حوار هادئ ... مع الأخ اسماعيل هنية

تابعنا على:   12:59 2014-01-03

د. محمد البحيصي

أخي أبو العبد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....
بداية أود أن أسجل تقديري العالي للجهود التي بذلتموها وحكومتكم في مواجهة أزمة المنخفض الجوي وآثاره القاسية على أبناء غزة الساكنين في قلب أزمات لا تنقضي كموج البحر ، وإن كنت وددت لو أن استعدادات الجهات المختصة لمثل هذا الحدث المناخي المتوقع كانت أكبر وأكثر جدّية ، سيما وأنه كان هناك عامّ من الانفتاح على غزة أبان حكم الإخوان في مصر ، وكان بالإمكان إدخال كل ما تحتاجه قوى الدفاع المدني والسلطات المحلية والبلديات لمواجهة أي طارئ محتمل ...ولكن وكما هي العادة ، بدا وكأن ما حدث كان مفاجأة ، ولا أدري هل يمكن أن تفاجأ ساحة كغزة بشئ ، وهي الساحة المفتوحة دائماً على كل الاحتمالات دونما حدود.....
لقد أظهرت أزمة المنخفض ، التي تزامنت مع أزمة الكهرباء والحصار المستمر على غزة أهمية وضرورة إعادة النظر في سياسات الحكم في غزة مع الجارة الشقيقة مصر ، هذه الضرورة التي تتعدى المسألة المعيشية رغم أنها الأهم لحياة الناس لكونها داخلة في باب رفع الحرج عنهم وهو أصل في الشريعة لتكون ضرورة سياسية واجتماعية وإنسانية ، ولا أبالغ إن قلت إنها مسألة وجودية ...
وأسأل هنا : ما هي الموانع التي تحول دون إعادة النظر في مجمل المواقف من مصر ما بعد الإخوان ...
- أهي موانع واقعية تنظيمية لها علاقة بالارتباط التنظيمي بإخوان مصر وهذه تقتضي الوقوف مع التنظيم هناك ، وربط موقف ) حماس ( بموقف أخوان مصر ، مهما كان هذا الموقف ومهما كانت آثاره ؟
- أم هي موانع ترفض الطريقة التي أزيح بها الرئيس المعزول مرسي وتعتبرها انقلاباً على شرعية الصناديق ، كما يستدعي إلى الذاكرة أحداث غزة سنة 2007 وفق رواية حماس ؟
- أم هي موانع سياسية ترى في ) الحكم الجديد ( في مصر ظاهرة سياسية تعود إلى فترة حكم الرئيس )حسني مبارك ( وهي الفترة التي تعيد )حماس ( إلى المربع الأول في علاقاتها مع مصر وهو المربع شبه الأمني ، وهذا ما ترفضه حماس مقارنة بوضعها فترة حكم الإخوان ؟
- أم هي موانع ذاتية تعيشها حماس وهي تبحث عن جهة قادرة على إحكام الحصار على غزة لزيادة الشعور بالمظلومية ، لأجل كسب بعض التعاطف الداخلي لتعديل رصيدها الجماهيري الذي خسرته طوال سنين حكمها ، في نفس الوقت الذي تتفرد فيه بغزة دون أن يكون هناك حضور مصري يمكن أن يؤثر في مستوى الحراك الجماهيري المضاد ، ويدفعه إلى مستويات تشبه تلك التي جرت في مصر في 30 يونيو ؟
- أم هي موانع مالية لها علاقة بالموقف القطري الرافض لشكل الحكم الجديد في مصر والمناكف للموقف السعودي في سياق لعبة الأمم التي تجري في بلادنا ومطلوب من حماس أن تجاري الموقف القطري لتجاوز أزمتها المالية كما يشاع ؟
وليسمح لي أخي أبو العبد أن أناقش معه هذه الموانع مانعاً مانعاً .....
