المبادرة الوطنية: وجود في الساحة وإخفاق في المنافسة

تابعنا على:   10:44 2018-11-13

سري سمّور

عطفا على موضوعنا/سؤالنا المرقوم سابقا (هل نحن بحاجة إلى تيار ثالث؟!) بدأت بالمبادرة الوطنية الفلسطينية لأنها حديثة العهد في العمل والنضال الفلسطيني نسبيا، ولأنها في معرض حديثنا عن التيار الثالث كانت صريحة في طرحها برفض نهج فتح ونهج حماس، واتخذت لنفسها مكانا خاصا في الحقل السياسي، بل وتعتبر نفسها تيارا ثالثا فعلا.

أما قائمة/كتلة(الطريق الثالث/د.سلام فياض) فسأتحدث عنها في مقال لاحق، بعون الله...كي لا تختلط الأمور الآن.

فالمبادرة الوطنية الفلسطينية رأت أن نهج فتح في المفاوضات وعملية التسوية والتعويل عليها ضمن المعطيات القائمة يقود إلى (الانحدار) وطريقة ونهج حماس (العنيف) تجاه إسرائيل ضمن الموازين والظروف الموجودة يقود إلى (الانتحار).

أي أنها حملت خطابا جديدا، وتسلحت بوجود شخصيات معروفة وطنيا وأكاديميا في بنيتها التأسيسية مثل الراحل د.حيدر عبد الشافي، والذي كان يرأس الوفد الفلسطيني المنضوي تحت الوفد الأردني-الفلسطيني المفاوض في مرحلة( مدريد-واشنطن،1991-1993م) وفاز في انتخابات المجلس التشريعي الأولى في مطلع 1996 ثم استقال من المجلس وكان صريحا في نقده للوضع القائم، والراحل إدوارد سعيد(والذي لم يعلن في حياته عن دوره في المبادرة!) وهو المفكر الفلسطيني البارز، وصاحب الموقف الصريح الرافض لأوسلو، وكتاباته حول أوسلو تعتبر مرجعا مركزيا وحجة قوية للرافضين، وسعيد منتقد لحماس-وإن بدرجة أقل بكثير من نقده لفتح- وهو العامل كأستاذ وباحث في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية...والمنادي في نهاية المطاف إلى حل سلمي للصراع الذي يراه فلسطينيا-إسرائيليا(قبل أن تصبح هذه المفردة شائعة) ضمن تفاهم على (التعايش) و(القواسم المشتركة)...إضافة إلى د.مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة والشخصية الأبرز والأكثر حضورا فيها.

وقد كان إطلاق المبادرة نوعا من الجرأة السياسية لأنها جاءت في خضم انتفاضة الأقصى التي كان فيها نوع من التنافس الصامت بين فتح وحماس في الميدان، وفي وقت كانت فيه الحركتان الكبيرتان قد استعادتا ثقة الشارع والقدرة على الحشد والتجييش في خضم فعاليات الانتفاضة التي صارت ذات طابع عسكري.

وإذا نظرنا إلى عُمر المبادرة القصير وما نافسته من قوى وأحزاب وشخصيات وما واجهته من مشكلات وتحديات وماكنة إعلامية مضادة لا يستهان بها، فإن المبادرة حققت نجاحا ليس بسيطا...لكنه دون الوصول إلى منافسة الثنائي(فتح-حماس) كما سأوضح.

فقد خاضت المبادرة ممثلة بشخص قائدها د.مصطفى البرغوثي انتخابات الرئاسة في 2005 وحصل د.مصطفى البرغوثي على المركز الثاني في قائمة المرشحين، وقد أعلنت الجبهة الشعبية وقتها دعمها له كمرشح للرئاسة.

ولكن المبادرة لم تستطع تكوين تحالف عريض قبيل انتخابات المجلس التشريعي في 25/1/2006م بل ذهب د.مصطفى البرغوثي إلى تشكيل قائمة مع النائب راوية الشوا(توفيت في 2017) والتي حملت اسم(تحالف فلسطين المستقلة) وأعلن مرة أخرى عند تأسيس ذلك التحالف عن الرغبة في كسر الاستقطاب الثنائي(فتح-حماس)...ولكن ذلك التحالف(البرغوثي-الشوا) لم يدم طويلا مع أن القائمة المذكورة استطاعت الفوز بمقعدين.

