بالصور .. أحدث كتاب فرنسى عن الرجل الأقوى فى العالم «فلاديمير بوتين»

تابعنا على:   16:02 2015-12-13

هو حالياً «بطل» الساحة الدولية بلا منازع، الرجل الذى تتعلق به أعين الجميع، ترقباً أو انبهاراً أو حقداً، لا يبدو الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» رجلاً هيناً، ولا سهل الكسر، فى الوقت نفسه، يصعب على العالم توقع تحركاته، التى تبدو دائماً وكأنها تستند على أساس عميق من الثقة، كما لو أنه يعرف دائماً أكثر مما يعرفه الآخرون، بما يتيح له دائماً أن يتفوق عليهم، ويسبقهم ولو بخطوة واحدة.

 

المسار السرى لـ«الدب الروسى».. الطريق إلى الكريملن بدأ بفك «الشفرة النفسية» للشعب الروسى

رجل يحمل إرث أساطير لاعبى الشطرنج، ودهاء رجال المخابرات السوفيتية، وغموض «الستار الحديدى» الذى طالما كان الغرب يرتطم به فى كل مرة يحاول فيها اختراق الاتحاد السوفيتى، رجل لا يقل إرادة ولا صلابة عن الثلوج الروسية، التى قهرت يوماً ما توحش «هتلر» والطموح الجنونى لـ«نابليون بونابرت»، رجل يدرك جيداً قيمة بلده وثقله فى العالم، وامتداده على عمق التاريخ والجغرافيا، إن «بوتين» يقدم للجماهير العالمية حالياً نموذجاً لرئيس قوة عظمى قبل حتى أن تصل دولته إلى هذه المكانة، إلا أنه على ما يبدو يتصرف باعتبار ما سيكون.

تبدو العلاقة بين الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، والرئيس الروسى الأسبق «بوريس يلتسين»، علاقة غامضة، غير مفهومة، هى مرحلة مفصلية فى تاريخ الصعود السياسى لـ«بوتين»، تولى فيها منصب مدير المخابرات، ثم رئيس الوزراء، ثم رئيس الدولة بعد أن تسلم السلطة من «يلتسين». لكن، من دون أن يكون هناك ما يمكن أن يجمع فعلياً بين الرجلين، لم يفهم أحد كيف يمكن لرجل مثل «يلتسين»، طفح تراخيه وفساده هو والمحيطين به إلى حد الفوضى، يمكن أن يجد ما يربطه بأى شكل برجل فى حزم مدير المخابرات الروسية وانضباطه؟

وقتها لم يكن العالم، ولا الروس أنفسهم، يعرفون الكثير عن «فلاديمير بوتين»، كان وجهاً غامضاً وسرياً بحكم طبيعة عمله فى المخابرات، وهى الطبيعة التى ظلت تضع بصمتها عليه، وجعلت العالم لا يقرأ حالياً بسهولة ما يدور فى ذهنه، لكن من كانوا يعرفون «بوتين» فى تلك الفترة، ويراهنون عليه، هم رجال الجيش الذين عانوا من اندفاع «يلتسين» وتحركاته غير المدروسة فى «الشيشان» التى تعد معقلاً للتطرف والتهديد الإسلامى على الحدود الروسية، كان رجال الجيش ينتظرون من «بوتين» أن ينتشل البلاد من المستنقع «الشيشانى» الذى أغرقها فيه «يلتسين»، وكان رجال المخابرات من جانبهم يعرفون أن رئيسهم لن يتخلى عنهم وأنه سيرسم فى موقعه الجديد رئيساً للبلاد ما يتفق مع مواجهة ما يتوافر لديهم من «معلومات» عن المخاطر التى تحيط بروسيا.

وقتها كان «يلتسين» وجماعة من رجال الأعمال ممن ينتفعون من فساده هو وابنته الكبرى «تاتيانا»، يخشون من الصعود السياسى المحتمل لرئيس الوزراء السابق لبوتين «يفجينى بريماكوف»، واحتمال قيامه بفتح تحقيقات لملاحقتهم بتهم الفساد والكسب غير المشروع، وبدا لهم رئيس المخابرات الشاب رجلاً يمكن الاعتماد عليه لتخليصهم من هذه الورطة، بحيث يمنحونه فى اتفاق غير مكتوب دعمهم للوصول إلى رئاسة الوزراء، وحتى لرئاسة البلاد فيما بعد، مقابل أن يتعهد بعدم المساس بمكاسبهم، وحمايتهم من الملاحقة القضائية، وربما بمنحهم مزيداً من الفرص للتربح فى عهده، كما كانوا يفعلون فى عهد «يلتسين».

