العقوبات الأمريكية ودور إيران الإقليمى

تابعنا على:   12:57 2018-11-14

د. أحمد سيد أحمد

تحمل الموجة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران التى فرضت فى الخامس من نوفمبر تداعيات كبيرة ليس فقط على الاقتصاد الإيرانى بل أيضا على دور إيران الإقليمى فى المنطقة.

فقد سعت إيران إلى توظيف حالة السيولة والفراغ فى المنطقة العربية عقب ثورات الربيع العربى لتعظيم دورها الإقليمى وتمددها فى المنطقة، وقد اعتمدت فى ذلك على الوفورات المالية التى نجمت عن رفع العقوبات الدولية والأمريكية بعد إبرام الاتفاق النووى فى عام 2015 والإفراج عن أرصدتها المالية فى الخارج واستئناف تصدير النفط, وبدلا من أن يقوم النظام الإيرانى بتوجيه هذه الأموال إلى الداخل وتنمية الاقتصاد المتدهور نتيجة لعقوبات ما قبل الاتفاق النووي, قام باستثمارها فى الخارج والإنفاق على أذرعه العسكرية مثل حزب الله اللبناني, الذى زاد ميزانية مساعداته له من 200 مليون دولار إلى مليار دولار فى عام 2017، وميليشيا الحوثى الانقلابية التى دعمها بالمال والمقاتلين والأسلحة ومنها الصواريخ الباليستية التى قامت بإطلاقها على المملكة العربية السعودية، إضافة إلى دعم عشرات الميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق مثل عصائب أهل الحق والنجباء وغيرهما.

وقد أدى هذا التمدد الإيرانى داخليا إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتدهور مستوى معيشة المواطن وهو ما عكسته الاحتجاجات والمظاهرات المتكررة فى المدن الإيرانية منذ نهاية عام 2017 مرورا باحتجاجات عرب الأحواز ثم احتجاجات طبقة البازار، الداعم التقليدى لنظام الملالي، وذلك احتجاجا على انهيار الريال الإيرانى وتفاقم البطالة وارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر.

وخارجيا أدى التمدد الإيرانى إلى انتشار العنف وعدم الاستقرار فى المنطقة وتصاعد خطر الإرهاب, وتعقد الأزمات العربية فى سوريا واليمن والعراق ولبنان, حيث شكل التدخل الإيرانى دورا سلبيا ومزعزعا للاستقرار وداعما للعنف والإرهاب، فإيران لا تتعامل مع دول بقدر ما تعتمد على الفاعلين من غير الدول فى تنفيذ أجندتها ومصالحها وأهدافها، وهو ما يمثل هدما لمفهوم الدولة الوطنية كما هى الحال فى حزب الله فى لبنان وميليشيا الحوثى فى اليمن والحشد الشعبى فى العراق، كما تتدخل إيران من منظور طائفى لدعم فئة بعينها تحت زعم نصرة المظلوم، وهو ما يغذى الصراع الطائفى فى المنطقة.

ولذلك فإن العقوبات الأمريكية الأخيرة تشكل ضغطا كبيرا على النظام الإيرانى وفى تراجع الدور الإيرانى فى المنطقة، لعدة أمور، أولها: أن تلك العقوبات تعد الأقسى على النظام حيث تطول عصب الاقتصاد الإيرانى وهو النفط، الذى يمثل 70% من موارده، والقطاع المصرفى خاصة البنك المركزى وتعاملات إيران بالدولار، وهى تضاف إلى العقوبات السابقة التى فرضتها الإدارة الامريكية منذ الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى فى مايو الماضي، وظهرت آثار تلك العقوبات فى تدهور العملة الإيرانية وهروب جماعى للاستثمارات الأجنبية حيث خرجت مائة شركة كبرى من السوق الإيرانية مثل توتال وبريتش بتروليم وبيجو وغيرها، وبالتالى تراجعت القدرات المالية للنظام فى الإنفاق على دوره وتمدده فى المنطقة، وثانيها: أن خيارات النظام فى الالتفاف على العقوبات محدودة بشكل كبير، حيث لا تستطيع أوروبا تعويض تلك العقوبات رغم الآليات التى أنشأتها مثل آلية التعطيل وآلية المقايضة التى يصعب تطبيقها على أرض الواقع، كما ان خيارات تهريب النفط تواجه بالرقابة الصارمة من جانب السفن الحربية الأمريكية، وثالثها: العامل الداخلى الضاغط على النظام فى ظل تصاعد حالة الغليان والغضب من جانب الشعب الإيرانى ضد النظام والتى تجسدت فى شعارات: يسقط حكم المرشد، ولا سوريا ولا لبنان وإنما فداك يا إيران، وهو ما يعكس القناعة المتزايدة لدى الشعب الإيرانى بأن النظام هو المسئول عن هذا التدهور بسبب مغامراته فى الخارج وتطويره للبرنامج النووى وتطويره للصواريخ الباليستية ودعم أذرعه فى المنطقة، ولذلك فمن الصعب على النظام أن يسوق هذه المرة حجج أنه يتعرض لمؤامرة خارجية لتبرير عودة العقوبات الأمريكية، خاصة بعد أن رفعت العقوبات فى السابق وقام النظام بتوجيه الأموال للخارج وليس لتنمية الداخل.

النظام الإيرانى يرزح الآن بين مطرقة الداخل وتصاعد الغضب الشعبى مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وبين سندان الضغوط الأمريكية والعقوبات، وهو ما يعنى أنه فى أزمة حقيقية، فإذا انتهج النظام خيار التحدى واستئناف التخصيب فسيواجه بمزيد من الضغوط الخارجية وإذا استمر فى الإنفاق والاستثمار فى دوره الإقليمى والحفاظ على مكتسباته التى حققها فى السنوات الأخيرة فسيواجه بضغوط الداخل, وتصاعد الغضب الشعبى مما قد يهدد شرعية استمرار النظام نفسه. وعمليا انعكس تراجع الدور الإيرانى فى المنطقة فى تقدم قوات الشرعية فى اليمن وهزائم الحوثى المتزايدة وآخرها فى معركة الحديدة، وفى هزيمة الأحزاب الموالية لإيران فى العراق وتصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد النفوذ الإيرانى وإحراق القنصلية الإيرانية فى البصرة، وكذلك فى تقلص الوجود الإيرانى فى سوريا بعد الضربات الإسرائيلية.

النظام الإيرانى براجماتى ولن يتخلى عن دوره الإقليمى ومغامراته بسهولة إلا إذا شعر بتهديد وجوده مع اشتداد وطأة العقوبات والضغوط الداخلية، ووقتها فقط سيلجأ للحوار مع واشنطن، وفقا للشروط الأمريكية, ليس حرصا على مصلحة الشعب الإيرانى وإنما لضمان بقائه واستمراره.

عن الأهرام

اخر الأخبار