ومات الشلختي

تابعنا على:   22:51 2016-05-08

خالد مسمار

ذكرت في كتاب "الكلمة البندقية" والذي تحدثت فيه عن الذين اثّروا في حياتي واتجاهي والتحاقي بالثورة ... كان منهم زميل لي في المدرسة هاجر مع أسرته من اللد في العام 1948 إلى عمان وجمعنا الصف الثاني الإعدادي في مدرسة رغدان الثانوية في جبل الحسين. واثنان آخران لهما نفس التأثير في فترة الطفولة، وفي فترة المرحلة الابتدائية.

في الطفولة ذكرت ذلك الطفل اللاجئ الذي سكن وأسرته في الروضة المقابلة لبيتنا والتابعة لمدرسة النجاح الشهيرة عند درج المنشية في نابلس وكيف مشى بقدميه العاريتين فوق الأرض المفروشة بالثلج الأبيض في شتاء ذلك العام بعد الهجرة ـ النكبة وبكاؤه المرّ من ألمٍ لم يكن يتوقعه عقله الصغير من هذا البساط الأبيض.

بحثت عنه في الكبر إلى أن التقيته في عمان في منزل والدي "رحمه الله" وقد اكتمل رجولةً.

وفي المرحلة الابتدائية كان مدير مدرسة الخلدونية في نابلس مبهور بصوت طالب لاجئ يطوف به صفوف المدرسة ليسمعنا صوته الشجي وهو ينشد: عليك مني السلام يا أرض أجدادي، ففيك طاب المقام وطاب إنشادي وذلك بعد مضي بضع سنوات على النكبة.

كنا نحن الأطفال نبكي ضياع وطن يمثله أمامنا ذلك الطفل الرائع صاحب الصوت الحادّ الحزين والشجي.

وهذا لم أعثر عليه حتى الآن.

أما صاحبنا اللداوي الذي كان له التأثير الكبير في توجّهاتي ... فقد بقيـت أبحث عنه سنين عديدة، حيث أن أسمه لم يغـب عن ذاكرتي ولم أنسه .. "عبد الرحمن الشلختي".

منذ سنتين مضتا وإذا بالهاتف الأرضي في منزلي يدق وعلى الجانب الآخر من يسأل: هل أنت خالد مسمار ؟ نعم صحيح . هل ما زلت بأخلاقك كما كنت وأنت في الخامسة عشرة من العمر ؟ شعرت بقشعريرة قبل أن أجيب. معقول، ربما هو ؟ عبد الرحمن الذي أبحث عنه. نعم يا أخي لم أتغيرّ والحمد لله، ولكن من المتحدث ؟ سمعت ضحكة مجلجلة عبر سماعة الهاتف وأخيراً وجدتك، أنا عبد الرحمن الشلختي. كنت باستمرار أبحث عنك وأتتبع أخبارك.

في الوقت الذي كنت أبحث عنه كان هو أيضاً كما أخبرني يبحث عني في الأردن وفي سوريا .. إلى أن أراد الله أن نلتقي في عمان.

زرته في بيته .. وشتان ما بين الزيارتين فقد كانت الأولى في براكية من براكيات مخيم الحسين بعد الهجرة .. أما الثانية فكانت في عمارة غير مكتملة بناها لأسرته بعد أن تحسن حاله وعمل في السعودية عدة سنين، لكنه للأسف كان مريضاً بعد أن وصل من العمر سبعين عاماً.

يا لله .. كم كان اللقاء حميماً وعُدنا بالذاكرة إلى أيام المدرسة والأيام العجاف التي كانت تواجه أسرته. لا يستطيع الخروج من البيت بسبب مرضه. لكنني فوجئت به يشاركنا جنازة أخي اللواء الراحل أبو جميل رغم خطورة ذلك على صحته.

هو الوفاء .. وليس غير ذلك.

منذ شهر كنت في نابلس .. وإذا بأحد أبنائه يهاتفني: أنا أبن عبد الرحمن الشلختي. أهلاً ومرحباً .. كيف حاله ؟ لقد مضى إلى لقاء ربه. لا اله إلا الله. إنا لله وإنا إليه راجعون. لم أدر ماذا أفعل. اتصلت بولدي عبد الله وطلبت منه أن يرافق أخي الكبير تميم لتقديم واجب العزاء في عزيز فقدته كان له الأثر الكبير في مسيرتي الحالية.

رحمك الله يا عبد الرحمن رحمة واسعة وأسكنك فسيح جنانه.

وسنبقى على الدرب إن شاء الله حتى نكمل المشوار الذي انطلقنا من أجله.

اخر الأخبار