قصة قصيرة : ( عندما طار الحمار) !!

تابعنا على:   20:18 2019-02-12

د . عبد القادر فارس

ظل الحمار " كرار " يحلم بأن يطير , فقد كان ينظر للطيور وهي تحلق في السماء بعيدا عن الأرض , وتعيش في أعالي الجبال , وفوق الأشجار , فيحسدها على هذا التحليق , والطير طليق , بينما هو مكبل بالحبال والرسن واللجام , وكل يوم يسير في نفس الطريق , التي يرسمها له صاحبه , دون أن يكون له صديق أو رفيق من باقي المخلوقات , سوى صاحبه " أبو جرار " , وفي أحد الأيام كان على العم أبو جرار , أن يوصل ابنه الأصغر " عمار " الذي بقي وحيدا , بعد وفاة ابنه الكبير جرار , الذي قرر في وقت سابق الهجرة من البلاد , بعد ما حل بها من حروب ودمار , فركب البحر ولكنه لم يعد منذ ذلك اليوم , ولم يعرف له مصير , حيث غرق في أحد البحار .
كان عمار يدرس خارج البلاد , وقرر والده أن يودعه ويصطحبه إلى المطار , ولأن القرية التي يقطنها لم يكن بها سيارة توصلهم أو قطار , فقد قام العم " أبو جرار " , بشد الركاب على الحمار , بعد أن جهز "الكارة" لحمل شنط ابنه , في طريقهم إلى المطار , بينما الحمار في تفكير عميق , كيف يمكن لهذا المجسم الضخم من الحديد أن يطير , وأن يقطع كل هذه المسافات , وأن يطوي الآلاف من الكيلومترات , في القليل من الساعات , وبعد أن وصلوا إلى أرض المطار , قام أبو جرار بفك الكارة عن ظهر الحمار , وتوجه مع ابنه عمار لتوديعه , بينما نسي أن يربط الحمار , فوجدها "كرار" فرصة للتعرف على هذا المكان , وأخذ بالتجوال داخل المطار , وهو مشدوه بهذه الطائرات الضخمة , وهي تحط وتطير , بكل نظام دون أن تصطدم طائرة بأخرى , في الجو , أو على أرض المطار , وازداد عجب الحمار , عندما أقلعت الطائرة التي تقل عمار ومئات الركاب , دون أن ترفرف بأجنحتها كالطيور التي شاهدها في قريته عندما كانت تطير , وأخذ في التفكير والتدبير , كيف يمكن له أن يركب الطائرة ويطير , بعيدا عن الديار والعم أبو جرار , فقرر أن يختبئ في أحد مرائب الطائرات , بعد اقلاع طائرة عمار ,,, بحث أبو جرار عن رفيقه الحمار , لكنه لم يعثر له على أثر , فعاد إلى قريته وهو في حزن شديد , بعد أن ودع ابنه الوحيد , وفقد حماره الصديق العتيق ورفيق الطريق .
في الليل تسلل "كرار " إلى حاوية الحقائب في إحدى الطائرات , وعند موعد اقلاع الطائرة في الصباح , لم يتنبه عمال المطار لاختباء الحمار , وقاموا بشحن الطائرة بالشنط والحقائب , إلى جانب كرار , وبعدها صعد الركاب , وأقلعت الطائرة , وسط اندهاش كبير من الحمار كرار , الذي لاذ بالصمت حتى لا يشعر به أحد , ويواصل رحلته في الطائرة , دون أن يعرف إلى أين تطير , وكيف سيكون المصير , غير أنه بعد ساعة من الطيران , أخذ يشعر بالاختناق والضيق , فما كان منه سوى أن يطلق النهيق ... استغرب الطيار والركاب من هذا الصوت والزعيق , الذي بدأ يسمع داخل الطائرة , وبعد قليل شعر الحمار بالعطش والجوع , فازداد النهيق , وأخذ بالرفس والركل بقوة , وشعر جميع من في الطائرة بالاهتزاز الشديد , وكأنهم في منطقة من المطبات الهوائية , غير أن الطيار لم يشهد في خارطة الطيران , أية مطبات , أو حدوث اضطرابات جوية , بينما كان الخوف يسيطر على الركاب , وشعر الجميع أنهم يقتربون من نهاية المصير , ولم يدرِ طاقم الطائرة , أن كل ما يجري على الطائرة هو من فعل أحد الحمير , الذي قرر في غفلة من عمال المطار أن يطير ,,, وبعد ازدياد الهرج والمرج , والخوف والرعب الذي اجتاح الركاب , ومع ازدياد الركل والنهيق من الحمار كرار, قرر الطيار النزول في أقرب مطار , فهبطت الطائرة وأعلنت قوات الأمن والانقاذ الاستنفار , بعدما أبلغهم الطيار بما جرى وصار , وتقرر اخلاء الطائرة من الركاب , ثم بدئ بإنزال الحقائب والحاويات من بطن الطائرة , والحمار كرار في صمت وذهول مما يجري ويدور , وعندها وصل العمال ورجال الأمن والمنقذون إلى زاوية مظلمة في آخر ركن من الحاوية , عثروا على حمار متكور على نفسه في ذعر وخوف كبير , وقاموا بإنزاله وهم في حالة تعجب وذهول , وتقرر اخذه للتحقيق , وبدأ ضابط الأمن الاستجواب والتحقيق , وبعد التعرف على هوية واسم الحمار , سأله هذا السؤال : هل كان ركوبك الطائرة صدفة , وهل أنك وجدت نفسك هنا هو دون تفكير أو تقدير , أم أنك صاحب القرار , عن سابق دراية واصرار,,, صمت الحمار كرار , واحتار في الاجابة على السؤال , فنهره ضابط الأمن , مطالبا إياه بسرعة الاجابة ,, فتململ الحمار وقال : في الحقيقة كان صعودي للطائرة , محاولة لاكتشاف هذا الطائر الحديدي العملاق , وكيف يطير , ولكن بعد هذه الرحلة الطويلة , وما جرى فيها من أحداث , وما جلبته من خوف للناس , تأكدت أن هذا الاختراع هو من صنع وتفكير الانسان , ولذلك قررت ألا أواصل الرحلة , وبدأت بالركل والزعيق والنهيق , حتى تعود بي الطائرة إلى الأرض ولا تكمل الطريق , وقررت أن أعود لخدمة الانسان صاحب هذا العقل الكبير , وتأكدت أن الحمار سيبقى حمارا , ولن يطير , ولن أكون كبعض البشر في عنادهم , كمثل ذلك الرجل صاحب المثل الأثير , عندما تراهن مع صديقة , عن مخلوق أسود يظهر من بعيد على أحد الجبال, حيث أكد الصديق أن ذلك الشيء هو غراب , بينما أصر صاحبنا العنيد , أنه حمار , ولذلك قررا أن يتم قذف منطقة الجبال بالحجار , فطار الغراب , فقال له ألم أقل لك بأنه غراب , لكن صديقه اصر على عناده , وقال " بل إنه حمار ولو طار " , ولذلك قررت بعد اليوم ألا أطير , وأن أرضى بهذا المصير , خادما للإنسان إلى آخر الزمان .

اخر الأخبار