..تطبيع تدريجي وتسوية متعثرة

تابعنا على:   03:40 2016-01-30

محمد جبر الريفي

لم تعد كثير من الدول العربية تعتبر دولة إسرائيل التي قامت على أنقاض وطننا التاريخي فلسطين وشردت شعبنا منذ عام النكبة 48 اي قبل سبع وستين عاما وما زالت تحتل القدس والضفة الغربية والجولان العربي السوري ويمارس جيشها الاحتلالي الصهيوني العنصري أبشع الجرائم من خلال الإعدامات اليومية التي يقوم بها بحق أبناء شعبنا ..لم يعد هذا الكيان الغاصب يعتبر عدوا رئيسيا لكثير من الدول العربية حيث غاب عن مفردات خطابها السياسي ما كانت تردده دائما في بياناتها السياسية والإعلامية بأن القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسية الأولى لها ..بعد حرب أكتوبر اخذ التحول في الخطاب السياسي العربي يمارس في اطار تيار الواقعية السياسية بشكل عملي بتوقيع عقد اتفاقيتي السلام المصرية والأردنية وتم ذلك تحت ذريعة السيادة الوطنية وحسابات قطرية لا تلبي حاجة الأمن القومي العربي بشكل كامل وبذلك ظل الاحتلال جاثما على الضفة الغربية وحصاره الجائر قائما على قطاع غزة يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني اليوم وحده من دماء أبنائه التي تنزف كل يوم على الحواجز العسكرية في ظل تخاذل النظام العربي الرسمي وصمت المجتمع الدولي...بعد توقيع اتفاقية اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان الصهيوني التي لم تحقق هذه الاتفاقية التي وقعت قبل ما يقارب عقدين من الزمن ما كانت تتطلع إليه القيادة الفلسطينية من تحقيق الاستقلال الوطني وإقامة الدولة المستقلة على الأراضي التي احتلت عام 67 وذلك بسبب تعنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وتفضيلها للتوسع الاستيطاني ومشاريع التهويد على خيار السلام اخذت بعد توقيع هذه الاتفاقية اتجاهات السياسة العربية الرسمية تميل الى التطبيع اكثر مع الكيان الصهيوني بحجة أن الطرف الفلسطيني صاحب القضية اعترف بإسرائيل ولذلك تم تهميش منظمة المقاطعة العربية وغابت قراراتها الفاعلة ذات الحضور المؤثر في مجال العلاقات الاقتصادية و هذا التحول في الخطاب السياسي العربي تجاه الموقف من إسرائيل جاءت المبادرة العربية للسلام التي طرحت في قمة بيروت عام 2000 لتؤكد عليه بما تضمنته من مكاسب سياسية لم يكن يحلم بها منظرو الفكر الصهيوني لكن رغم ذلك لم تقبلها إسرائيل بل كان الرد المباشر عليها هو قيام شارون الذي كان حينذاك رئيسا للحكومة الإسرائيلية بإعادة احتلال الضفة الغربية خروجا عن ما نصت عليه اتفاقية اوسلو وذلك لأن إسرائيل في ظل التراجع العربي الرسمي المستمر فيما يتعلق بالموقف من وجودها كدولة في الشرق الأوسط لم تعد بحاجة إلي عقد مزيد من الاتفاقيات فهي قد حصلت على اعتراف رسمي (مصر الأردن موريتانيا ) وعلى اعتراف ضمني من كثير من الدول العربية في المغرب والمشرق العربيين وأصبح لها علاقات تطبيعية على شكل مكاتب تحت مسميات تجارية وإعلامية وسياحية مختلفة (قناة الجزيرة الفضائية القطرية كمثال ) وذلك بدون توقيع اتفاقيات رسمية جديدة التي قد تكلف التوصل إليها مع الجانب الفلسطيني والعربي تقديم استحقاقات سلام هي لا تقبلها لانها تتناقض أساسا مع مشروعها الصهيوني العنصري التوسعي وفي مقدمتها التخلي عن القدس الشرقية التي ضمتها اليها حيث تتمسك بالقدس الموحدة عاصمة لها وكذلك تفكيك مستوطنات الضفة ضمن الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة أضافة الى حل مشكلة الاجئين ..اليوم في ظل الفوضى السياسية والأمنية التي تسود كثير من دول المنطقة الرئيسية وإنغماس أطراف إقليمية ودولية في فوضى هذه الصراعات التي تغذيها عوامل طائفية وعرقية وجهوية لا غرابة في هذه الحالة أن تجري في الكواليس إجتماعات بين مسؤوليين عرب وبين مسؤوليين إسرائيليين صهاينة من أعلى المستويات للتباحث في تطورات هذه الأوضاع المتفجرة وفي إطار ذلك جرت قبل أيام زيارة وزير صهيوني عنصري في حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي تدير المذابح اليومية بحق شعبنا بزيارة إلى أبي ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المحتلة وأيضا ما صرح به وزير الخارجية السوداني مؤخرا من امكانية اقامة علاقات سياسية وتطبيعية يؤيدها البرلمان السوداني وجامعة الدول العربية وهذا دليل على أن هذا الكيان لم يعد عدوا للنظام العربي الرسمي وانه بإمكانه الاتصال مع معظم الدول العربية كما صرح بذلك مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية قبل أيام ...السؤال في ظل هذا التحول الكبير في اتجاه السياسة العربية الرسمية المستمرة في دبلوماسية تطبيع تدريجي مع إسرائيل على الرغم من انسداد آفق التسوية وتعثرها الدائم بسبب تعنت وصلف وغطرسة الكيان الصهيونى وعدم استعداده لتقديم استحقاقات السلام ومع ما يترافق ذلك من تغول جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين ،السؤال هو : ماذا تبقى الان من رمزية القضية الفلسطينية التي احتلت مكانة سياسية وإنسانية هامة في ألضمير والوجدان العربي على مدى عقود من الزمن ؟ هل مازالت باقية في الوعي السياسي القومي كقضية رئيسية أولى للأمة العربية؟ ؛

اخر الأخبار