فلسطين ولعبة الأمم

تابعنا على:   14:45 2014-01-07

عبد اللطيف أبوضباع

في البداية لابد أن نقتبس العبارات والعبر من كلمات المرحوم الشاعر الفلسطيني محمود درويش " نَحنُ الضحية التي جَربتَ فيها كل أنواعَ القتلِ حتى أحدث الأسلحة لَكننا الأعجوبة التي لا تموت ولا تَستطيعُ أن تَموت " وأضيف عليها.. ولن نموت ..

القضية ليست وليدة اليوم أو الأمس وأقصد هنا "فلسطين ولعبة الامم " بل هي منذ عقود مضت ، كانت القضية الفلسطينية تخضع لسيطرة وهيمنة هذه الأمم وتلك الأنظمة و الدول ، منذ الحكم العثماني يليه الانتداب البريطاني ومن ثم الاحتلال الصهيوني ، وقبل كل هذا وذاك حضن الأنظمة العربية والتجاذبات والتحالفات للاستحواذ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل وعلى القضية بشكل عام ...

كانت ومازالت قضيتنا "الحصان الرابح " لمن يريد الركوب للفوز في مضمارالسباق (القومي ، العربي ، الاسلامي ، الاقليمي ، الدولي) ، نعم فقد أثبتت القضية الفلسطينية أنها الصفقة الرابحة من بين كل الصفقات ، بالنسبة للمضمار العربي كانت القضية الفلسطينية مثار لكل الخلافات والتعقيدات والتناقضات مع أنها القضية الوحيدة التي يجمع عليها كل العرب ..

معظم الدول كانت تقاتل بالمؤامرات والمؤتمرات وتسعى الى ضم القضية الفلسطينية الى حضنها "الدافئ" لأ سباب جميعنا ندركها ونغض الطرف عنها ، منذ عهد الناصرية القومية، والحركات الوطنية اللبنانية الى الصراع بين العراق وليبيا وسوريا والاردن والسعودية وبعدها قطر ومن الممكن ان تصل الى جزر القمر...

جميعهم كانوا يحرصون على امتلاك هذه الورقة الرابحة ، فهي مفتاح الشرق الأوسط

منها تبدأ الحروب ومنها يعم السلام ، وبما ان الشعب الفلسطيني في كل مرحلة من هذه المراحل كان الطرف الأضعف فمن الطبيعي أن يهرول الى الحضن الدافئ والى اليد الحانية التي تربت على اكتافه وتقول له من هنا تحرر فلسطين ، والغريب أن كل هذه الايادي "الحنونة " لم تحرر فلسطين لا من هنا ولا من هناك ولا من أي مكان ، وبالتالي كنا ضحية ابتزاز لبعض الأنظمة الاستبدادية والانتهازية والشمولية ، و لم نكن ضحية الاحتلال الاسرائيلي وحده فقط بل كنا ضحية بعض الأ نظمة العربية والأسلامية والدولية ،كنا ضحية لعبة الأمم ، التاريخ طويل والأحداث كثيرة والكوارث أكثر ولامجال لسردها أو ذكرها هنا ،وأما بالنسبة للدول الاسلامية فلابد أن نذكر تركيا وايران في لعبة الامم بدون أن نخوض في التفاصيل لأن التفاصيل كثيرة أيضآ ....

على أي حال- كتبنا من قبل عن صراع الاقطاب وعن الدور الاقليمي وعن مجموعة بريكس والدول الناشئة والصاعدة ، وذكرنا أمثلة للصراع الروسي الامريكي وكل طرف وتحالفاته ، وذكرنا أيضا عن سباق التسلح النووي واتفاقية ستارت 1 وستارت 2 ، وعن الدور الامريكي في مناطق النفوذ الروسي والعكس ، وقلنا ايضا أن الوضع تغير منذ فترة بعد انتهاء دور الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة ، وذكرنا أن روسيا بدأت تتعافى وتستعيد موقعها الاقليمي بل وتتنافس وتتقدم الى مناطق النفوذ الامريكي ، وذلك بعد أن أدركت موسكو حقيقة الصراع وكيفية ادارة المعركة ، وبعد أن تحالفت مع الصين القوة الاقتصادية ومع بعض الدول الناشئة والصاعدة ، وأظهرت روسيا قوتها في مناطق عديدة ولكن على الصعيد السياسي كان مجلس الأمن حلبة للصراع السياسي وميزان التفوق الدبلوماسي ....