الروس شعروا بتقدير لـ«وجه بوتين الحازم» والجاد بعد سنوات من احتمالهم لـ«وجه يلتسين» المترهل والمنتفخ.. ورجال الجيش كانوا ينتظرون منه انتشال البلاد من المستنقع «الشيشانى»

يشهد التاريخ أن «بوتين» التزم باتفاقه فيما يتعلق بـ«يلتسين» وابنته «تاتيانا» فحسب، لكنه لم يرحم أياً ممن أحاطوا بهما، ما إن وصل للسلطة حتى سارع بوضعهم جميعاً تحت سيطرته، وبالتخلص من كل من ظن إمكانية وقوفه أمام القيصر الجديد أو استعراض عضلاته عليه، لقد فهم العالم فيما بعد، عقب سنوات من مراقبة «بوتين» وتحليل أهدافه بعيدة المدى، أنه لم يوافق على تلك «الصفقة» السياسية مع «يلتسين» حباً فيه، ولا رغبة منه فى حماية الفساد، لقد اختار «بوتين» فى تلك اللحظة أن يمنح «يلتسين» الحصانة القضائية ضد ملاحقته بتهم الفساد، لأنه كان يرى أن الخطر الأكبر هو أن يظل ذلك الرجل على رأس السلطة فى روسيا، كانت تلك الحصانة هى ثمن تخلى «يلتسين» عن كرسى السلطة الذى يتشبث فيه فقط خوفاً من أن يجد نفسه فى السجن، بعبارة أخرى، فإن «بوتين» قرر أن يوافق فى تلك اللحظة على أن يترك فاسداً واحداً يفلت بمليارات فساده، حتى لا يرى روسيا كلها تذهب إلى الفوضى والجحيم.

يروى المؤلف الروسى الأصل «فلاديمير فيدوروفسكى»، فى الحلقة الثالثة من كتابه الجديد الذى صدر باللغة الفرنسية تحت عنوان: «بوتين: المسار السرى»، تفاصيل تلك الفترة من حياة الرئيس الروسى القوى، يقول: «فى بداية أكتوبر ١٩٩٩، أصبح «فلاديمير بوتين» على رأس حكومة الرئيس الروسى الأسبق «بوريس يلتسين»، أو كما أصبح الناس يطلقون عليه «القيصر بوريس»، والواقع أن أحداً لم يكن يتوقع أن يعين «يلتسين» مدير المخابرات الروسية على رأس حكومته، وكان الاعتقاد السائد لدى العديد من الوزراء فى تلك اللحظة هو أن «بوتين» لن يظل فى موقعه الجديد رئيساً للحكومة أكثر من ثلاثة أشهر، ما لم يعرفه هؤلاء الوزراء فى هذه الفترة هو أن «يلتسين» قرر أن يخبر «بوتين» وحده دون سواه، بخططه للتقاعد المبكر، والاستقالة من منصب رئيس روسيا».

 

«بوتين».. كوّن معارضة مدروسة فى البرلمان من رجال مخابرات سابقين وسياسيين يتفقون مع رؤيته

