خطورة قانون الجرائم الإلكترونية الفلسطيني 2017
تاريخ النشر : 2017-07-14 18:24

في مشهد سوداوي يوضح لنا بجلاء أننا بتنا أمام نظام بوليسي إستبدادي قائم على قمع الحريات العامة وإنتهاك خصوصية المواطنين و تكميم الأفواه ونحر لحرية الصحافة ,أقدمت السلطة التنفيذية الفلسطينية على إصدار القرار بقانون رقم 16 لسنة 2017م بشأن الجرائم الالكترونية والذي يرمي في أخطر مواده إلى منح السلطة التنفيذية غطاءً قانونياً يحميها عندما ترغب في قمع أية أصوات معارضة للحزب الحاكم سواء أكانوا أفراداً او جماعات ، بشكل يمكنها من توقيف أي صحفي أو مواطن عادي على خليفة نشره تقرير أو تغريدة أو مشاركته لمنشور عبر مواقع التواصل الإجتماعي يمس أمن الدولة ونظامها العام ، و كذلك منحها صلاحية طلب حظر المواقع الإلكترونية بضوابط غامضة يتكنفها الريب وعدم الوضوح، و بذلك يضحى هذا القانون في غالبه, بمثابة عصا قرمزية مهمتها إخراس و قمع كل ممارس لحرية التعبير عن الرأي في مجال الحياة السياسة وغيرها، الذي كفلها القانون الاساسي الفلسطيني بموجب نص المادة (19).

نلاحظ أن هذه سابقة أولى من نوعها في مجال التجريم الإلكتروني حيث أن الدول الديمقراطية حينما تسن قوانين الجرائم الإلكترونية، إنما تهدف إلى حماية خصوصية وأمن المستخدمين و ليس انتهاكها بالتجسس عليها كما الحال في بلادنا.

سنسوق بعض المواد التي تدق آخر مسمار في نعش الحريات العامة مع مناقشة خطورتها :

*المادة (20) أ-كل من انشأ موقعا الكترونيا او أداره بقصد نشر أخبار من شأنها تعريض سلامة الدولة للخطر أو نظامها العام او امنها الداخلي او الخارجي يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة او بغرامة لا تقل عن 1000دينار اردني ولاتزيد عن 5000 آلاف دينار اردني.

ب- كل من روج بأية وسيلة تلك الأخبار بالقصد ذاته أو بثها أو نشرها ,يعاقب بالحبس مدة لاتزيد عن سنة او بغرامة لا تقل عن 200 دينار ولاتزيد عن 500 دينار اردني او بالعقوبتين كلتيهما.

فكما نرى استخدم المشرع عبارات فضفاضة وعامة فما مهو المعيار والضابط في كون الأخبار تمس أو لا تمس النظام العام و تعرض أمن الدولة للخطر فالصياغة جاءت بطريقة تحتمل أكثر من وجه تفتح الباب على مصراعيه امام التوسع بتفسير نطاق السلوك الاجرامي على حساب البراءة لغاية التجريم وهذا عيب تشريعي سافر ومتعمد يدلل على سوء نية واضعيه, فالأصل في التشريعات العقابية يقتضي أن تكون واضحة , فالنص التجريمي يجب ان يحدد أركان الجريمة بشكل لا يتكنفه أي غموض أو ريب,ومثال ذلك توجه المشرع حينما عرف الجاني المرتكب لجريمة السرقة قال (كل من أخذ منقولاً مملوكاً للغير دون رضاه وبنية تملكه فهو سارق), في حين أنه فيما يخص التهم الواردة بنص المادة (20) قانون جرائم الكترونية, جاء بصياغة فضفاضة ومطاطة تتسع لادخال سلوكيات عدة ضمن نطاقها وهذا قانونا محظور على اطلاقه, وذلك لأنه في حالة غموض النص كما في حالتنا هذه وعدم جدوى التفسير, نحتكم للأصل العام ألا وهو "الاصل في الأفعال الاباحة "وهو بمثابة يقين وكما هو معلوم قانوناً لا يجوز دحض هذا اليقين الا بناء على يقين مثله ,والا فلا مناص من ابقاء الاصل على ما هو عليه.

