موسى عيسى سابا أحد الجذور الوطنية

تابعنا على:   03:03 2016-05-12

زهير الصوراني

في 22 شباط 2016 شيعت مدينة غزة علماً بارزاً من أعلام النضال الشعبي الفلسطيني، هو المرحوم موسى عيسى سابا، ذلك الرجل الذي مات وهو يمشي مرفوع القامة، وما انحنى يوماً إلا لخدمة وطنه في مدينة بئر السبع، ثم غزة الصامدة، وعندما شعر بالخطر الصهيوني على بلاده هب واقفاً مدافعاً عن بلاده، فكان جندياً متطوعاً، وهو في ريعان الشباب، مع المتطوعين في اللجنة القومية لمدينة بئر السبع، ثم متطوعاً مع قوات الجهاد المقدس التي أقامتها الهيئة العربية العليا بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني، القدسي المولد الفلسطيني الولاء، وكان عبد القادر قد تشبع بمواقف والده الوطنية (موسى كاظم الحسين) زعيم المقاومة الداعي إلى استقلال فلسطين منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، ومطالباً بوقف الخطر الصهيوني على فلسطين.

عرفت موسى وأنا صبي يافع في الثالثة عشر من عمري، وهو يحمل الأسلحة في سيارة نقل أجرة كانت تعمل على خط غزة – بئر السبع يومياً مملوكة للسيد لطف شحيبر القاطن بجوارنا في وسط مدينة غزة قرب مقر الأوقاف الاسلامية حينذاك، هذه الأسلحة التي أتى لاستلامها من مقر الهيئة العربية العليا واللجنة القومية برفقة المرحوم شفيق مشتهى مسؤول اللجنة والحزب العربي في مدينة السبع، وكان معهما البطل الشهيد المرحوم عبد الله أبو ستة، ولست أدرى لماذا لم يكتب عنه كما كتب عن آخرين، وهو أجدر بالكتابة؟.

وأذكر أن موسى أبى إلا أن يرافق السائق في رحلته بعد أن أُخفيت الأسلحة بصناديق الحمضيات من برتقال وليمونٍ بحيث لا يراها العدو المراقب للطريق العام والمحفز على جانبي المستعمرتين الواقعتين على يمين ويسار الطريق.

عرفت موسى وهو المشارك للمظاهرات العارمة التي اجتاحت غزة عقب الغارات الإسرائيلية على القطاع وموقعة بئر الصفا والبوليس الحربي، وكذلك الهبات الشعبية الهائلة الرافضة للتوطين في سيناء.

عرفت موسى عندما وقف مدافعاً عن عدم تدويل قطاع غزة، وبعد حرب 1956/1957 رغم وجود ثلة مطالبة بالتدويل، إلا أنه وقف مع التيار الجامح من الوجهاء والمثقفين وجماهير الشعب المطالبة بعودة الادارة المصرية لقطاع غزة، وقد كان.

وعلى الكتَّاب والأدباء من أبناء القطاع الذين عايشوا تلك الفترة أقول لهم: اكتبوا عن رجال واللواء الجنوبي الذين زادوا عن بلادهم، وظلوا رافعين الراية إلى أن حلّت النكبة عام 1948م بسبب تدخل الحكومات العربية المحكومة بالاستعمار البريطاني وقيادة الجيوش العربية الخاضعة لأوامرها، وقد سجلوا عن بطولات وشهداء غزة في واقعة المنطار (المكان) الذين حققوا أعظم فرحة لأهل هذا البلد عندما دمروا عصابات الأرجون والهجانا المهاجمين لغزة والقوات الإسرائيلية بجميع ما لديها من قوة بعد احتلال معظم المدن الفلسطينية، وبقيت غزة رافعة الرأس بعد واقعة المنطار المجيدة، وقد دافع الأبطال عن غزة بقيادة المجاهدين أمثال: (حسني الميناوي، وعبد الحق العزاوي، وعبد الله ابو ستة وجمال الصوراني، ومحمد الافرنجي، ومدحت الوحيدي، ويوسف داود "أبو الوليد"، وخالد فيصل، وسعيد العشي.. وأخرين)، ولعلكم تتذكرونهم قبل أن يزوَّر التاريخ، وتطوى صفحات المناضلين، ويومها خرجت حشود أبناء غزة من الشمال – محلة التفاح، والوسط - الشجاعية والجنوب - محلة الزيتون حاملين البنادق والعصي مرددين على (حي الجهاد، هيا يا رجال) مدافعين عن مدينتهم ما اضطر القوات الغازية الهائلة إلى التقهقر والابتعاد عن مدينة غزة، وكيف أن قوات بئر السبع العربية توجهت لنجدة غزة العربية المؤمنة بفلسطين، حيث هاجمت العدو من الشرق، فكانت هزيمته المنكرة، وهو الدرس الذي لم ولن ينساه أهل غزة.

زاملت موسى بعد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967 في لجنة التوجيه الوطني، وكانت مشكّلة من تسعة أشخاص، ولا أجد حرجاً من ذكر أسمائهم، إذ أن البعض ينكرون التاريخ ويدعون البطولات، أذكرهم جميعاً، وأذكر: (الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس اللجنة، وزهير الريس ومحمد ال رضوان، وخليل عويضة، وفريد أبو وردة، وفريح ابو مدين، ويونس الجرو وجبر النباهين، وكاتب هذه السطور)، ولقد كان فقيدنا هو الذي يتابع طبع وتوزيع اصدار المنشورات عن هذه اللجنة، وأن هذه اللجنة هي التي أعدت ورفعت الى مجلس القمة العربية المنعقد في المغرب المذكرة المنادية بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتعرضنا من قبل الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت إلى الكثير من المضايقات، واستمرت هذه اللجنة في عملها السري إلى أن قامت الانتفاضة الأولى، فتعددت اللجان، وكثرت الفصائل والفئات، وبدأ التوحد الوطني يتلاشى، وأصبح الولاء للفصائل لا للأوطان، وأصبح جل همنا الجري وراء الإعلام صدقاً أم كذباً، وتسجيل النقاط، وهكذا بدأت بوادر الدمار والانقسام.

وكم كانت سعادتنا - يا موسى - وأنت تجلس يومياً أثناء حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية على شاطئ البحر في كازينو غزة (منتدى السياسيين) في ذلك الوقت، وتراقب وتحصي الطائرات الإسرائيلية وهي ذاهبة لمهاجمة القوات المصرية، وتعود فاقدة العديد منها، وهذا ما كان يطربنا ويفرحنا، ويرسم البسمة إلى وجوهنا.

أذكرك جيداً، وأنت ترفع العلم الفلسطيني، وتلف التابوت الرمزي للمرحوم جمال عبد الناصر، وخرجت في ذلك اليوم أكبر جنازة رمزية شهدتها غزة في تاريخها، وصلينا صلاة الغائب على روحه الطاهرة في الجامع العمري الكبير.

أما عن خدمات موسى المجتمعية فلا شك بأن من عاصروه سيكتبون عنها يعرفونها أكثر مني لانشغالي في هذه الفترة بعملي القضائي وتفرغي التام للعمل في ذلك المجال حباً وانسجاماً مع تطلعاتي بإقامه نظام قضائي قوي سليم، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

وأنت يا أرض فلسطين كوني حنونة على رفات موسى، وردي إليه بعض ما أعطاك من دمه وعرقه حباً فيك، ويا رب العالمين- يا رب محمد وعيسى وموسى - ارحم فقيدنا رحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله.

*وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الاعلى الأسبق

اخر الأخبار