أَكْدَى وزير الصحة

تابعنا على:   21:22 2014-01-16

د. أكرم العجلة

على شاشة تلفزيون فلسطين، شاهدت النقاش والحوار بين وزير الصحة وبين نقيب الأطباء حيث أن محور النقاش تمحور حول قرار التفرغ والحوافز. وعندما شارفت الحلقة على الانتهاء، ومن بين الجمهور الذي يستمع للسجال ، وقف عميد كلية التمريض في جامعة بيرزيت ليجمل ما دار في الحلقة وكأنه لسان حال المشاهد عندما قال: على ما يبدو أن الحديث يدور عن مصالح وتسجيل مكتسبات شخصية . السيد/ الوزير خرج على الشعب وعلى السلطة بفكرة التفرغ مقابل الحوافز، والمتمحص في فكرة الوزير، يستطيع أن يستنبط وكأن الوزير يتطلع ليكون نقيب الظل للأطباء، وانه (الوزير) يجر الحكومة إلى مربع أثارة الفكرة وإدارة الحوار حولها ، إلى خوض التفاوض عليها، وبالتالي ما يتم تحقيقه للأطباء سيكون انجاز مشترك للوزير ونقيب الطل، وتتحول الخاطرة ليست فقط احتمالاً، بل تصبح حقيقة مكتسبات وليست خيالاً.

شخصياً، لست طبيباً، ولست من المدافعين عن الحكومة، وأيضا لست ضد الأطباء الذين يقومون بعمل نبيل وإنساني، وليس لدى أي شك في تفانيهم، وهم شركاء في البناء والنضال، ولكني أحد المواطنين الذين يدافعون عن المال العام ويبحثون عن سبل وأفكار لتطوير الخدمة للمواطن. ولهذا سأجتهد في هذه المقال حول حق المواطن في خدمات أفضل وكذلك صون المال العام ودافعي الضرائب من المواطنين.

أولا: المال العام:

لا اعرف من أين ستأتي الحكومة بمبلغ إضافي على فاتورة الرواتب بما يقارب 111.6 مليون دولار سنوياً لتغطية نفقات الحوافز للأطباء. وهل توجد لوائح تنفيذية لتطبيق نظام الحوافز؟ من هو الطبيب الذي تنطبق عليه شروط الحوافز؟ ولو افترضنا أن النظام تم العمل به، من هي الجهة الضابطة لالتزام الأطباء بالتفرغ، وبمعنى آخر: هل يستطيع وزير الصحة منع طبيب يزاول المهنة مساءاً (كمتطوع) في عيادة زوجة الطبيب أو ابنة الطبيب أو عيادة خاصة (مسجلة) بأسم الغير؟ هل فعلاً تفرغ أصحاب الكفاءة أو استقالتهم للتفرغ لعملهم الخاص يقلل من تكلفة فاتورة وزارة الصحة، أم سيدفع بالوزارة لمزيد من التحويلات للعلاج في الخارج أو شراء الخدمة من المستشفيات والعيادات الخاصة! على ما يبدو أن النظام هو عبارة عن قفزة في الهواء ولا تحتمل التجربة. إذن ما العمل؟

من خلال الدراسة الموضوعية، هناك حاجة لإنصاف الأطباء أصحاب الكفاءة والندرة، واغلبهم محصور من بين العاملين في المستشفيات، والمشهود لهم بالنزاهة والتفاني والعطاء (تقرير الأداء السنوي). إنصافهم من حيث الدرجات (وهي معنوية أكثر منها مادية) والعلاوات التي نص عليها القانون، والعمل الإضافي المتمثل بالمناوبة والاستدعاء، وهذا ما نص عليه قانون الخدمة المدنية أيضا، وفي المقابل وجد المحللون أن العيادات الخاصة تخفف جزء كبير من العبء على العيادات الخارجية والمستشفيات. لذلك هناك مصلحة عامة تبيح لكل طبيب خبير أن يفتتح عيادته ولكن في إطار تنظيم المهنة (دائرة الطب الخاص) وضرورة أن تلتزم هذه العيادات بالقوانين والبروتوكولات المهنية، ميثاق الأخلاق، والالتزام بالإجراءات الإدارية والمالية وخاصة السجل الضريبي والتعهد بعدم التهرب الضريبي. هناك عيادات تكون فيها الرسوم رمزية وتشمل مقابلة وفحص الطبيب والعلاج والمراجعة المجانية ، وفي هذه الحالة يمكن إدراج هذه العيادات ضمن الغير ربحية، بالإضافة إلى اتفاق الوزارة مع العيادات الخاصة على إتاحة فرصة العلاج المخفض في العيادات الخاصة للحالات من الشرائح الهشة والضعيفة اقتصادياً في المجتمع.

ثانياً: رفع الجودة:

الاستثمار في التدريب المستدام للأطباء، يرفع من جودة الخدمة ، والشراكة بين المستشفيات والجامعات المحلية في مجال البحث العلمي من شأنها تعزيز رغبة الأطباء في تطوير قدراتهم ومهاراتهم. وتشجيع الأطباء للحصول على منح دراسية ودورات تدريبية في الدول المتطورة وتحفيزهم بان تكون مدفوعة الراتب، يزيد من دافعية الأطباء للتطور والعطاء والانتماء للمؤسسة وللوطن والمواطن. رفع الجودة أكان في المستشفيات أو العيادات الحكومية أو العيادات الخاصة، لا يتم بالتفرغ من عدمه، ولكن يتم عن طريق تفعيل أدوات الرقابة والتقييم والتغذية الراجعة (بمعناه العلمي الايجابي وليست كما يفهم في الدول النامية حيث يرتبط مفهوم الرقابة بالتسلط والتجسس والإرهاب والعقاب).

وفي المقام ذاته، فان رفع الجودة في القطاع الخاص أو العيادات الخاصة، بحاجة إلى تفعيل دوائر الطب الخاص، ولا بد من تطوير وتطبيق المعايير المهنية الواجبة لافتتاح العيادات الخاصة، وان لا تكون العيادات كالبقالات التي تحتاج فقط على رخصة حرفة من البلدية أو وزارة الصحة.

لقد افلح رئيس الوزراء عندما أعلن أن الأطباء هم موظفي خدمة مدنية، ويسري عليهم قانون الخدمة المدنية، ولهم من الحوافز (قد تكون مجحفة لشريحة معينة، وبحاجة إلى تطوير) ما تميزهم عن غيرهم من العاملين في الوظيفة العمومية، وعليهم واجبات يجب أن يؤدوها، وقانون الخدمة المدنية هو الحكم بين الحكومة وبين الموظف. وعندما قام الطبيب بالتوقيع على عقد التوظيف، كان واضحاً له ولكافة الموظفين، بأنه لا يجوز الجمع بين وظيفتين، حتى وان كان خارج أوقات العمل الرسمي، إلا بأذن وموافقة الدائرة المختصة و بعد دراسة طلب الموظف والمرفق بنموذج 65 من نماذج ديوان الموظفين.

اخر الأخبار