدخل من الجانب الاسرائيلي – خفف التوتر الذي بدأ يتجه نحو تصعيد محتمل.

بيان حزب الله هدف تماما الى منع ذلك: بعد اغتيال مغنية واللقيس، اقسم التنظيم بالانتقام. وفي السنة الماضية انتقل التنظيم للعمل، وقام بمهاجمة اسرائيل بعد اغتيال جهاد مغنية، وسمير القنطار، وقتل ضابطا وجنديا من غبعاتي.

المقولة الواضحة الآن، والتي ترفع المسؤولية عن كاهل اسرائيل، تشير الى ردع قوي، ولا يقل عن ذلك، الى ضائقة تواجه حزب الله في الداخل. حجم المصابين العالي في الحرب السورية – اكثر من 1500 قتيل وحوالي 8000 جريح – تسبب للتنظيم بانتقادات داخلية في لبنان، بما في ذلك من جانب عائلات القتلى. وفي اعترافه بأنه تم اغتيال بدر الدين من قبل العدو السني، يسعى حزب الله الى التلميح لرجاله بأن المسؤولين الكبار من بين المقربين منه يشاركون في المعركة ويدفعون ثمنها.

من وجهة النظر هذه، يعتبر موت بدر الدين مرحلة اخرى في الحرب السورية التي لا تزال بعيدة جدا عن الانتهاء. وسيواصل حزب الله استثمار قواته، رجاله واسلحته بأمر من رعاته الايرانيين وشركائه السوريين. لكنه سيواصل في الوقت ذاته الحفاظ على تواصل مع "الهدف الاكبر" – اسرائيل. حقيقة ان اسرائيل لم تتهم بالمسؤولية المباشرة عن عملية الاغتيال الحالية، تعتبر موضعية وآنية فقط؛ ربما تم تأجيل التصعيد، لكن الطرفان سيواصلان الاستعداد له بكل قوة، من خلال المعرفة بأنه سيصل في يوم ما.

 

اخر الأخبار