تغيرت الأوضاع وتبدلت في اخر ثلاث سنوات ، وأي مراقب أو متابع بالتأكيد سيلاحظ انكفاء الولايات المتحدة عسكريا وسياسيآ واقتصاديآ ، وبالمقابل تقدمت روسيا ومجموعة بريكس عسكريا وسياسيآ واقتصاديآ ، وهذا لايعني أن الصراع انتهى أو سينتهي بل هو ممتد ومتواصل ...

في ظل "الثوارات العربية " لعبت الولايات المتحدة أدوار عديدة وبأشكال مختلفة ،حتى أنها وصلت الى اوكرانيا ، في ميدان الثورة البرتقالية كان (جون ماكين ) يحرض على الرئيس والحكومة الاوكرانية لاسقاط الحكم الذي رفض الانضمام لاتفاقيات التجارة الحرة والتي بالطبع تضر بالدولة الروسية ومصالحها ، وبالتالي سعت امريكا لتعذية الانشقاقات وتغيير الانظمة في دول الاتحاد السوفيتي السابق عندما فشلت عسكريا في جورجيا ، ومازالت الولايات المتحدة تلعب هذه الادوار في كوريا الجنوبية وحتى في تركيا التي رضخت وسخرت أراضيها لنشر الدرع الصاروخي ، وفي اوقات كثيرة وفي فترات زمنية متباعدة منعت تركيا بعض السفن الروسية من العبور والمرور من والى الى البحر الاسود ..

وبالمقابل روسيا استطاعت ان تبني وتعيد جسور العلاقة وتطورها في مناطق النفوذ الامريكي حتى وصل الأمر الى عقد اتفاقيات توريد الاسلحة الروسية واستبدالها بالاسلحة الامريكية كما حصل مؤخرآ في مصر ، ناهيك عن التمدد الروسي في افريقيا وعلاقاتها مع دول امريكا اللاتينية ، ولم يبقى للروس إلا استعادة النفوذ في اليمن الجنوبي الحليف السابق

وبعد أن تستعيد هذا الموقع الحساس في جنوب اليمن تكون قد أحكمت السيطرة على الوجود الامريكي في منطقة الشرق الأوسط ، بل ايضا على الممرات الدولية المائية ، والدب الروسي يعرف أهمية الممرات المائية وقد استفاد من التجارب السابقة ، عندما سقطت الجبهة الروسية في الحرب العالمية الأولى كانت بسبب اغلاق تركيا للمضيق الفاصل والواصل بين البحر الأسود والبحر المتوسط وغيرها الكثير من الاحداث العسكرية التي تضررت منها روسيا ، وبالتالي هذه الممرات لها أهمية استراتيجية عسكرية واقتصادية وهنا عليكم الاستعانة "بالخارطة الجغرافية" لمعرفة مناطق النفوذ والصراع الجغرافي لكل قطب وحتى لانطيل عليكم التاريخ طويل والاحداث كثيرة والكوارث أكثر ....

منذ فترة كتبنا عن خط سير القيادة الفلسطينية وعن مكالمة السيد كيري للرئيس عباس وعن" يهودية الدولة " وبعد ذلك اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح وقبولها الاستمرار بالمفاوضات "مهمل حصل على الأرض ، وبعد ذلك انتقال عباس للقمة الاخيرة في الكويت وبعدها الى السعودية ..وهنا "مربط الفرس" كما يقولون ، سبق وأن ذكرنا أن الرئيس عباس نقل للجانب السعودي عن مكالمة كيري ويهودية الدولة ، وبالتالي كان رد السعودية بعد أن أمسكت بالورقة الفلسطينية ، قالوا للرئيس عباس نحن أي" السعودية "لدينا الحلول وذلك بعد توتر العلاقات السعودية الامريكية وبعد عدائها لروسيا وللدور الروسي ، ماهي الحلول..؟؟

والجدير بالذكر هنا أن السعودية ارسلت رسالة للروس ، رسالة مخضبة بالدماء ، وما كانت التفجيرات الاخيرة في روسيا الا رسالة من الأمير بندر بن سلطان يقول فيها أننا قادرين على الفعل وقد سبقها تحذيرات على لسان بندر نفسه للروس بأن الايادي السعودية تستطيع أن تزعزع الاستقرار الأمني ولو نسبيآ قبل بدء الاولمبياد الشتوية 2014 التي ستقام في روسيا ومن الممكن ان تكون التفجيرات في فترة الاولمبياد ايضآ هذه هي الرسالة السعودية ...

