الخيارات الأردنية الجديدة نحو القدس
تاريخ النشر : 2017-12-09 12:54

يبدو أن الموقف الأردني القوي هذه الايام نحو القدس سيواجه تحديات جديدة ومختلفة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وإصدار تعليمات رسمية لوزارة الخارجية الأميركية للبدء بإجراءات نقل السفارة الأميركية. يواجه هذا الموقف خيارات صعبة ودقيقة وسط ظروف دولية واقليمية هي الأسوأ منذ احتلال القدس قبل خمسين عاما، وفي مقدمة هذه الظروف نهاية العمق الاستراتيجي العربي الداعم للمواقف الاردنية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وتفكك منظومة دول الطوق التقليدية سواء المتمثلة في سورية أو العراق أو تحييد مصر والنهاية العملية للدعم الخليجي لاقتصادات الصمود والدفاع وتراجع مساحة المناورة الدولية مع تغير خرائط التحالفات.
بدون شك، كانت المواقف الأردنية قبيل القرار الأميركي وبعده وما صاحبها من حركة دبلوماسية هي الاكثر حضورا على المستوى العربي والإقليمي، هناك من يعتقد ان هذا القرار لن يغير في الوقائع على الارض في وضع القدس، وهذا الامر من الناحية الشكلية صحيح، ولكن سيعني الكثير في نهاية اليوم، لن تقدم دول الاتحاد الاوروبي ولا كندا على سبيل المثال على نقل سفاراتها الى القدس قريبا، لكن من يضمن العديد من الدول الافريقية ودول في اميركا اللاتينية أن لا تفعل، ثم تداعيات اليوم التالي اذا ما ذهب الرئيس الأميركي الى طرح تسوية جديدة  قد تفضي الى تصعيد ادوار فاعلين جدد سواء في تحديد مستقبل التسوية، ومستقبل المكانة والادوار الدينية للمدينة المقدسة.
حاول الخطاب الأردني على مدى عقود الصراع والتسوية رغم ما شهده المشروع الأردني في فلسطين من تراجع وانحسار أن يقدم الدليل تلو الدليل على أن شرعية التدخل الأردني في مساعدة الفلسطينيين باقية ولن يحددها لا قرار قمة الرباط 1974 ولا قرار فك الارتباط القانوني والإداري 1988، انطلاقاً من المسؤولية الاردنية التي تشكل مشروعية أخرى في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين تفوق الشرعية القانونية التقليدية. في السياق ذاته، يذهب الملك عبدالله الثاني إلى أن القدس كما هي جوهر الصراع يجب أن تكون جوهر السلام (كتاب فرصتنا الأخيرة)، مذكراً أن مفاوضات (باراك – عرفات) في كامب ديفيد الثانية  (1999) كادت أن تصل إلى حل تاريخي لولا مواقف إسرائيل فيما يخص القدس حيث لم يعرض على الفلسطينيين سوى سلطة إدارية على الأماكن المقدسة في البلدة القديمة، وهو أقل بكثير من السيادة الكاملة على القدس الشرقية التي يطالبون بها، ما دفع الفلسطينيين إلى رفض الصفقة بأكملها، وجاء الرد من الطرف الآخر في تصرف شارون بدخول المسجد الأقصى. في المقابل كانت القدس الشرارة التي تنطلق منها الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
استند هذا الخطاب لفترة طويلة على قدرة الأردن في مخاطبة العالم، وعلى ما لديه من رصيد علاقات مع العالم الغربي تحديداً، إلى جانب قدرة الأردن في التعامل مع السياق الدولي في الكثير من المسائل التي لم تكن متاحة لمنظمة التحرير الفلسطينية في السابق ولا للسلطة الوطنية راهنا، ولعل أبرز الأمثلة على قوة هذه الأطروحة موقف الأردن في مسألة الجدار العازل ومؤخرا في البوابات الإلكترونية.
الخيارات الاردنية الجديدة، رغم انها محدودة ولكنها تحتاج ان تكتشف هوامش المناورة في اربع قضايا اساسية؛ الاولى: توسيع قاعدة المسؤولية في الحماية الثقافية والدينية للقدس الى المسؤولية الدولية والاسلامية وعدم الاكتفاء بالهوامش العربية الضعيفة، الثانية: الولاية الدينية الأردنية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية جزء من المسؤولية التاريخية والدينية والقومية للأردن، وهي رعاية مؤقتة مرتبطة بقيام الدولة الفلسطينية وحل الخلاف على مسألة القدس وبرغبة الفلسطينيين وإرادتهم. الثالثة: رفض المس بحصرية الولاية الدينية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في ضوء الظروف الراهنة، فالمس بهذه الحصرية سيفتح المجال لتعدد الوصاية وسيشكل مدخلاً خطراً لتهديد الأماكن المقدسة ولمساعي إسرائيل في تقاسم الأقصى. الرابعة: العمل مع الفلسطينيين في دعم خيارات التسوية والصمود والمقاومة وتأمين قيادة فلسطينية قوية تتمتع بشرعية حقيقية.

عن الغد الأردنية