ما قاله العرّاف عن القدس (المتوكل طه)
تاريخ النشر : 2017-07-16 15:24

وما فتئ العرّافُ يردّد تلك النبوءات؛ أن اليبوسي كان مع الأنبياء - عليهم السلام - ومعهم اكتشف الحروف، ونشر التوحيد، وعرف بما سيقع للمدينة. كان مسجده الأول على الجبل، وهناك أقام مُحبّوه نصّاً بصرياً تخليداً لإيمانه وعبادته لله الواحد الوحيد.

وأن من أحفاده مَنْ يراقص الريح والوعول، وهو الذي أرهص للمناديل .. ولكلّ الدبكات ولغات الجسد،  ليكتمل الرعد!

قال : سَتُهدم المدينة وتُبنى ثلاثين مرّة، وإن أقواماً بعيدين سيبنون مدائن تشبه إيلياء كأنها هي هي، ولها اسمها وسورها وأسواقها وحاراتها ومعابدها. وإن ملكة الماء ستدفن أساورها تحت حجر غشيم في أُسّ السور. وإن الماسة الكبيرة سيلقونها ملفوفة بخيوط النمل في المرآة.

وبعد ثلاثة وثلاثين قرناً، من تلك الحادثة ، ستمتلئ البئر الكبيرة بالجثث وستبقى على حالها، كأنها ذبائح الساعة، إلى يوم الساعة. وإن المعبد الكبير سيتهاوى، ويخرقون البرتقالة بقفاف النار والكحل المُبيد.

وقال : ستكون إيلياء عروساً يوم البعث ويوم النصر، وأرضاً للمحشر والمنشر، وسيأتيها المجاور ويتلو كتاب ابن حَجَر وابن هشام والبخاري والمدائح التي تترى لسيدنا النبيّ  ولها ولمحررها الجسور.

ثم ستعلو جدران الفرقة وأقفاص الحجارة والقصبات الخائفة، وسيمنعون الملح عن الجرح، وترتفع المقصلة كل عشرين إلى أن تتبدّل الشواهد، وينسى الطالعون وجهها، وقبل المذبحة الكبيرة ستحزّ الشفرةُ قطنَ الشال الملوّن، وستنتشر عدوى اللحاق بالضباع، وسيعجن الناس العسل مع القفير، ثم تقع صاعقة العنّاب، حتى يمخر الحصان إلى رقبته في الزبدة المخثّرة. ثم تبدأ مركبة الصباح لتمحو بصمة النار عن الأسوار، ويسارعون في بناء المحراب مرّة أخرى، بعد أن يحفروا أربعين وأربعين، ويتدفق العابدون حتى لا يجد النائم مكاناً لغفوته إلاّ على بعد خمسين فرسخاً أو يزيد. ويقول: إن حريق مدينة المسرح الحجري سيشوي زهرَ النوافذ في المدينة، ويلفحها بالرعب والهروب.  وسيجلو الثالثُ جدرانَها بالحنّاء، ويكون توطئة للروح حتى يُعيد الأمر الأول مرةً أُخرى.

وإن كلّ من يعبث بالمدينة سيكون عبرةً قبل البرزخ وعند البعث، فالعبوا بعيداً عنها وعن أيتامها وضحاياها لتتمّ لكم المغفرة. فالمدينة شجرة وأيقونة وآيةٌ لا تؤوّل إلاّ بالمحبة والعدل والحق.

ويقول؛ احذروا البنايةَ الشاهقة التي لا ظلّ لها، والصابونةَ التي لا تُرغي على فروة الغزال، والجُملةَ التي تساوي بين الصياد والطريدة، وتمنح سارقَ الذّرى هواءَ السلام والرسوخ.

والويلُ لمَنْ شهدوا الصّلْبَ ولم يصرخوا، بل تمتّعوا بسرد الحكاية، وانصرفوا.. فسينصرفون إلى جحيم الدنيا قبل الجحيم الأخير.

ويقول: احفظوا غرفةَ القمر ومهدَ الغيمة التي هبطت وانسربت في وسائد البيوت والحاملات،

لكي لا ينزو الوحش على الزرافة. ولا تشربوا الماء المالح لأن دم القراصنة يسير في البحار. وعندما يبلغ العبدُ المرتدّ بيتَ الرخام سترتفع المدينة فوق الهاوية ويبدأ التعب والرحيل، وستكون بكامل غربتها في أعراس الموت الموصولة، وستنمو بقع البشاعة ويغزو الرملُ رئةَ الحواري، حتى ينفجر البركان الصاخب، ويلد مَنْ تصرخ أُمُّه من آلام المخاض، وتتجندل الطيور المعدنية ونافثات الفناء واليباب، عندها سيعود الموتى إلى قبورهم، وينتظرون المشهد الرهيب.

ويقول: سيختلفون على صواع الذهب، ويعود النهر المختفي يضفضف بأسماكه الناعمة في الطرقات، وتعود اللغة والكرنفالات والإماء ورمّانة الأندلس الحاذقة، إلى أن تشيع الفتنة وتجفّ البحيرة.

عندها لن يبقى للمدينة غير معنى واحد يظهر في بابها الرحيم، وسيمشي المُصلّون تحت الصنوبر والنارنج، ويشهدون زواج البنفسج والنور .

وقال: احذروا مَنْ لم يرَ الدم في يد القاتل الذي يصافحه!