إسرائيل والسلام : رؤية من الداخل

تابعنا على:   11:23 2014-01-02

د.ناجى صادق شراب

السلام عملية معقدة ومتشابكة تتعلق بالتصورات والمدركات والصور التي تحملها الشعوب إتجاه الآخري، ولعل من أصعب هذه الصور النمطية المتناقضة والتي تنفى كل منها الآخر الصورة التي يحملها اليهود إزاء الفلسطينيين ، وكذا الفلسطينيون ، فكل منهما يري في ألاخر عدو له، ويحملون صورا عدائية ساهمت فيها حروب كثيرة ، وصراع دموى راح ضحيته مئات الآلاف من المدنيين.وتساهم فيه معتقدات دينية ، تعمق من الفجوة بين أى إمكانية للسلام والتعايش. وعلى الرغم من أهمية هذا البعد في الصراع توجد صورة أخرى قد تفسر لنا لماذا فشلت عملية السلام حتى الأن والتي بدأت منذ عام 1993،والتي لوتوفرت لها البيئة الدافعة والقوية لكانت كفيلة في إستئصال كثير من القيم والتصورات السلبية ، ولأوجدت قوى قوية ومؤثرة لتتبنى السلام خيارا بدلا من خيار الحرب والفناء. وهنا تبدو أهمية قراءة من يصنع السلام ؟ ومن يتحكم في قراراته فى داخل إسرائيل؟ الإجابة على هذين السؤالين تجيب لماذا لم تستجيب إسرائيل للسلام حتى الأن؟ وبصيغة أخرى عندما نتسائل من يتحكم في القرارالسياسى في إسرائيل وخصوصا قرار السلام ، يبرز لنا دور العديد من القوى المهيمنة المتحكمة في صناعة القرار السياسى ، وتبرز لنا الجذور التي تكمن وراء المدركات والتصورات التى يحملها الإسرائيلون إزاء الفلسطينيون والعرب عموما.والمفارقة السياسية انه بدلا من أن تنمو وتكبر النزعة نحو السلام نجد تنامى النزعة نحو الحرب بشن اكثر من حرب على ألأراضى الفلسطينية، فإسرائيل تتعامل مع الأراضى الفلسطينية والشعب الفلسطينى وسلطته بخيار الحرب والقوة وليس بخيار السلام ، فزادت وتيرة الإستيطان والتهويد للأراضى الفلسطينية ، وزادت نسبة الإعتقالات والإغتيالات ، وإقتحام الأراضى الفلسطينيى على مرأى من السلطة وأجهزتها لدرجة أنه قد صورتها وكأنها لا وجود لها ، وهو ألأمر الذي قد افقد الفلسطينيون ألأمل في السلام ، وباتوا ينظرون إليه على انه مجرد وهم وسراب وخيال مع الواقع الإحتلالى الذي تمارسه إسرائيل، وكان يمكن إن تكون النتيجة عكس ذلك تماما لوأن إسرائيل قد مارست خيار السلام ، لكان ذلك كفيلا بتنامى القوى المؤيدة للسلام فلسطينيا وخصوصا في السنوات ألأولى التي لم يكن فيها تأثير للقوى المعارضة ، لكن الذي حدث هو فشل في عملية السلام مما أدى إلى تنامى القوى المعارضة في كلا الجانبين مع تنامى الإتجاهات والقيم التي تدعو للقتل بدلا من السلام . وبقراءة سريعة لمكونات المجتمع الإسرائيلى والقوى المتحكمة في صناعة قرار السلام والحرب ، نجد على رأس هذه القوى النخبة العسكرية وسيادة نزعتها العسكرية ، فإسرائيل وبحكم نشأتها التاريخية تحكمها مجموعة من النخبة العسكرية والإستخباراتية ، وبتحليل التكوين السياسى لهذه النخبة وفكرها نجدها تتبنى مواقفا متشددة إزاء عملية السلام ، وتميل لخيارات الحرب ، وتفضيل السياسات ألأمنية ، والتسلح وفرض سياسات القوة ، والإعتماد على القدرات الذاتية العسكرية على أى إعتبارات أخرى . ولقد ساهم المؤسسون ألأوائل وعلى رأسهم بن جوريون في التاصيل لهذه النزعة العسكرية ، من خلال توسيع حدود الدولة وضم مزيد من ألأراضى ، ولعبت الخبرة التاريخية دورا في هذه النزعة ، ومن أقواله إما أن تبقى إسرائيل قوية ، وإما أن تباد كما في في عهد هتلر، وهذا الذي يفسر لنا حرص إسرائيل على بناء دولة عسكرية قوية ، وإمتلاكها لكافة ألأسلحة بما فيها القوة النووية ، والحيلولة دون بروز أى دولة أخرى قوية ، لأن هذا يشكل تهديدا لها ، وبفضل هذه النزعة تنامت المؤسسة العسكرية لتصبح المؤسسة ألأقوى في إسرائيل ، وعلى الرغم من مدنية النظام السياسى في إسرائيل ، وتبعية العسكر للساسة إلا أن الحقيقة من يحكم إسرائيل هم العسكر ولو بزى مدنى.ويمتد تاثير المؤسسة العسكرية إلى تحكمها أيضا في الحياة الإقتصادية ، وبموازنتها الضخمة . وهذا ما يفسر لنا ايضا صعود الجنرلات للحكم في إسرائيل ، فالإسرائيليون لا يثقون كثيرا في الرؤساء ذوى الخلفية المدنية ، وذلك بسبب التربية العسكرية للإسرائيليين منذ الصغر.وعليه متى يمكن أن نرى إحتمالات السلام عندما يعتقد العسكريون في اهمية السلام كخيار إستراتيجى لأمن وبقاء إسرائيل، وهذا ايضا الذي يفسر لنا لماذا يتم الربط بين السلام والأمن ، وليس السلام مقابل االسلام ،فالعقلية التي تحكم عقلية عسكرية أمنية ، ومن هنا الربط بين السلام وألأمن. وإلى جانب هذه النخبة التي مازالت ترى السلام بعيدأ تلعب قوة المستوطنون الذين بات لهم دورا مؤثرا وحاكما في إسرائيل من خلال تشكيل أحزابا سياسية نجحت في الوصول للحكومة ، وفى الحصول علي عدد من مقاعد الكنيست يتحكم فى مصير أى حكومة مثل حزب بيتنا ، والبيت اليهودى وهى أحزاب إستيطانية ، وبتحليل عقلية المستوطنون يمكن الوقوف على دور القوى المعارضة للسلام ، ويقف على جانب هاتين القوتين القوى الدينية والتي تغذى الإتجاهات المتشددة والرافضة ، والحاقدة علي الفلسطينيين. وفى هذا السياق العام تاتى القيادة السياسية الغير قادرة علي إتخاذ قرار السلام .
دكتور ناجى صادق شراب

اخر الأخبار