ويتابع: «كان قراراً يتعامل معه «يلتسين» باعتباره من أسرار الدولة العليا، لكن «بوتين» نفسه لم يقرر بسهولة ما ينبغى عمله بناء على هذا القرار، لقد كان «يلتسين» رجلاً مندفعاً، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته على الإطلاق، وكان من الوارد جداً أن يتراجع دون سبب ولا سابق إنذار عن قراره، كما فعل عشرات المرات فى عشرات القرارات الأخرى من قبل، لكن وقبل يومين بالضبط من حلول الألفية الجديدة، استدعى «يلتسين» رئيس وزرائه إلى قصر الرئاسة «الكرملين»، من أجل نقل السلطة إليه، يقول «بوتين» إنه لم يكن هناك قط أى تقارب خاص بينه وبين «يلتسين»، ولم يكن من الممكن وصف العلاقات بين هذين الرجلين القائمين على رأس السلطة الروسية، بأنها علاقة ودودة أو بين أصدقاء، لم يشعر «بوتين» بإعجاب ولا بانبهار خاص بـ«يلتسين»، الذى لم يشعر بدوره بأى مشاعر رعاية أو أبوة تجاه «وريثه» فى الحكم، كل من الرجلين كان سياسياً عملياً، براجماتياً، وكانت هذه النبرة تظهر بوضوح خلال تعاملاتهما ومحادثاتهما اليومية، لم يكن «يلتسين» مهتماً بما يظنه فيه رئيس وزرائه، ولا برأيه فيه، لم يكن الرئيس المتداعى يريد من «بوتين» أكثر مما ينتظره من غيره: الطاعة العمياء والمطلقة، لذلك، وعندما قرر «يلتسين» نقل سلطته إلى «بوتين» سأله مباشرة عما إذا كان مستعداً لكى يتحمل مسئولية مصير بلاده، وكان رد «بوتين» المباشر أيضاً: نعم، مستعد!».

 

أغنى رجل فى روسيا وضع ثقله وراء أمريكا.. فلاحقه «بوتين» باتهامات التهرب الضريبى حتى كسره

