حقيقة التمثيل الكاذب لمؤسسات المجتمع المدني بغزة

تابعنا على:   03:57 2013-10-12

سائد العقاد

لسنا على درجة كبيرة من الغباء, وليس فينا من يرضى بفوضى خلاقة نخلت جسم المؤسسات في قطاع غزة, ولن يُرضينا الكم الهائل, بل يكفينا الكيف المعطاء, فإنتشار أطياف الفساد في أروقة مؤسساتنا سببٌ كافٍ لتخلفنا لعقدٍ آخر من الزمان.

البعض منا يزور و يشارك ويندمج مع بعض المؤسسات القاطنة في مربع سكناه أو في منطقة أخرى، البعض يتعجّب وأنا منهم, والبعض يتهجم ويرفض الإدارة العاملة بتلك المؤسسة لسبب سوء المعاملة التي يتلقاها أو التهميش الذي يحظى به, أو غير ذلك وربما ما سيتم سرده في بقية المقال.

إن الشباب هم حماة الإنجاز, وطاقة اليوم, وعماد المستقبل, ودرع التنمية, ومحرك أساسي في المجتمع كما ومخزونها الاستراتيجي وسر نهضتها ومظهر حيويتها وقوتها, والشباب هم وقود الدولة, وبالرغم من نجاح بعض المؤسسات التي تهدف إلي تطوير وخدمة الشعب الفلسطيني, إلاّ أن الواقع على العكس من ذلك تقريباً.

على الرغم من كثرة المؤسسات الخدماتية ومؤسسات المجتمع المدني وتحديداً في قطاع غزة والتي تصل إلى ألفي "2000" مؤسسة, ستجد أن بعض هذه المؤسسات تعمل بشكل مستمر على استقطاب الخريجين تحت مسمى وظيفي جديد "متطوع"ولا قانون عمل يحميهم, ولا تأمين, ولا مقابل واضح؛ بحجة إكساب هذا الخريج المتطوع الخبرة والمهارة للعمل المؤسساتي والإداري الجيد, ولكن!

تعمّقتُ أكثر في المعرفة عن طبيعة عمل المتطوع فوجدت أن مدير المؤسسة يكتسب خبرة من المتطوع وليس المتطوع نفسه من يكتسب الخبرة من الأول, وهناك من الأمثلة ما يفيض به إناء مقالي.

فقبل أقل من عام عملت بمؤسسة خدماتية بمشروع ما, و وجدت أن مدير المؤسسة لا يفقه شيئاً بالأعمال الإدارية الموكلة إليه وحتى أبسط وأتفه الأمور, واسمه مع أسفي "مدير مؤسسة", وله تابعين, ويّعي إدارة شئون الناس!, طبعاً العكس!!

إنّ غياب رقابة الحكومة بشكل مستمر وغريب أدّى إلي تراجع قيمة العمل المؤسساتي في ظل الوضع المتعايش والمتردي الذي يعيشه شعبنا في ظل الحصار والانقسام وغيره, ولا أقصد رقابة جلسات الجمعية العمومية أو نحوه.

والكل يفكّر أننا قد نصبح دولة مؤسسات ناجحة بعد عقدٍ من السنوات مثلاً, وبهذا ليس شرطاً أن أكون متشائماً, لكن الواقع سيء وللغاية, والحقيقة أن الصراحة هي الوسيلة أو الدواء المؤقّت الذي قد يقلل من سوء الواقع بدلاً من المكابرة, التي قد تكون سبباً في الوصول لحالة الغرق.

بعض المؤسسات عندما تحصل على تمويل لمشروع معين, وبغض النظر عن سخافة المشروع أحياناً, وبغض النظر عن كاتب المشروع, تقوم هذه المؤسسات بتوظيف من تُحابيهم, و تثق بضيق أفقهم, وتبعيتهم الكاملة لإدارة المؤسسة, وتبدأ في المشروع الذي يستفيد منه أيضاً فئة محدودة ومعروفة مسبقاً, ولا ينتهي المشروع بدون تغطية إعلامية واسعة, وانتهى المشروع,

ولقد أعجبني أحد المتحدثين في أحد المؤتمرات مؤخراً بغزة, باقتراحه الذي مفاده, استبدال "مشروع, ب"برنامج"؛نظراً للاختلاف الجوهري بين المعنيين, سواء في المدة أو النطاق أو الفئة المستهدفة, ولكن مؤسساتنا تعمل لأجل الربح السريع, والتنويع في التمويل, لذلك لا نشعر بالتحول الذي يجب أن يفرضه الممول.