- المانع التنظيمي : لا تخفي حماس أنها الذراع العسكري لجماعة الأخوان المسلمين وهذا ثابت في ميثاقها التأسيسي ولا أحد يلومها أو يخطئها في انتمائها هذا ....وإنما تقع الملامة والتخطئة حيث يكون ولاء الحركة للجماعة حيث كانت على حساب ولائها الوطني ....وحيث يقع التعارض بين الولائين ، ويقدم الولاء للتنظيم على حساب الولاء للوطن بدعوى أن ) الدولة الإسلامية ( هي دولة الفكرة لا دولة التراب ، ويريدون بالفكرة )الدين( هذه الدعوى التي أساءت للفكرة حين جعلتها في مقابل التراب وفرّطت في التراب ) الوطن ( حيث لم تجعله أولوية في الفكرة ، فدولة الإسلام الأولى في المدينة جعلت من الدفاع عن المدينة نفسها من أولى أولوياتها ، وفرضت على كل مسلم الهجرة إليها لحمايتها والذود عنها وفي هذا حماية للفكرة نفسها ...
ولا تعارض بين الولائين ، ولاء الفكرة وولاء الوطن ، وحيث اتسعت حدود الدولة لتشمل مكة بعد الفتح ، واتسعت حدود الفكرة بما يتناسب مع هذا الاتساع وانقطعت الهجرة ولم تعد المدينة دولة المهاجرين ، وعندما حوصرت المدينة في غزوة الأحزاب ، ورماها العرب عن قوس واحدة ، أراد النبي أن يخفف عن مواطني المدينة بكسر تحالف الأحزاب المعادي وذلك من خلال إعطاء غطفان وهي إحدى قبائل الغزو المشركة ثلث ثمار المدينة مقابل تراجعهم عن حصارها ، كل ذلك حفاظاً على أهل المدينة ورحمة بهم ، ولو وافق الأنصار على هذا لفعل ،حيث كانت الأولوية عند النبي ) صلى الله عليه وسلم ( هي ) الوطن والمواطن ( وليس الفكرة المجردّة لأن الفكرة المجرّدة تذهب إلى عدم قبول الابتزاز ، وعدم تنازل المسلمين وهم الأعلون بحكم إيمانهم وحرمة دفع شيء للأعداء دون طيب نفس ...و النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم كل هذا ، لكنه آثر مصلحة مواطنيه وهو يقوم بعملية موازنة دينية بين المصالح والمفاسد ، بين الخير والشر وهنا يظهر فهم الفرد والجماعة للدين وهو ما يغيب اليوم عن الأكثر من الجماعات التي تدعي المرجعية الإسلامية.
وحين كانت الهجرة إلى المدينة فريضة على كل مسلم وهذه فكرة ، وصار المؤمنون فيها بعضهم أولياء بعض ظلّ بعض المؤمنين حيث هو ولم يهاجر ، فكان أن حرم من ولاية أهل المدينة له ....وهذا يعني أن الولاء كان لمواطني المدينة من المؤمنين دون غيرهم من المؤمنين ممن هم خارجها ، وبهذا يثبت أن الولاء في هذه المرحلة كان للوطن و للفكرة ، لأنه لو كان للفكرة فحسب لكانت الولاية عامة لمن هاجر ولمن لم يهاجر .
" و الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا"
ولو استنصر هؤلاء بأهل المدينة وكان المستنصر عليه ممن بينه وبين أهل المدينة ميثاق أو عهد فإنهم لا ينصرون ، ويقدم الوفاء بالميثاق على نصرة إخوة الدين .
" وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق "
وحتى عدم قتل ) المنافقين ( من قبل النبي ) صلى الله عليه وسلم ( واعتبارهم أصحابه كما وصفهم هو بذلك:
" لا يقول الناس إن محتماً يقتل أصحابه " لدليل قطعي على تقديم مصلحة الوطن على الفكرة ، وحيث كان من المؤكد أن قتلهم كان سيلحق ضرراً بأهل المدينة ، فتجنبه النبي
) صلى الله علية وآله وسلم ( .كي يجنب المدينة صراعاً دامياً وحرباً أهلية ، وضغائن وشحناء و تقاطع لا سبيل لاحتماله ..وفي هذا كفاية لمن أراد الاستبصار ....ولو أردت لأطلت ...
