في ذكرى رحيل الدكتور حيدر عبد الشافي العاشرة
تاريخ النشر : 2017-09-24 15:56

مع حلول الذكرى العاشرة لترجل الدكتور حيدر عبد الشافي، وغيابه عن المشهد الفلسطيني، تأبى الذاكرة الوطنية إلا أن تتذكر هذا الرمز الوطني الذي يمثله الدكتور حيدر.

وهنا، وفي هذه المناسبة، لا بدَّ للمتابع لما يسمى المسيرة السلمية من خلال مسلسل المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي ترأس الدكتور حيدر في إحدى مراحلها الوفد الفلسطيني في واشنطن في مطلع التسعينيات من القرن العشرين ما يؤكد بعد نظره وإتقانه فن الحوار والتفاوض.

وكان واضحاً أمام الدكتور حيدر أسلوب المفاوض الإسرائيلي المراوغ، والذي يعتبر الاستيطان أساس استراتيجية الحوار، ولأول وهلة، أدرك الدكتور حيدر أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام مع الإسرائيليين في ظل التمسك بالتوسع الاستيطاني، كركيزة أساسية لديهم، ما جعله يقدم استقالته من رئاسة الوفد، لعدم قدرته على التعامل مع تعنت وصلف المفاوض الإسرائيلي.

وفي هذا يقول أحمد عبد الرحمن: (عندما قدم الدكتور حيدر عبد الشافي استقالته من رئاسة وفدنا لم ينم أبو عمار تلك الليلة، حتى أجرى الاتصال مع الدكتور حيدر، وكان يقضي عطلة نهاية الأسبوع عند ابنته التي تعيش في أمريكا، وألح عليه أبو عمار أن يتحرك على الفور إلى تونس، وعرض أن يرسل له طائرته الخاصة قائلاً له: وأنت الأمل فيك كبير يا دكتور حيدر، وأنت ضمير هذا الشعب، وأنا بانتظارك يا خويا، ورد الدكتور حيدر بكل أدب ودماثة أخلاق ولطف: يا أخ أبو عمار، لا فائدة من هذه المفاوضات، إنها مضيعة للوقت بدون وقف الاستيطان.

فرد أبو عمار: يا دكتور، أنا فاهم عليك، ولكن علينا أن نحاول.

وبعد وصوله إلى تونس كان أبو عمار في انتظاره، وكعادته يعانقه ويحتضنه، ويشد على يده ويقول: أنت رفعت رأسنا يا دكتور، وأنت خير مَن يدافع عن هذا الشعب أمام هذا المتطرف روبنشتاين، ويظل أبو عمار يلح على الدكتور حيدر، حتى يسحب استقالته، ودون تأخير يغادر إلى واشنطن).

وهكذا، نتيجة ضغوط كبيرة مارستها القيادة الفلسطينية في تونس، والشارع وأعضاء الوفد والقيادات الوطنية من مختلف الفصائل جعلته يتراجع عن تنفيذ الاستقالة، حفاظاً على الوحدة الفلسطينية التي هي الهم الأكبر.

ويمكن القول: إن الدكتور حيدر عبد الشافي كان بحق بعيد النظر، ويجيد قراءة الأحداث بعمق وبرؤيا ومفهوم وطني، وقادراً على بلورة المواقف الوطنية لصالح المشروع الوطني، وبكل الصدق والأمانة الوطنية، فإن هذا الفارس الوطني استحق لقب المواطن الأول، فهو قائد لا يُشَق له غبار، وإن كان عبد الشافي رحل عنا جسداً، إلا أن صدقه ووطنيته وروحه المعطاءة ستظل تقرع ذاكرتنا الوطنية.