ويضيف الكتاب: استقال «يلتسين» رسمياً من رئاسة روسيا فى ٣١ ديسمبر ١٩٩٩ معيناً «بوتين» لخلافته فى الحكم، وبعدها بثلاثة أشهر، فى مارس عام ٢٠٠٠، تم اختيار «بوتين» لرئاسة الدولة منذ الجولة الأولى للاستفتاء، دون حتى أن يضطر لتقديم برنامج رئاسى، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، ولا يمكن هنا إنكار أن «بوتين» نجح فى الوصول إلى قواعد عريضة من الناس دون أن يمر بالتيارات السياسية التقليدية فى روسيا، معتمداً خطاباً مدروساً، توجه به إلى عامة الجماهير ليخاطبهم بعبارات تدعوهم إلى «إعادة ميلاد روسيا من جديد، وتأكيد هيبة الدولة وسيادة القانون»، عرف «بوتين» هنا كيف يستخدم كل مهاراته كرجل محنك، يملك أكثر من أداة، وأكثر من وجه، وسرعان ما تعلق الروس بوجهه الذى يتميز بشكل خاص بعينيه الزرقاوين الحادتين، اللتين تداريان وراءهما بروده الواضح، وخواطره السرية دون أن تفصحا عما يمكن أن يثير شغفه أو حنقه، بدا ذلك الرجل وكأنه من غير الممكن فك شفرة ما يريد أو يفكر فيه، أمر طبيعى لو أننا تذكرنا أن «بوتين» بالفعل هو أكثر من رجل فى جسد وكيان واحد، هو أحياناً رجل مخابرات احتك كثيراً بالعالم الخارجى، وأحياناً أخرى، هو نائب محافظ ديمقراطى فى «سان بطرسبرج»، وأحياناً ثالثة هو إدارى محنك وموظف على أعلى مستوى فى قصر الرئاسة الروسى، ثم رئيس للمخابرات الروسية تم تعيينه فى البداية لحماية عائلة «يلتسين» من الملاحقات القضائية والاتهامات بالفساد، فانتهى به الحال فى مكان «يلتسين» نفسه رئيساً للدولة، ولكن، بعد أن أصبح رئيساً للوزراء فى نفس توقيت الحرب الروسية فى الشيشان التى كشفت تهور «يلتسين»، ودفعت قيادات الجيش للاصطفاف وراء «بوتين» للتعامل مع الفوضى التى خلفها سلفه، فى نفس الوقت الذى يواجه فيه باقتدار تشابك المصالح بين المافيا الروسية، والجماعات السياسية فى البلاد، كل هذه الوجوه والتجارب والخبرات اجتمعت فى «بوتين»، ليرى العالم فيه أخيراً، وجه «القيصر» الذى يقف فى مواجهة تلك التحديات الكبرى التى تواجه روسيا فى القرن الحادى والعشرين، لم يكن من الممكن ألا يتعلق الروس بـ«بوتين»، لقد تولى البلاد وهى غارقة فى حالة من الفوضى والجريمة والتمزق، وكان الشعب يعيش إحساساً من المهانة والإذلال، لم يكن الروس يرون على شاشاتهم لشهور طويلة غير وجه «يلتسين» المترهل والمنتفخ، لذلك كان طبيعياً أن يقعوا سريعاً فى حب صورة «بوتين» وهيئته الحازمة الواضحة، التى كان يظهر بها وهو يوجه خطابه للشعب بعد نشرة أخبار المساء، إنه رئيس عرف كيف يقدم معادلة وصورة خاصة لقلوب الناس، وهو الوحيد، كما يرى الخبراء، الذى تمكن تماماً من فهم الكود، أو الشفرة، أو كلمة السر النفسية التى تفتح له أبواب عقل وقلب الشعب الروسى كله، وبتلك الشفرة النفسية عرف «بوتين» كيف يعزز سلطته فى البلاد، دون أن ينسى الدعم الذى قدمه له الجيش ورجال المخابرات والطبقات المؤثرة فى المجتمع، التى ظلت تمثل دعائم استمرار سلطته، أما رجال الأعمال الذين توحشوا فى عهد «يلتسين»، وتصوروا أنهم «يملكون» الرئيس الجديد، وأنه قد يدين لهم بوصوله إلى السلطة، وسيستمر فى حمايتهم بعد الوصول للحكم، فكانت فى انتظارهم مفاجأة من العيار الثقيل: أنهم لن يستطيعوا أبداً أن يحكموا «بوتين» من وراء الستار، ولكن «بوتين» هو من سيحكم قبضته عليهم!، أبرز رجل أعمال من الجماعة الفاسدة التى كانت تحيط بـ«يلتسين»، ممن كانوا ينتفعون من فساده وفساد أسرته، هو رجل الأعمال «بوريس بيريزوفسكى» الذى يمكن وصفه بأنه كان الذراع اليمنى، والأقوى لـ«تاتيانا» ابنة «يلتسين» ذات النفوذ القوى، وأحد أكبر رموز الفساد فى عهد أبيها، اعتمد «بوتين» مبدأ «التصفية السياسية» لخصومه، بحيث لم يكن هناك أى وجود لـ«بيروزوفسكى» فى أى ركن من الساحة السياسية الروسية، وكانت تلك السياسة فعالة إلى الحد أنه فى اللحظة التى سأل فيها البعض «بوتين» عن رأيه فى «بيروزوفسكى»، رد دون تفكير: من هو «بيروزوفسكى»؟ إن «بوتين» رجل يعرف كيف يتحرك بمهارة وثقة فى عالم يحكمه الغموض والظلال، وهو يقيس حجم سلطته دائماً بمدى توسع وامتداد وتغلغل الشبكات التى يكونها من حوله، وهو لم يتردد أيضاً فى توظيف كفاءات ورجال جهاز المخابرات السوفيتى السابق، قائلاً عنهم: «إنه لا بد من الاستفادة بفاعلية من كفاءات رجال المخابرات المتقاعدين»، ودعم «بوتين» أقواله بأفعاله، وحرص على أن يراه الناس وهو يلتقى بانتظام برئيس المخابرات السوفيتية الأسبق «فلاديمير كريوتشكوف» ويستمع منه لآرائه ونصحه، كما صار رئيس المخابرات السابق ضيف شرف دائماً فى الحفلات الرئاسية، وهو تكريم أدبى ومعنوى لم يقتصر على رئيس المخابرات السابق وحسب، وإنما امتد ليشمل رجال المخابرات ككل فى العديد من المناسبات، فى الوقت نفسه، يعرف «بوتين» كيف يوظف الخوف لصالحه لدعم مشروعاته وسياساته فى تشكيل مستقبل البلاد، وهو يفهم جيداً خوف الروس من تردى الأوضاع على أراضيهم بشكل قد يحول روسيا إلى مجموعة من الجزر المنعزلة التى تحكمها المافيا والعصابات ورجال النفوذ، أما «بوتين»، فهو يواجه تلك التهديدات بمزيج من عمله السابق كرجل أمن، ورجل دولة فى وقت واحد: يحدد أمام الناس أهدافه بوضوح ودقة، ثم يعتبر أن كل الوسائل مشروعة لتحقيق تلك الأهداف والخطط، وتلقى سياسته قبولاً واضحاً من الروس الذين يشعرون بالتهديدات والأخطار الخارجية التى تحيط بهم، بداية من المتطرفين الشيشان، والوجود العسكرى لحلف شمال الأطلسى، والمخاطر التى تهدد الاقتصاد الروسى فى كل وقت، كما أن «بوتين» يفهم أيضاً أن الغرب لا يمكنه أن يتعامل مع تدهور الأوضاع فى روسيا فى حالة عدم وجود «قيصر» قوى على قمة الحكم فيها، لكن الواقع أنه على من يريد أن يتوقع الخطوة المقبلة لـ«بوتين»، وأن يرسم شكل تغيرات سياسته المقبلة فى روسيا، فعليه أن ينظر، ليس فقط إلى سيرة «بوتين» الذاتية، ولكن أيضاً إلى نظرته للقيم والمبادئ الأساسية التى قامت عليها الإمبراطورية الروسية فى عز مجدها، عندما كانت تعتبر إمبراطورية مقدسة يحكمها أباطرة تهتز الدنيا لذكر أسمائهم مثل القيصر «إيفان الرهيب» أو «نيكولاس الثانى» أو «بطرس العظيم»، أو الإمبراطورة «كاثرين الثانية» أو الكساندر الأول، إن «بوتين» يريد إعادة إحياء قوة الإمبراطورية الروسية على طريقة هؤلاء الأباطرة العظام، هؤلاء هم من يعتبرهم «مرجعيته» فى حكم البلاد، فى الوقت الذى تفوق فيه فى الحنكة والمهارات والتلاعب السياسى مع الغرب على الرئيس السوفيتى السابق «ميخائيل جورباتشوف»، وأثار بغموضه وسريته مخاوف أكبر من التى كان يثيرها «يلتسين» بتقلباته وعدم وضوحه، سوف يذكر التاريخ أن «فلاديمير بوتين» كان هو الحاكم الوحيد فى تاريخ روسيا الذى بدأ حكمه وجهاً مجهولاً تماماً بالنسبة للناس، لكنه سرعان ما عرف كيف يفرض وجوده ونفوذه وسلطته عبر الإعلام، والأهم، عبر قدرته الفائقة على فك «الشفرة النفسية» للبلاد، النقطة الثانية هى أن «بوتين» يعرف كيف يكافئ أصدقاءه وحلفاءه على دعمه، كما فعل مع رجال المخابرات والجيش، لكنه يعرف أيضاً كيف يؤدب أعداءه أو من يحاولون الوقوف فى مواجهته، ما كشفت عنه مواجهته مع رجال الأعمال الفاسدين فى عهد «يلتسين» وعلى رأسهم «بوريس بيريزوفسكى» كانت تضع وبوضوح قاعدته التالية فى التعامل مع كل رجال الأعمال فى عهده: «لو أنكم التزمتم باللعب وفق قواعدى، فمن الممكن أن أترك لكم بعض المكاسب، لكن فى حالة العكس، فقد انتهى أمركم!»