الرجل الذي كره "العباسيين"

تابعنا على:   12:32 2016-05-08

سمير عطا الله

لم أعرف أحدًا رسم صورة لنفسه بالدقة والصدق كما فعل فتحي غانم: «وكان ترشيحي لنقابة الصحافيين ضد رغبتي الشخصية، فطبيعتي انطوائية، ولم أفكر يومًا في أن أقوم بخدمة عامة أختلط فيها بالناس، وأصدقائي معدودون يقلون عن عدد أصابع يد واحدة، ومعارفي قليلون، ولا أحضر أفراحًا ولا أمشي في جنازات، وليس من السهل اقتحامي، ومن يفلح، يكتشف أنني مصاب بحساسية مفرطة مرهفة».
شكله الخارجي كان عكس رقته ورُقيه، أجعد الشعر، عريض المنكبين، مائل إلى الضخامة. عندما التقيته للمرة الأولى في الكويت، كان انطباعي الأول أنه رجل لم يأخذ حقّه في صف عمالقة الصحافة العربية: «أنا لست صحافيًا بالمعنى الدقيق لهذه المهنة. وكان محمد حسنين هيكل يقول لي دائمًا إنه سيكون - طول عمره - في الصفحة الأولى، أما أنا، فسوف أظل - طول عمري - في الصفحة الأخيرة حيث النقد والأدب».
أيضًا: «تجدني أقل الكتّاب استخدامًا لكلمة (أنا)، ولستُ ممن يجيدون التحدث من منطق التعالي على الآخرين، ولستُ من الذين يحبون أن يتكلموا بطريقة من يملك الحكمة والمعرفة، بل إني أعترض على هذا الموقف سواء جاء من عالِم، أو من رجل دين، أو من كاتب. فكل أنواع العلوم والآداب لا يجوز أن يقترب منها الإنسان إلا بتواضع شديد».
عندما ذكّرته بهذا الكلام، سألته إن كان يقصد شخصًا معينًا، فقال بأدب خالص: «هذه ظاهرة عامة ومتكررة. وهذا النوع من الذي لا يرى في الدنيا سوى نفسه، لا يستطيع أن يرى أيضًا كم هي قليلة هذه النفس، دول لازمهم عباسيّة». وتدخل الزميل يحيى حمزة ليشرح لي ضاحكًا أن «العباسية عندنا زي العصفورية عندكم».
كان فتحي غانم، الذي عرفه المصريون في الصحافة، وعرفه العرب في «زينب والعرش»، و«الرجل الذي فقد ظله»، و«تلك الأيام»، وغيرها من الروايات الكبرى، كان يشبه أحمد بهاء الدين في التواضع المطلق والجميل. لا يحضر إلا وقد سبقه جمال التواضع من أجل تهيئة المكان والمناخ. وكان من رفاق بهاء وأصدقائه. ومثله كان محاميًا لم يقاوم إغراء الصحافة. ومثله أصبح رئيس تحرير «صباح الخير» يوم كانت في ذروة نجاحها، ويوم كان أبرز قرائها المداومين رجلاً يدعى جمال عبد الناصر. غير أن عبد الناصر كان غالبًا يقرأها بتضايق، ويعرب عن تبرّمه من رسوم الكاريكاتوريست حجازي، لأنه «يركز على إظهار النواحي المثيرة في جسد المرأة».
إلى اللقاء..
عن الشرق الاوسط

اخر الأخبار