ومن المشاكل الموجودة في مؤسساتنا الوساطة, والمحسوبية, والرشوة, والإقصاء, والفساد الإداري والمالي, والكثير مما ليس مجاله أو محله هنا.

إنّ انتشار الواسطة والمحسوبية والمحاباة في ظل غياب الرقابة والتوعية, مشكلة كبيرة تعاني منها مؤسسات اليوم في غزة, وإن اغلب الشباب العاملين في المشاريع المؤسساتية يأخذون رواتب رمزية بالكاد تكفي لمواصلاتهم.

وفي المقابل, العكس تماماً؛ فأقرباء مسئول المؤسسة يأخذون رواتب مغرية إضافة إلي التسهيلات اليومية التي يحصلون عليها, كما أصبح الأمر ليس مقتصراً على الواسطة بل إلى الرشوة في تشغيل الخريجين الجدد العاطلين عن العمل, فيدفع المتقّدم للعمل مبلغاً من المال مقابل حصوله على فرصة عمل مؤقتة, إنّه الفساد بعينه!

وإني لأندهش صراحةً من حال هذه المؤسسات التي أزورها بشكل دوري من الواقع التنظيمي لإدارة هذه المؤسسات والإدارة العاملة فيها, ولا أجد الأدوار الحقيقية للمسميات الإدارية الأساسية, ولا أجد الاهتمام الكافي بالقضايا التي ترفعها تلك المؤسسات كشعار أو عنوان أو برامج.

إنها الفجوة العميقة بين النظرية والتطبيق, وهذا شكلٌ أخر من أشكال الفساد وصورة أخرى ترسخ قيمة الكذب الاجتماعي الممارس من قبل ممثلي المجتمع، فالكثير من المؤسسات تحمل عنوان التنمية أو التراث أو الثقافة والتطوير فلا نجد لا تنمية ولا تغيير, وهنا يحق لي أن أتساءل أين الرقابة الحكومية والمجتمعية على حداً سواء.

ووجود أكثر من ألفين مؤسسة في منطقة مساحتها كغزة يعني أننا دولة مؤسسات بامتياز والمجتمع يخلو تقريباً من المشاكل والتنمية البشرية والبنيوية تسير على قدم وساق وفي صورة مثالية، ولكن و بما أن هذا الواقع غير قائم فنحن هنا من واجبنا أن نقف ونعيد النظر في النوع وليس في الكم ونضع النقاط على الحروف ونحاسب كل المؤسسات المتورطة في التمثيل الكاذب للمجتمع الغزي الفلسطيني .

 

إنني أعلم أن مؤسسات المجتمع المدني هي ضمير المجتمع وعين المواطن وعندما أفتقد لهذا الدور وهذه الصورة فمن واجبي بل من حقي كشاب فلسطيني, وأعتبر نفسي ناشط مجتمعي يهمني أمر المجتمع, وأسعى لعدالة قضاياه فإنني أطالب كُل الجهات المعنية بإحصاء أعداد المؤسسات في كل منطقة, ليس إحصاءً عددياً فحسب, وإنما أيضاً توضيح ماهية عملها وحجم أعمالها وبيان أشكال الفساد والرشوة في بعضها ومتابعتها, وهنا أيضا أدعو دعوة صادقة, الشباب النشطاء المجتمعيين بأخذ دورهم الوطني والأخلاقي تجاه هذه المؤسسات, لكي نرسم الصورة المدنية الحضارية الحديثة للمجتمع الفلسطيني القائم على مؤسسات تدعمها الشفافية والموضوعية, والصدق في الانتماء والتوجه والعمل.

اخر الأخبار