- المانع الواقعي : وهو مانع الانقلاب على شخصية الصندوق...
فأقول : غريب أن يصدر مثل هذا القول عن حركة كانت تعتبر نفسها الحركة الشرعية الأهم في تاريخ فلسطين الحديث حتى قبل أن تصل إلى السلطة في انتخابات تشريعية عام/ 2006 / وذلك من خلال شرعية المقاومة والثورة والحديث عن )الثوابت( وأن شرعية الصندوق جاءت لتتوج تلك الشرعية فحسب ..
علماً أن ) الشرعية الثورية (هي التي أوصلت كل حركات التحرر والثورة في العالم إلى الحرية والاستقلال .
ثم ماذا تقول حماس عن شرعية الصندوق التي أوصلتها إلى الأغلبية في المجلس التشريعي وفي الوقت عينه أوصلت محمود عباس إلى رئاسة السلطة ...هو عين الصندوق الذي أوصل للسلطة برنامجين متناقضين ، برنامج المقاومة وبرنامج التضييع ولا أقول المفاوضات ؟!
غريب أمر هذا الصندوق !!...
ثم ألم ترى حماس أن الملايين التي جاءت بالإخوان وبمرسي ، هي عينها الملايين التي خرجت رافضة للإخوان ولمرسي ، الفارق هو أن الملايين خرجت في المرة الأولى صوب الصندوق ، وخرجت في المرة الثانية صوب الشوارع والميادين والنتيجة في واقع الأمر واحدة وهي أن من قال نعم في الصندوق قال لا في الميدان ...ولا فرق.... وإذا كان الحكم الجديد في مصر متهماً بالمجيء عبر الانقلاب العسكري ، فإن حماس أيضاً متهمة بالاستمرار عبر الحسم العسكري ...والأمر سواء هذا مدعوم بأكثرية في الميادين وببندقية ، وحماس دعمت بكثرة انتخابية وببندقية كان نتيجتها تعطيل المسار الديمقراطي وإبقاء محمود عباس غاصباً للسلطة وللمنظمة ...
- المانع السياسي: الذي يرى في الحكم المصري الجديد امتداداً لعهد مبارك : وسواء صح هذا الكلام أم لم يصح ، فإن حماس ظلّت طيلة عهد مبارك حريصة على مد الجسور والتعاون مع النظام في مصر ، ولم يسبق أن سجلت أي موقف بخصوص شرعيته رغم فضيحة التزوير في انتخابات مجلس الشعب المصري ، ورغم كل المواقف السلبية التي وقفها ذلك النظام ضد غزة لدرجة أن
)إسرائيل ( قد أعلنت ) حرب الرصاص المصبوب ( على لسان وزيرة خارجيتها من القاهرة ...فلماذا الكيل بمكيالين ....هب أن هذا النظام من ذاك النظام فليكن حكمنا عليه كما كان حكمنا على ذاك لأن حكم الأمثال واحد .
- المانع الذاتي : والذي له علاقة بتعظيم الشعور بالمظلومية ، ومن ثم كسب التعاطف ، ومن جهة أخرى عدم السماح بتأثير الوضع والتجربة المصرية على الحالة المتذمرة في غزة وهو ما يمكن أن يعطيها فرصة لتكرار تجربة التمرد على سلطة حماس وهو ما أعلنه قادة حماس وشدّدوا على أن حركتهم جاهزة لقمع أي تحرك شعبي من شأنه أن يستهدف سلطتهم حتى لو انتهى ذلك إلى سفك الدماء ، إن هذا المانع بقدر ما هو مصطنع بقدر ما هو متهافت وآني ويشرع أبواب غزة ويضع مصالح أبنائها البسطاء الطيبين الصابرين في مهب الريح ...فأنت يمكن أن تكون مظلوماً وظالماً في آن واحد وحينئذ تكون لا أنت قادر على كسب التعاطف ولا قادر على الخلاص من لعنة من ظلمت ، فتكون خاسراً في الحالتين ، وهذا ما يبدو عليه الحال مع حماس في غزة ....