، الواقع أن غالبية رجال الأعمال فهموا جيداً تلك الرسالة، ولم يتردد أغلبهم فى عقد تحالفات مع القيصر الجديد، معتبرين أنه من المقبول تماماً التضحية بجزء من ثرواتهم فى مقابل الحفاظ على باقى الأجزاء الأخرى، الأمر الذى جعل تلك الطبقة النافذة فى البلاد تركع فعلياً على ركبتيها أمام النظام الجديد، لتفقد بذلك جزءاً كبيراً من النفوذ السياسى والاقتصادى الذى كانت تتمتع به فى عهد «يلتسين»، قلائل هم رجال الأعمال الذين حاولوا الوقوف فى وجه «بوتين» وسلطته، أغلب من حاولوا القيام بذلك يعيشون حالياً فى إسبانيا كنوع من المنفى بعيداً عن الأراضى الروسية، وربما كان أشهر هؤلاء الذين حاولوا أن يضعوا رأسهم برأس «بوتين» هو الملياردير الروسى الشهير «ميخائيل خودوركوفسكى»، صاحب شركة «إيوكوس» الكبرى للبلاد، الذى يمكن وصفه بأنه أغنى رجل فى روسيا كلها، صنع «خودوركوفسكى» ثروته أساساً من مجال صناعات البترول والكيماويات، التى يعدها كثيرون المفتاح الأساسى فى أى مستقبل مزدهر لروسيا، كان «خودوركوفسكى» مدركاً لمكانته باعتباره رجل البترول الأول فى روسيا، بالتالى حاول اقتحام عالم السياسة بشكل يفرض به شروطه عليه، ويلعب فيه وفق قواعده ومصالحه الخاصة، على أن الأخطر، أن «خودوركوفسكى» حاول أن يضع ثقله السياسى والاقتصادى لصالح الولايات المتحدة، وليس لصالح الصين كما يريد الاتجاه الرسمى لـ«بوتين»، وسعى لتشكيل «لوبى»، أو تيار وجماعة ضغط فى قلب البرلمان الروسى للتصويت لصالح القوانين والتشريعات التى تصب فى صالحه، فما كان من «بوتين» إلا أن كسر كل محاولات «خودوركوفسكى» للصعود السياسى، جاعلاً منه عبرة لمن لا يعتبر، وتحول الملياردير الروسى فى ليلة وضحاها من الرجل الأكثر ثراء فى روسيا، إلى سجين منذ عام ٢٠٠٤، تلاحقه قضايا واتهامات بالتهرب الضريبى، إضافة إلى قضايا سرقة والتربح بشكل غير مشروع، وهى قضايا ظلت تستنزف طاقته حتى وقت قريب، غادر بعدها روسيا معلناً أنه ليس لديه أى نية فى العودة للعمل السياسى، لم يكن «بوتين» مستعداً لإضاعة وقته طويلاً فى صراعات فردية، بل إنه لم يضع نصب عينيه إلا هدفاً واحداً فى حكمه: إعادة هيبة الدولة، لأن انهيارها كما يقول، هو الذى أدى لكل تلك الفوضى التى تشهدها البلاد، أعاد من جديد ترتيب المشهد السياسى، بحيث أصبحت هناك معارضة مدروسة ومحكومة فى البرلمان، تتكون فى معظمها من رجال مخابرات سابقين، أو من سياسيين شيوعيين يتفقون معه فى الهدف والرؤية، أما الجماعات السياسية غربية الهوى، فتم استبعادها تماماً، وبلا مناقشة، من البرلمان، أما على مستوى الحكم، فاستلهم «بوتين» النظام الذى وضعه الزعيم السوفيتى الداهية «ليونيد بريجينيف»، صار يظهر للعالم أن هناك فى روسيا معسكرين للحمائم والصقور السياسية، يلعبان معاً لإظهار وجود نوع من الشد والجذب أو الصراع السياسى بين معسكر «الحمائم» الذين يقودون نوعاً من التقارب وسياسة عدم المواجهة مع الغرب، ويقوده فى هذه الحالة شريك «بوتين» السياسى «ديميترى ميدفيديف»، فى الوقت الذى يترأس فيه «بوتين» بنفسه قيادة معسكر الصقور الروسية الذى لا يتردد فى استخدام لغة أكثر حدة ومواجهة وعنفاً عند التعامل مع الغرب، ولعب «ميدفيديف» دوره كمعارض من قلب النظام كأفضل ما يكون، واتفق مع «بوتين» على أن يقوما بإظهار خلافات مزيفة بينهما أمام العالم، لكن الواقع أن «ميدفيديف» كان رئيساً للوزراء فى عهد «بوتين»، ثم تبادلا الأدوار من بعد ذلك ليصبح «بوتين» هو رئيس الوزراء فى عهد "ميدفيديف".

 

رئيس الوزراء الروسى

 

المغامرة وحب التحدى صفتا يتمتع بهما رئيس روسيا

 

«ستالين»

 

الرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين مع فلاديمير بوتين

 

«بوتين» فى أحد تدريباته الرياضية

اخر الأخبار