صوملة ليبيا

تابعنا على:   20:15 2013-10-11

راسم عبيدات

واضح جداً بأن ما يسمي بالربيع العربي لم يجلب لليبيين لا سمناً ولا عسلاً ولا ديمقراطية ولا حريات ولا تحسناً في الظروف والحياة الاقتصادية ولا حتى في تحقيق الأمن والأمان،فالأمور في عهد ما يسمى بالربيع العربي،لم تبقى على ما كانت عليه في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي،بل تراجعت الى الخلف مائة وثمانون درجة،حيث ان ثروات البلاد وبالأخص النفطية منها تخضع للسيطرة الغربية،بعد طلب ما يسمى بالثوار ومفتي الناتو القرضاوي من الغرب الاستعماري التدخل في ليبيا من اجل "تحريرها" من النظام الديكتاتوري،ليجد الشعب الليبي نفسه كمن"هرب من تحت الدلف لتحت المزراب"،حيث بات مطلوباً منه تسديد ثمن كل طلقة استخدمتها تلك القوات او طلعة جوية قامت بها لصالح هؤلاء"الثوار"،وليبيا التي كانت من الدول المصدرة للنفط،وجدت نفسها في ازمة نفطية،فالنفط تنهبه الشركات الغربية والمواطن الليبي ينتظر بالساعات على محطات الوقود للحصول عليه،تماماً كما حصل في العراق،عندما جرى إحتلاله من قبل امريكا والغرب الإستعماري.

الان في ليبيا  يجري الترحم على عهد الرئيس الديكتاتور معمر القذافي،كما هو الحال في العراق،حيث يجري الترحم على عهد الرئيس الشهيد صدام حسين،ففي ليبيا تغيب الحكومة المركزية،وهناك مجموعة او حفنة من الفاسدين المرتبطين بأكثر من جهاز مخابرات عربي وغربي من يسيطرون على الحكم،وتحيط بهم دوائر من المافيات والعصابات المسلحة،يتقاسمون معها السلطة والنفوذ والمال والثروات،والسلطة تقوم على النفوذ والمصالح العشائرية والقبلية والجهوية والتوزيعات الجغرافية،ووصلت الأمور بسبب ذلك الى حد التقسيم الجغرافي لليبيا الى ثلاث دويلات،وفق مخططات دعاة الفوضى الخلاقة ورؤيتهم للمنطقة العربية في عملية التجزئة والتقسيم والتفكيك والتذرير.

ليبيا أصبحت بعد ما يسمى بالربيع العربي مرتعاً خصباً لكل اجهزة المخابرات والعصابات والمافيات،حيث تنشط فيها اكثر من الفي عصابة،وانعدام الأمن فيها وغياب السلطة المركزية،جعل منها ماوى ومقراً وملاذاً لكل الجماعات الإرهابية والعصابات،فهناك القوى التكفيرية والإسلامية المتشددة من سلفية وقاعدة وإخوان وعرب افغان وغيرهم،تلك الجماعات التي مولها ورعاها الغرب الإستعماري لخدمة اغراضه واهدافه في ضرب المشروع القومي العربي وتدميره،وجد الغرب والأمريكان،بأن هؤلاء أصبحوا كما هم جماعة القاعدة وطالبان الذين رعوهم واستخدموهم ضد الروس،ليخرجوا عن طوقهم وطوعهم وينقلبوا عليهم ويشكلون خطراً على مصالحهم،من حيث محاولاتهم إقتسام الثروات النفطية معهم في ليبيا،فأقدمت امريكا على اختطاف احد قادة القاعدة هناك أبو انس الليبي،تحت سمع وبصر النظام،وربما بضوء اخضر منه،وهذا التصرف دفع بالعصابات المسلحة من القوى الإسلامية المتشددة  إلى  اختطاف رئيس الوزراء الليبي على زيدان من قلب العاصمة الليبية وبملابس النوم،حيث تعرض للإهانة والشتم والسباب قبل ان يحتجز لعدة ساعات ومن ثم يجري إطلاق سراحه،وما حدث في ليبيا لم يحصل حتى في الصومال،ففي ليبيا "المحررة" العصابات تصول وتجول في طول البلاد وعرضها تقتحم الوزارات والبرلمان والمطارات والموانىء وقتما تشاء وتعتقل وتقتل من تشاء،وتفرض الاتاوات والخاوات،،وكذلك اضحت ليبيا مرتعاً خصباً لأجهزة المخابرات الغربية وبالذات الأمريكية،وكذلك ماوى ومعاقل لجماعة القاعدة والعرب الأفغان،واتت عملية اختطاف رئيس الوزراء الليبي كرد على اختطاف واعتقال المخابرات الأمريكية لآبو انس الليبي ابرز قيادات القاعدة هناك، والأمور ليست وقفاً على هذا الحد،بل ينشط تجار ومهربي السلاح هناك،حيث جرى نقل الكثير من الأسلحة الليبية التي كانت موجودة في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي ونظامه،الى سيناء المصرية لجماعات ارهابية متعددة الأسماء (قوى سلفية والقاعدة والإخوان والجهادية وغيرهم)،وكذلك الى مناطق اخرى في مصر لنفس تلك القوى،وواضح ان تلك الأسلحة هي التي يجري استخدامها من قبل تلك الجماعات والعصابات ضد النظام المصري الان،ولا ننسى ما قامت به عربان مشيخات النفط والكاز من شراء للكثير من تلك الأسلحة وارسالها الى العصابات وجماعات الإرهاب في سوريا من ما يسمى بجبهة النصرة والقاعدة ودولة الإسلام والجيش الحر من أجل  اسقاط النظام السوري وفي سياق نفس المخطط لتدمير سوريا وتفتيتها وادخالها في حروب مذهبية وطائفية، جرى نقل الألاف من الليبيين للمشاركة في القتال مع تلك القوى ضد النظام السوري.

