في الذكرى السنوية الثانية لرحيل والدي

تابعنا على:   17:41 2019-02-21

نعمان فيصل

أبي الحبيب .. أيها الغائب جسداً، الحاضر روحاً في ذكرى رحيلك الثانية، وأنا أردد:

ذكرى الفقيد تذيبُ القلب من كمد وتلهب النفس أشواقاً بلا همد
عاش الفقيد بعزم لا يزعزعه قصف من الريح أو عصف من الفند

أبي الحبيب .. لقد مرت عليَّ أوقات وأنا أواصل الجهد لأنهي كتاب: (د. حيدر عبد الشافي – الرجل والقضية)، فسألتني: متى تنتهي من هذا الكتاب الذي خطفك عني يا بني بعيداً؟ لكنني يا أبي الآن – لمّا أنهيته بعد أن أختارك الله إلى جواره - أقدمه تحية لروحك الطاهرة، ولأقول لك: ها أنا قد عدت يا أبي؛ لأتذكر سيرتك العطرة وأنت تصعد دوماً في ذرى المسيرة التعليمية الطويلة لتقدم للأجيال قمماً من الصعود:

كنتَ المعلم يمشي صاعداً أبداً صوب الجِنان ولم تقعد ولم تَجدِ
ما كنتَ تركَنُ للدنيا وتعشقُها بل كنت تَنْشدُ وجهَ الواحدِ الأحدِ

إذن .. لتستمر يا أبتي صاعداً في مسيرتك إلى الفردوس بإذن الله، فاليوم في ذكرى رحيلك الثانية لم تغب عن عيني، ولا عن ذاكرتي .. وكيف لي أن أنسى ذاكراك وأنت تسري في دمي ما حييت ؟!! إذن فشقّ طريقَك صاعداً مبتسماً:

شُقّْ الطريق إلى الفردوس مبتسماً وما تشبثتَ بالأموال والسند
أنت المكرمُ في الفردوس يا أبتي أنت العطوف المربي خيرُ معتمد
أنت الصفاءُ ونور الشمس ما سطعت أنت الإباء ورمز العز والنجد
قد عشتَ حراً عزيزَ النفس مصطبراً تلقَى الخطوبَ بقلبِ الواثقِ الجِلد
لك التحيات والأشواق نرفعها في كل يوم نرومُ العونَ والمدد
لا زال ذكرك في الآفاق يغمرنا طيباً يضوع شذى دوماً إلى الأبد
لا زلتَ تملأ أسماعاً وأفئدة تحيا بحبك طول العمر والأمد

أبي الحبيب .. ما أكثر المصاعب في هذه الحياة! وأنا أتذكرك دوماً وأنت تتعامل مع حوادثها بحكمة ودراية، وأنت بيننا، وأتذكر كيف كنت تعالجها، وتخرج منها، وتقفز في مهارة فوق عوائقها.. مبحراً في بحرها اللّجيّ.. وعندما أتذكر كل ذلك أُكبرُ أفعالكَ، وأقف على جميع تصرفاتك؛ لكنني في هذه الذكرى الثانية أكتفي بطرح السلام على روحك الطاهرة داعياً لك ومردداً:

عليك مني سلامُ الله أبعثه يا ابنَ الفضائلِ يجزي الخيرَ مجزيها
أبي الحبيب .. برحيلك شعرت بفراغ ونقص في الأمان، لأنك كنت لي الملاذ.. وأنا أجدك يا أبي مثالاً في العطاء والتضحية.. وأحاول أن أقلدك، إذ كنت:
تبذر العطف للضعاف وداداً وعطاء مما الإله حباكا
وتجوب الساحات تسعى حثيثاً تنشر الخير مردفاً بعطاكا

وتتجدد الذكرى يا أبي الحبيب، حيث لا أنسى جهودك الطيبة في عمل الخير، فكانت مشاعرك أشبه بمجموعة من أوتار حساسة مهيأة دوماً لمشاركة المعوزين معاناتهم وآلامهم فأردد:

لجموع الأيتام أوقفتَ مالاً تمحّي به من العيون شجاها
يا مناراً للعلم يشفي عقولاً ونفوساً من جهلها وبلاها
هل يعبُّ الإنسان من كل لونِ وأخوه مكبّلٌ في دُجاها؟!
وتواسي المحروم تبذل عوناً وأماناً فلبِّ من قد دعاها

وتتجدد الذكرى يا أبي، وأنا ما زلت سادراً في ذكراك العميقة ما بين شوق لحضورك العدمي، وفي ألم لبعادك الأبديّ .. ولا أني في هذه الذكرى أن أردد:

أيُّ مجدٍ يفوق تسبيحَ قلبٍ وضمير يخشى الإله خفيّاً؟
يحمل الكَلّ للضعيف عَواناً ويُعين المحتاج صنعاً ندياً

فلا أملك – يا أبي – إلا أن تكون قدوتي، ومثلي الأعلى، وظلال السنين، وحنين الذكريات لأنك:

تمثّل في صفاتك كلَّ مالي وحبّك مُبحر في كل شاني
جداول نبعك السحري صارت مناهل للقوافي والبيان
عبدتُ الله في عينيكَ سحراً وذقتُ من الرعاية ما كفاني
يجاذبني خيالك في افتراق ويأسرني حنانك في التداني
فنمْ في مقلتيّ وفي فؤادي كلانا في الهوى متعانقان

أبي .. الآن أستطيع أن أجمّع بعض صفاتك السامية، وخصالك النقية، وأخاطبك وأنت بين يدي العادل الرحيم، وأقول:

يا أمير الوفاء والأدب الجمّ رقيق الشعور والومضات
تُفعم الروضَ حين تُفضي إليه من جميل الأفعال والنبضات
في ثياب من التواضع تُصغي وتزيل الأسى وتمسح العبَرات
وتداوي الجراح من بعد همّ صارخ على شطوط حياتي
قد سكبت التحنان ورداً وتمراً بلْسميَّ الإيحاء في العثرات
لك في الخير أفرع باسقات من رحيق الإحساس واللمسات

وفي الختام، لا أملك في هذا المقام إلا الدعوات لروحك الطاهرة دعاءً مستمراً سرمدياً.

اخر الأخبار