عهد الكيف

تابعنا على:   02:58 2014-01-14

سمير الاسعد

يثير اكتشاف المصنع الأخير لإنتاج المخدرات الثقيلة في مدينة طولكرم الخوف والقلق الشديدين بعدما أظهرت تحقيقات جهاز الأمن الوقائي أن المصنع يعمل بتقنيات عالية جدًا ومجهّز لإنتاج المخدرات الثقيلة (الهيروين والكوكايين) وانه يعمل بتقنيات تكنولوجية حديثة جدا ومعدات ضخمة وباهظة الثمن ووراء تشغيله عصابة منظمة تابعة للمافيا الإسرائيلية تعمل على تصنيع المخدرات الخطيرة وتقوم بترويجها .

المثير للسخرية أن حروب المافيا التي تنتشر في كل بقاع العالم وصلت أخيرا الى فلسطين وأصبحت تشترك مع المافيا الفلسطينية المشهورة عالميا والتي تعمل داخل المدن التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية في إنتاج يغطي منطقة الشرق الأوسط !! حيث استضافت مافيا فلسطين المافيا الإسرائيلية بعد نجاح الأخيرة في تدمير الشعب الإسرائيلي وتوسعت لتكتسح باقي دول المنطقة . وهذا ما قد يعتقده أي شخص في هذا العالم يسمع هذه الأخبار المبهرة لشعبنا الذي يسعى جاهدا لنسيان مصائبه بعهد جديد من صناعة الهروين والكوكايين .

الغريب في الأمر أننا لم ندرك أن هناك عمل منظم لقطاع الجريمة في فلسطين حيث كنا نسمع دائما أن هذه الأمور لم تصل الى حد أن تصبح ظاهرة وأنها اقتصرت فقط على محاولات فردية عقيمة لم ترقى الى ابعد من ذلك أبدا حيث جاءت المفاجأة قاسية عاصفة لتعلن حالة التردي التي وصلنا إليها والتي إن استمرت سوف تغرق وتدمر نضالاتنا الماضية وتهيأ لنا مستقبلا غامضا غير مبشر بخير .

المؤشرات تؤكد وجود حالة ريا وسكينة انتقلت من مصر الى دوار "السلام" في طولكرم لتسكن بجانب مديرية الشرطة وتنشأ معملا لزراعة الماريجوانا بتقنيات حديثة داخل منازل مغلقة فيها العديد من الأدوات والمعدات الخاصة في نمو النباتات بعيدًا عن أشعة الشمس، وهذا بحد ذاته صفعة قاسية لأجهزة الأمن واستهتار بهم وبكل قيم ومبادئ وتراث الشعب الفلسطيني بأكمله .

وقد نجحت هذه الفئة الضالة في التغلغل داخل المدينة وتجاوزت كل المحاذير واخترقت كافة الخطوط التي طليت باللون الأحمر ووصلت الى نقطة حرجة كان الوصول إليها صعبا قبل ذلك وتجاوزت حواجز العزة والكرامة والفخر ، إلا أننا نرفض تشبيهها بظاهرة السرقات التي انتشرت قبل ذلك والتي أصر البعض على تبرئة ساحة أجهزة الأمن في عدم منعها وانتشارها بالسرعة المناسبة بحجة أن حدوثها كان متوازيا مع دخول قوات الجيش الإسرائيلي للقيام بنشاطاته الأمنية الليلية والنهارية داخل المدينة وضواحيها.

التدمير لاسس وأركان اقتصاد الشعب الفلسطيني هو الهدف الرئيسي للسياسات الحكومية الإسرائيلية وتعتمد في ذلك على الاغلاقات للمناطق والمنافذ الفلسطينية من جهة وعلى عربدة المستوطنين وشراستهم التي اكتسبوها من حماية الجيش لهم ومن التسليح الذي يفتقده المواطن الفلسطيني للتضييق عليه من جهة أخرى ، وفي هذا الوقت اكتملت الدائرة وجاءت الخطوة الأخيرة لإجبار الفلسطينيين على نسيان همومهم وحقوقهم وأراضيهم وأسراهم ومقدساتهم بالاتجاه للمخدرات والكيف ذات القدرة التدميرية الفائقة والسريعة لعقل الإنسان الذي تحتاجه إسرائيل مشوشا غير مميز .

لقد أطبق الفخ أخيرا وسنصبح شعبا يتاجر بالمخدرات التي ستفتح ذراعيها على مصراعيها وستأخذنا بالأحضان بعد أن فشلنا في تجارتنا التي اقتصرت على تأجير وبيع العقارات وسوق البالي وافتتاح المطاعم والمقاهي التي زاد عددها عن عدد السكان ودلت كثرتها على راحة البال والرضا وعلى ازدهار قطاع السياحة داخل المدينة ذات المعالم السياحية وعلى رأسها الشوارع العريضة والتي حصلت على المرتبة الأولى في نظافتها وخلوها من الحفر والمطبات .

إن تخريب هذه المدينة الهادئة عمل لا يغتفر ومكافحة آفة المخدرات أولوية تتكاثف من اجلها الجهود وتتعاون كافة فئات المجتمع من اجل مكافحتها بكل ما أوتيت من قوة وشدة ، لا لين فيها ولا تهاون لأنه لا يوجد فرق بين من يعمل على انتشارها وبين العميل الذي يتعاون مع المخابرات الإسرائيلية من اجل تحطيم الروح المعنوية لشعبه ، وإطفاء جذوة النضال داخله وإيصاله لمرحلة اليأس والاعتماد على جرعات المخدر حتى يشبع إدمانه وينسى ما دون ذلك.

إن بيع الأراضي لليهود لا يقل خطرا عن الإدمان على المخدرات التي تغيب العقل وتفرغ الجيوب وتؤدي الى انتشار المزيد من الجرائم النوعية والتي ارتفعت وتيرتها كثيرا في الآونة الأخيرة ، لأن عمليات القتل والسرقة من اجل الحصول على المخدر ستكون أسهل في حالة الإدمان الشديد ، كذلك ستسهل عمليات الارتباط والخيانة تحت تأثير المخدر وتٌخترع وسائل جديدة تفوق سرعة تطور وسائل الاتصالات .

ومهما كانت المحاولات لإجبار الشعب الفلسطيني على نسيان حقه في كل شيء داخل وطنه وتغيير سلوكه إلا انه اكبر من ذلك وأقوى ولن يركع أو يخضع لنزوات الجسد وإيماءات الاحتلال مهما حصل لأنه ببساطة يرفض التبعية منذ سالف عصره ولم ينحن قبل ذلك حتى في أحلك الظروف وفي كل المواقع ، وستكون قدرته في عينه الساهرة لردع هذه الظاهرة والتخلص منها بشكل جماعي متسلحا بالوعي ومتابعة الإرشاد في البيت والمدرسة والشارع كي تبقى بيوتنا نظيفة معقمة خالية من المخدر .

إن مكافحة هذه الظاهرة لا يقع على عاتق الأجهزة الأمنية فقط بل هو جهد يشارك به كل شريف يخاف على نفسه وعلى أولاده وعلى أبناء شعبه ، وهذا جزء من النضال من اجل استرداد الأرض والحفاظ على الإنسان في كامل جاهزيته من اجل بقائه صامدا سليم العقل معافى .

 

اخر الأخبار