فمن غير المعقول بالمطلق أن تلصق هذه التهمة بكل صاحب رأي سواء كان مواطنا بسيطاً او فيلسوفاً أو شاعراً أوأديبا أو رساماً لمجرد أنه لا يروق للسلطان او لمجرد انتقاده لتصرفات النظام الحاكم في حدود ما كفله له الدستور,و الاستناد في اسناد تلك التهمة لوقائع وهمية مستقاة من خيال النيابة العامة غير مؤسسة على حقائق وأدلة ثابتة وبينات دامغة,و أصدق ما يمكن استحضاره في هذا المقام هو التذكير بتهمة سطع نجمها ابان الخلافة العباسية, تهمة تتطابق في كل تفاصليها وظروفها مع التهمة السابق ذكرها, حيث تم استحداث جريمة مطاطة في ماهيتها وسبب ذلك أن فقهاء السلاطين تعمدوا عدم وضع تعريف مانع جامع يوضح ماهيتها واركانها وتركوا والمرجع في التحديد لهوى السلطان ومزاجيته,وأطلقوا عليها وصف "الزندقة",فمن هو الزنديق ؟؟و بمعنى آخر ماهي التصرفات والمسلكيات التي اذا اقدم عليها الشخص يكون زنديقاً بما يستوجب توقيع عقوبة الاعدام ضده؟

في البدايات كان نطاق الزندقة محصور في أتباع الديانات المانوية أو الوثنية والدجالين ومدعو النبوة ثم اصبح يشمل الملحدين وأصحاب البدع وعلى كل من يحيا ما إعتبره المسلمون حياة المجون من الشعراء والكتاب ثم انتهى الامر بأن باتت "الزندقة" تهمه يرمى بها كل مخالف للآراء السائده في زمانه وكل صادح بالحق ومناد بالمحاسبة والعدل ودرء مفاسد السلاطين عن العباد وعلى اثر ذلك تم قتل العديد من الفقهاء والعلماء ممن وقفوا في وجه الاستبداد وظلم الطغاة وجورهم.

وذات ما سبق ينطبق بكامله على نص المادة (40) التي وسعت من مجال حظر المواقع الالكترونية على أوسع نطاق حيث أن المواقع محل القابلية للحظر هي أي مواقع تضع أي عبارات أو ارقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية أو غيرها (مقالات-اخبار ..الخ) من شأنها تهديد الامن القومي أو السلم الاهلي اوالنظام العام او الآداب العامة، كما نرى مصطلحات فضفاضة ومطاطة مرة أخرى،، يقدم طلب الحظر من قبل النائب العام امام محكمة الصلح والتي يجب عليها ان تصدر قرارها قبولاً او رفضاً,في نفس اليوم الذي قدم فيه طلب الحظر أي أن المشرع لم يترك للمحكمة مجال لإعمال سلطتها التقديرية وتمحيص الطلب وتدقيقه خلال مدة زمنية كافية لاتقل عن عشرة ايام مثلاً لكشف أوجه الجدية وعدم الكيدية في طلب النيابة.

المادة (35)

الفقرة 2 للنيابة العامة أن تأمر بالجمع والتزويد الفوري لأي بيانات بما فيها حركة الاتصالات أو معلومات الكترونية أو بيانات المرور او معلومات المحتوى التي تراها لازمة لمصلحة التحقيقات باستعمال الوسائل الفنية المناسبة والاستعانة في ذلك عند الاقتضاء بمزودي الخدمة حسب نوع الخدمة التي يقدمها.

فهذا يعني ان للنيابة العامة الحق في انتهاك خصوصية الاشخاص سواء أكانوا افرادا طبيعين أو اعتباريين بأن تحصل (على أية معلومات وبيانات خاصة بهم) , كبيانات حسابهم الالكتروني وغيرها أو اتصالاتهم الصادرة والواردة وغيرها من المعلومات الخاصة, التي اوردها المشرع هنا على سبيل المثال لا الحصر ,و للنيابة في سبيل الحصول على تلك المعلومات ان تأمر مزودي الخدمات كشركة الاتصالات مثلا, بتزويدها بكل ما يخص المستخدم من معلومات وبيانات خاصة به, و الجدير ذكره هنا ان المشرع عاد مرة اخرى والزم مزودي الخدمات كشركات الاتصالات وغيرها في تزويد الجهات المختصة -اجهزة الامن مثالاً- بجميع المعلومات والبيانات اللازمة التي تساعد في كشف الحقيقة بناء على طلب النيابة العامة او المحكمة المختصة والزمها بالاحتفاظ بالمعلومات الخاصة بالمشترك لمدة لا تقل عن 3 سنوات.