وباختصار تحولت ليبيا كما هو حال الصومال الى ماوى وملجأ لكل القوى الارهابية والعصابات وقطاع الطرق،  حيث تجري عملية صوملة لليبيا من اجل تحويلها الى دولة فاشلة،بل وتشظيتها الى دويلات وكيانات اجتماعية هشة،تتحكم فيها العشائرية والقبلية،وبما يمكن الإستعمار القديم من العودة اليها وبسط سيطرته عليها.

ان ما كشفت عنه صحيفة نيوزويك الأمريكية بشأن تقسيم  خمس دول عربية الى اربعة عشر كيان اجتماعي ضعيف،يؤكد حقيقة ما قلناه بأن هناك مشروع استعماري جديد،عنوانه الفوضى الخلاقة وانتاج لمشروع استعماري سايكس- بيكو جديد يقسم المنطقة العربية على اساس الثروات ويدخلها في حروب طاحنة مذهبية وطائفية،والخارطة باتت واضحة ومن لا يراها فهو اعمى البصر والبصيرة،مشروع بيكر- هاملتون يجري تنفيذه وتشارك فيه ادوات عربية واقليمية،الصومال تحولت منذ زمن الى دولة فاشلة تتحكم فيها العصابات والتي تمول نفسها من تجارة  وتهريب السلاح والمخدرات،وكذلك فهي تقوم باختطاف السفن والمطالبة بالفدية لكي تمول عملياتها،والسودان جرى تقسيمها وتستمر عملية تشظيتها وتدميرها،وكذلك اليمن ومن قبلها أفغانستان والعراق،والان الدور على سوريا ومصر،وستطال تلك المشاريع مشيخات النفط والكاز،والتي كانت تراهن بان مشاركتها في هذا المخطط والمشروع،ستوفر لها شبكة امان تحفظ لها عروشها واماراتها وممالكها وإقطاعيتها،ولكن الغرب ليس له صدقات دائمة،بل مصالح دائمة،وسيضحى بها كما ضحي بغيرها من قبل.

هؤلاء دعاة الثورة الليبية،قدموا أسوء النماذج في الحكم،وهم لم يبنوا دولة مؤسسات،ولم يطلقوا الحريات او يشيعوا الديمقراطية،ولم يوفروا الأمن ولا الأمان للشعب الليبي،بل أمعنوا في القتل والإرهاب والتجويع وإفقار الناس،وحولوا ليبيا الى نموذج أسوء من الصومال،فهل هذه الثورات التي كانت تنتظرها الشعوب العربية..؟؟؟؟

[email protected]

اخر الأخبار