- المانع المالي: المرتبط بالموقف القطري : وقد ظلت حماس ترفع شعار : نقبل المساعدة من أية جهة كانت بشرط أن لا تكون مشروطة بموقف يؤثر على استقلالية قرارنا ...ويبدو أن حماس نجحت في تطبيقات هذا القرار مع دول وأنظمة هي في الأصل لم تشترط على حماس ، وليس من نهجها الاشتراط ومثال ذلك سوريا وإيران لكن عندما دخلت حماس في اختبار حقيقي مع لعبة الشروط سقطت ، ليس في مصر وحدها بل وقبل ذلك في سوريا ... والغريب أن هذا الموقف من حماس لا يتناقض مع المبادئ التي قالت إنها تقدمها على المصالح ، بل أيضاً يتناقض مع مصالحها ، وفي هذه المرة يتناقض أيضاً مع المصالح الفلسطينية وبالأخص مصالح أبناء غزة .
أخي أبو العبد ...على امتداد التاريخ الفلسطيني القديم والحديث منذ العرب الكنعانيين وإلى اليوم لم يغامر حاكم أو نظام أو شعب أو قبيلة باستدعاء معاداة سوريا ومصر في آن واحد ومن الآراميين في دمشق إلى الفراعنة في مصر القديمة ، كان الفلسطيني حريص على بناء جسور العلاقات القوية المتينة معهما أو مع إحداهما على الأقل لأن خيره كان يأتي من هناك ، كما أن شره كان يأتي من هناك ....ورحلة سيدنا إبراهيم ) عليه السلام ( من سوريا إلى فلسطين إلى مصر ومن ثم إلى فلسطين خير مثال على ذلك .....والأمثلة كثيرة في الماضي والحاضر ....
فسوريا ومصر هما الرئتان اللتان تتنفس بهما فلسطين ..وهذه هي حتمية التاريخ والجغرافيا التي لا تقاوم ولا ترد ، وقد أولاها الكتاب والسنة عناية خاصة .
وأسألكم وأنا المخلص والحريص على ديمومة الجهاد ، كيف اتخذتم قرار القطيعة مع هاتين الرئتين ....ولماذا وضعتم أنفسكم ومعكم جزء عزيز من شعبنا الفلسطيني في هذا المأزق التاريخي الخطير وهل تتصورون أن البدائل الاصطناعية يمكن أن تحل المشكلة ، وهي بعينها المشكلة ....
الفلسطينيون في حاجة الجميع العربي والجميع الإسلامي والجميع الإنساني ، فلماذا استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وبدل أن تتسعوا للجميع ضقتم وضيقتم على شعبكم و حجرتم عليه ما كان واسعاً.......
أخي أبو العبد ....منذ ما يقرب من عامين وقد هالني انجراف حماس نحو الإخوان ، وتيقني أن هذا بمثابة قرآن بين الفشل والانتصار ، اقترحت في مقال لي على قيادة حماس معادلة تمنيت أن لو تبنوها أو ناقشوها وهي كالتالي :
/// حماس) أكثر( - إخوان )أقل ( ///
وتعني أن تمتد حماس بعنوانها الفلسطيني وتتسع دائرتها أكثر ، وتضيق دائرة الإخوان التي تفتقر إلى العنوان وظلّت عالةً على حماس إلى الحد الأدنى ، وبهذا تستمر حماس وتكبر في نفس الوقت الذي يبقى فيه الإخوان بلا طغيان ولكن ما رأيته بعد ذلك كان على العكس من هذه المعادلة ، وبدل أن يهاجر الإخوان إلى حماس إذا بحماس تتحول وترحل إلى الإخوان في كل مكان ... وشعبنا يظل رهينة أخطاء قادته ويدفع الثمن من وجوده وقضيته ، ونظل نصرخ وكأننا مفاجأون بما يجري علينا!!!
وختاماً ....أتسأل ويتساءل الناس معي : " هل إلى مردّ من سبيل "؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم المخلص
د. محمد البحيصي

اخر الأخبار