وأما بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد أصبحت الان في القبضة السعودية لذلك كانت زيارة كيري الى السعودية بالأمس للتشاور بشأن عملية السلام ، وبالطبع الرئيس عباس هو من أحال وحول القضية الى السعودية أي الى الجامعة العربية التي تسيطر عليها في الوقت الحالي السعودية ، وفي الوقت نفسه سوريا التي كانت تعارض وعارضت المبادرة العربية وأعلنت عن وفاتها هي خارج هذه الجامعة ولبنان غارق في الخلافات الداخلية والوضع العربي يرثى له ،وبالتالي "الحل والربط " في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية بيد السعودية السخية في دفع الأموال والمساعدات للسلطة الفلسطينية ولكن بشروط "بيزنس سياسي " نعم السلطة استلمت 200 مليون دولار في اخر زيارة للرئيس عباس مقابل ماذا..؟؟ وهذه ليست المرة الأولى فقبلها "باعت " السلطة مقعدها في الجامعة العربية لدولة قطر واستلمت المبلغ واستلمت قطر رئاسة الجامعة أنذاك ....

وافق كيري على مضض للذهاب الى السعودية في ظل الأزمة بين البلدين لانتزاع الموافقة على "يهودية الدولة " وعلى تصفية أقصد تسوية باقي الملفات ، وهكذا اصبحت القضية الفلسطينية كما أمست لعبة وورقة خاضعة للابتزاز وللمساومة ، بعد اللقاء السعودي الامريكي وفي المؤتمر الصحفي قال وزير الخارجية " الذئب " كيري نشكر السعودية على "التأييد الحماسي " لعملية السلام ..؟؟ وهنا سر الحكاية كيف تحول الموقف السعودي "الحردان "من الامريكان الى موقف حماسي بالتأكيد لأن الورقة الفلسطينية خضعت للمساومة بالملف السوري وتطوراته وجنيف 2 وبهذه الورقة كانت المقايضة والمساومة وبذلك تكون لعبة الأمم ...

عندما قلنا أن القيادة الفلسطينية وافقت على "يهودية الدولة " فهي وافقت ولكن ننتظر الاجماع العربي وعلى رأسها السعودية وعندما قلنا أن القضية الفلسطينية تتعرض للتصفية وبدعم وغطاء عربي فهي تتعرض للتصفية وليس" للتسوية" وعندما قلنا من قبل أن كيري يسعى لتصفية قضية حق العودة وتعويض اللاجئين الفلسطينين كنا صادقين فيما نقول

وبالتالي لم يبقى الآن إلا موافقة روسيا وهذا ما سيعمل عليه الرئيس عباس خلال زيارته الى روسيا في هذا الشهر ، وبعد اقناع الجانب الروسي تكون قد أكتملت لعبة الأمم ....

الحل :

- نزع الشرعية عن هذه القيادة فورآ أو وقف المفاوضات

-هبة جماهيرية لرفض تصفية القضية الفلسطينية وهذا واجب وطني وديني وانساني وأخلاقي

-عقد جلسة للمجلس التشريعي الفلسطيني ليقول كلمته ، وعلى الفصائل والاحزاب الفلسطينية الانتقال من حيز الاقوال الى حيز الافعال والوقوف أمام مسؤولياتها

- الى كل لاجئ فلسطيني أنت وقضيتك ومستقبلك ومستقبل أبنائك في خطر السكوت لايعيد الحقوق ، الى الشعب الفلسطيني هل ستقبل في هذا الوقت أيضآ ان تكون" الضحية " أو أن تكون ورقة في لعبة الأمم....

لماذا لاتكون الجمعة القادمة مثلآ جمعة "فلسطين مش للبيع " أو "خطة كيري لن تمر " أو جمعة "لا لتصفية القضية الفلسطينية " وتبدأ الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات وتمدد من جمعة الى جمعة ومن الممكن أن تصل الى الاضربات ،وحتى العصيان المدني كل هذه أمثلة لتصعيد الاحتجاج والمعارضة للتعبير عن رفضنا للمنعطف الخطير التي تمر به القضية الفلسطينية ، وهي ليست ملزمة بل القصد الاعلان عن رفض هذا النهج التصفوي بأي شكل وبأي وسيلة ....

خطة كيري لن تمر ..ونؤكد على إيماننا العميق الذي لايتزعزع بوطنية الشعب الفلسطيني وبالتصدي والصمود والثبات أمام كل المؤامرات ، كما اننا نؤكد على حتمية فشل هذه المؤامرة كما فشلت جميع المؤامرات التي تحاك ضد القضية وضد الشعب الفلسطيني ..

اخر الأخبار