"اخوان - مصر" يلعبون "الكراسي الموسيقية" في غياب الكرسي والموسيقى

تابعنا على:   08:09 2014-01-17

أمد/ القاهرة - كتبت أمينة خيري: تنتهي لعبة الكراسي الموسيقية ويحوز أحد اللاعبين الكرسي المتبقي. لكن اللاعب الآخر يصر على استكمال اللعبة، على رغم أن منافسه حزم أمتعته وذهب إلى حال سبيله يستكمل يومه. وعلى رغم توقف الموسيقى التي كانا يركضان على وقعها، وعلى رغم انقشاع الكرسي وانصراف المشجعين، إلا أن العناد والمكابرة يدفعان اللاعب الخاسر إلى أن يستمر في الركض وحده في دائرة مفرغة على خلفية صمت رهيب لا يقطعه سوى صوت أنفاسه المتلاحقة.

بيانات متلاحقة وأنفاس متقطعة تتطاير كالشرر من موقع «الكراسي الموسيقية» الخاوي. انتهت فعاليات الاستفتاء على مشروع دستور مصر في الخارج والداخل، وعاد المصريون إلى أعمالهم وبيوتهم ومصالحهم، واستأنفت المدارس حيث مواقع اللجان امتحانات الطلاب، وبدأ التفكير والتخطيط للخطوة التالية من خطوات خريطة الطريق.

الطريق من ميدان رمسيس إلى ميدان التحرير في وسط القاهرة لم يكن ملغماً بآلاف السيارات المتكدسة ومئات الباعة الجوالين المزاحمين للعباد والمركبات وعشرات اللافتات الداعية إلى التصويت للدستور بـ «نعم»، ولكنه كان عامراً بجلسة مصرية حوارية حماسية مستقبلية لم يعكر صفوها سوى بضعة مطبات بعضها ناجم عن سوء تعبيد الطريق إلى التحرير والبعض الآخر سببه تعبيد الطريق إلى المستقبل منذ كانون الثاني (يناير) 2011.

احتدامات فكرية ومشاحنات أيديولوجية وصراعات ذهنية لم يجمع بينها سوى شيئين، أولهما الخلاف على التفاصيل الدقيقة للمستقبل وثانيهما الخلو التام واللعن والسباب لكل ما هو «إخوان». المحتشدون في الميكروباص تعدوا مناقشة الدستور فهو «إن شاء الله موافقة»، ومروا مرور الكرام على خريطة الطريق من باب «رئاسية مع برلمانية ونخلص»، واخترقوا حاجز الحرج المدني طارحين اسم وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي رئيساً نهاراً جهاراً بكل الحب الشعبوي، إذ هتف أحدهم من النافذة حين لمح سائق أجرة ملتحياً «السيسي عمهم حارق دمهم»، ثم الاحترام الفطري المتجلي في قول أحدهم عن السيسي: «رجل محترم لا يتحدث عن الواد عاشور البلطجي ولا من يأخذ 20 جنيهاً لرفع سكينة الكهرباء ولا خمسة سبعة ستة أربعة يتآمرون في حارة مزنوقة»، في إشارة إلى اقتباسات شهيرة للرئيس المعزول محمد مرسي. ثم الاستجابة الفطرية للكلمة الطيبة التي تنافس الركاب على تعديدها بين «انتوا ما تعرفوش إنكم نور عينينا ولا إيه؟» و «تتقطع إيدينا قبل أن تمتد على واحد مصري» و «الكرسي (الرئاسة) مكتوب عليه اسم صاحبه وإللي عاوزه ربنا هيكون».

وعلى رغم أن كرسي الرئاسة مكتوب عليه اسم صاحبه الذي لا يعلمه إلا الله، وعلى رغم أن الاسم الوحيد المؤكد عدم تسلله إلى الكرسي هو اسم مرسي، بينما المصريون ينتظرون الإعلان النهائي للتصويت على مشروع الدستور الذي يتوقع أن يكون موافقة كاسحة، وبينما الشعب يتحرق شوقاً لدفع عجلة الوطن نحو الأمام إنجازاً للخريطة وسأماً من فوضى «الشرعية»، يصر «أنصار شرعية» مرسي على استمرار تسخير القواعد لتنفيذ خطط الكوادر لتفعيل مخططات التنظيم لإعادة مرسي رئيساً على رغم تمام اليقين بأن هذا مستحيل.

استحالة عودة مرسي لا تساويها إلا استحالة اجتياز الميكروباص ميدان التحرير المغلق حتى يوم 25 الجاري موعد الذكرى الثالثة لهبوب رياح الربيع على مصر. واستحالة زعزعة قناعة ركاب الميكروباص بأن الدبابة المرابطة على مشارف الميدان لن تفتح لهم الطريق ليمروا سريعاً لا تطابقها سوى استحالة زعزعة قناعة القواعد بأن «مرسي راجع إن شاء الله».

وشاء الله أن تكون طوابير الاصطفاف أمام لجان الاستفتاء غير قابلة للتزوير ومظاهر الفرحة التي أحاطت بالغالبية العظمى من اللجان غير خاضعة للتمويه، وهو ما قوبل من قبل المُصِرين على استكمال لعبة «الكراسي الموسيقية» على رغم توقف الموسيقى واختفاء الكرسي وانصراف كل اللاعبين بقناعة مزيفة بخواء اللجان وإيمان مغشوش بأجواء غم وكآبة أحاطت بالاستفتاء. حتى الموسيقى الصاخبة والزغاريد المجلجلة والرقصات الهادرة التي ما زالت تحير المحللين والمراقبين في تفسيرها وصفوها بالمفتعلة ونعتوها بـ «قلة الأدب».

آداب يوم الجمعة من اغتسال وثياب نظيفة وتبكير الذهاب إلى المسجد والتي أضافت إليها الجماعة على مدار الأشهر الستة الماضية حرقاً وتدميراً وتلطيخاً و «مولوتوفاً» وحجارة، في طريقها إلى التنقيح والتطهير. مظاهر الحشد لمليونية غضب أسبوعية هادرة أو مسيرة حرق سلمية ضاربة أو «جمعة طوفان كسر الانقلاب» بائنة اندثرت أمس إلا في الجامعات، ربما لالتقاط أنفاس انقطعت من فرط الركض في دوائر مفرغة، أو البحث عن كراسي لم تعد قائمة، أو ربما استعداداً لرقصة موت في الوقت الضائع يوم 25 الجاري.

اخر الأخبار