اختلال موازين القوى الإقليمية لا ينتج سلاما عادلا
تاريخ النشر : 2016-06-09 12:41

فى نظريات توازن القوى وقياس قوة الدولة، التى كان لى اسهام كبير فى صياغة نظرية عربية فى اطار الصراع العربى الصهيونى وتطوراته، ومن خلالها أزعم اننى استطعت قراءة المستقبل، وصدق حدسى وتجسدت توقعاتى فى أرض الواقع، وآخر القراءات المستقبلية كتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان: «مناهج قياس قوة الدول وتطور الصراع العربى الإسرائيلي»، لمن يريد أن يقرأه ويراجعه ليعرف أن للمفاوضات أصولا، من حيث الوقت والأطراف والبيئة المحيطة وطبيعة صناع القرار.. إلخ، ومن يعرف ذلك قبل خوض غمار مثل هذه المعركة، يستطيع أن يعرف نتيجتها، ومن يمكنه استعراض قدراته لتحقيق المزيد من المكاسب.

فقد أصبحت القضية الفلسطينية كاشفة لكل الأهداف الخفية لكل الأطراف المتعلقة بهذه القضية دوليا واقليميا بل داخليا. فقد انكشف غطاء الثورات العربية، ولم يلاحظ خلال السنوات الخمس السابقة أى تطورات ولا مواقف ايجابية من هذه القضية فى البلدان التى اندلعت فيها هذه الثورات مثل مصر وتونس (ثورة كاملة) وليبيا واليمن (نصف ثورة)، وسوريا مؤامرة إرهابية مع محاولة الزيف الاعلامى والمال الخليجي، الزعم بأن ما يحدث فى سوريا ثورة. ونتيجة هذا المشهد أن حققت إسرائيل مكاسب كبري، حيث تستهلك الأطراف القادرة على مجابهتها فى صراعات داخلية خاصة فى مصر وسوريا، وكان للدفع الأمريكى لمشهد استيلاء الاخوان على السلطة وركوبهم ثورة 25 يناير لتكون لهم الشرعية السياسية، أثره فى تجسيد مصالح اسرائيل من جانب، ومقدمة لثورة الشعب المصرى مرة ثانية لإسقاط جماعة الإخوان للأبد، والتى أظهرت أنها جماعة إرهابية لا تريد الخير لمصر وجيشها والشعب، بل تريد السلطة وتنفيذ الإرادة الأمريكية ومشروعها الأمريكى الصهيوني، ليصبح مشروعها الاخوانى تابعا للمشروع الاستعماري، وهو الأمر الذى يذكرنا بنشأة هذه الجماعة عام 1928 بدعم وتنسيق بريطانى مباشرين.

والمشهد الحالى هو: (1) خروج القوة العراقية من موازين القوى من عام 2003، بعد الغزو الأمريكى واحتلال العراق وتسليمه لإيران لتتحكم فيه دعما لها وبالوكالة عن أمريكا فى تنفيذ مصالحها مباشرة أو بشكل غير مباشر حسب ما يجرى فى الخفاء.

(2) تراجع القوة السورية، نتيجة اقحام الجيش السورى فى مواجهة قوى الارهاب المدعم اقليميا وصهيونيا واستعماريا (لأمريكا وأعوانها) فى أوروبا.

(3) انهاك الجيش المصرى فى معارك مع الإرهابيين فى سيناء ومحاولة جره لمعارك فى اليمن وفى سوريا.

(4) محاولة حصار القوة المصرية بمجموعة من أزمات الجوار فى ليبيا والارهاب الساكن على الحدود، وفى إثيوبيا حيث سد النهضة وما يمكن أن يجلبه من مشاكل على حاضر ومستقبل البلاد فى سياق إدارة أزمة بصورة سلبية لم تنتج شيئا إلا قبول الأمر الواقع.

(5) اتباع إسرائيل سياسات الهجوم على الأطراف الفاعلة خاصة مصر وسوريا. فهى تضرب الفلسطينيين وقتما شاءت، وتدعم جبهة النصرة فى سوريا، وتدعم الاثيوبيين فى بناء سدهم، بالمال والخبرات. كما أنها تلعب فى العراق لكى لا يكون ظهيرا داعما للنظام السورى على أمل سقوطه. كذلك هى تدعم العلاقات مع تركيا، وكسبتها إسرائيل حليفا استراتيجيا، فى نفس الوقت تركيا مدعومة أمريكيا ضد نظام بشار الأسد، وتصر على دعم الاخوان فى مصر.

(6) محاولات مصر فك الحصار الاستعمارى عليها والهجوم الاسرائيلى من كل الاتجاهات، بالاتجاه شرقا، رغم نجاحه ظاهريا، إلا أنه مكبل داخليا باستمرار هياكل الاقتصاد الرأسمالى المتوحش، دون مواجهة صريحة مع قوى المال والاعلام الخاص الحامى له، ودون استرداد أموال الشعب المنهوبة والمهربة، ودون خلق قاعدة صناعية تحت سيطرة الدولة لتكون داعمة للدور القيادى اقليميا، ودون خلق صيغة وسطية لاقتصاد وطنى حقيقى يستنفر تعبئة موارد الشعب الذاتية والاعتماد على الذات دون التوسع فى القروض، وغير ذلك من معطيات، الأمر الذى يعوق دعم خيارات التوجه شرقا فى السياسة الخارجية، أى دون تغيرات هيكلية فى الاقتصاد الوطني، فإن التوجه شرقا محفوف بالمخاطر ونجاحاته جزئية.

(7) سعى مصر نحو اعادة بناء قواتها المسلحة وتعدد مصادر التسليح والخروج من دائرة التسليح الأمريكي، هو سعى محمود.

فى هذا السياق، فإن الدخول فى خيار السلام الذى بدأه أنور السادات وحافظ عليه مبارك، لم يكن آنذاك يعبر عن انتصار عربى فى 1973، بل كان يعكس مدى الانعزالية المصرية التى أنجبت «سلاما مشوها»، فأنتج ارهابا منظما فى سيناء بلاشك أو جدال، هو دخول فى طريق غير آمن ومحفوف بالمخاطر ولن ينتج عنه الآن سلام عادل وحقيقي. وستستمر إسرائيل فى جنى المكاسب، ونحصد نحن العرب الخسائر بكل أسف. وإلى أن يعتدل ميزان القوي، فإن الحفاظ على الثوابت والتذكير بالقضية بالمنابر، والنهوض الداخلي، قد يكون خيارا أفضل فى هذه المرحلة.

عن الاهرام