وقد خاضت الجبهة الشعبية تلك الانتخابات منفردة، فيما تحالفت فدا مع الجبهة الديموقراطية وحزب الشعب(الحزب الشيوعي سابقا)، ولست أدري بالضبط حيثيات أو ما وراء كواليس تشكيل قوائم الأحزاب والقوى اليسارية الفلسطينية، ولكن هذا عكس أزمة اليسار الفلسطيني.

وتمكن تحالف البرغوثي-الشوا من الفوز بمقعدين، وهو عدد المقاعد التي حصلت عليها(البديل) أي تحالف(فدا -ج.د - ح.ش)، فيما حصلت ج.ش على ثلاثة مقاعد، ينبغي أن ننظر إليه من زاويتين؛ الأولى:أن المبادرة الوطنية الفلسطينية كحزب جديد على الساحة الفلسطينية، تمكنت من انتزاع حصة أحزاب وقوى وفصائل عمرها عشرات السنين ولها تاريخ في العمل ضمن مراحل مختلفة من عمر قضيتنا...وقد أثبتت المبادرة أنها فعلا صوت يغرد خارج دائرة الاستقطاب؛ فمثلا القائمة المسماة (البديل) والتي ضمت ج.د وفدا و ح.ش هي حملت اسما لم يكن مقنعا لمجرد أن الشارع الفلسطيني يعرف أن فدا متوائمة في خطابها السياسي وطرحها مع حركة فتح بنسبة قد تصل إلى 100%...فيما أثبتت المبادرة أنها مثل ج.ش لها موقف خاص ومستقل.

ولكن لماذا لم تتحالف المبادرة مع ج.ش التي نالت دعمها في انتخابات الرئاسة؟أم أن مفاوضات وحوارات تمت بين الجبهة و د.مصطفى البرغوثي ولم تكتمل أو تتوج بتحالف أو قائمة انتخابية لاختلاف البرنامج أو التوافق على توزيع المقاعد والحصص، وكيفية التعاطي مع ملفات شائكة كالمقاومة المسلحة وطريقة المشاركة في السلطة، أم كل ذلك؟

الزاوية الثانية:أنه قد ثبت بالصندوق أن المبادرة لم تتجاوز مطلقا كونها حزبا يساريا جديدا، له رأي سياسي واجتماعي، ولكنه يظل محدود التأثير صغير الحجم، وفشل في منافسة الثنائية السائدة (فتح-حماس) بدلالة البون الشاسع بينهما، وبالتالي فإن ما كان في انتخابات الرئاسة، وظهور المبادرة بشخص د.مصطفى البرغوثي منافسا حقيقيا وندا لفتح مرده عدم خوض حماس تلك الانتخابات، ولأن ج.ش دعمت البرغوثي.

ولكن المبادرة خطت لنفسها مكانا على الخريطة السياسية الفلسطينية، يتجاوز كونها مجرد أمين عام ومكتب وشعار وراية، دون حضور ميداني أو تأييد شعبي يذكر من رفح حتى جنين، وهذا حال عدة حركات وأحزاب وفصائل فلسطينية كما نعلم، ممن لا يعرف عنها المواطن الفلسطيني شيئا بل قد يخطئ في ذكر اسمها، وفقط يسمع تصريحات إعلامية غالبا صاخبة وفيها تحيز تصدر عن هذه الأحزاب والحركات!

والنتيجة حتى الآن هي فشل المبادرة الذريع في منافسة (فتح-حماس) على قيادة وتوجيه الشارع الفلسطيني، ومؤخرا يبدو بأن ثمة استيعاب لهذه المعادلة، ولذا رأينا المبادرة تخوض وفق المتاح والممكن انتخابات المجالس المحلية في الضفة الغربية، وقد تتحالف مع فتح -التي يفترض بأنها تطرح نفسها بديلا عنها أو منافسا لها- في بعض المواقع أو تقبل بعض الصفقات، وهذا لا يعيب المبادرة كحزب سياسي يسعى لتحقيق مكاسب ومواقع، ولكن هذا يجعلها تماما خارج فكرة البديل أو التيار الثالث، كما قدمت نفسها، بل هي حزب من الأحزاب الصغيرة التي لها حصة في الخريطة السياسية تسعى لتعزيزها ولو بالتحالف الجزئي مع طرف اعتبرت نفسها منافسا له أو نافسته فعلا في مرحلة سابقة.

وأكرر فكرة أن ما حصلت عليه المبادرة مقارنة مع عمرها الزمني هو شيء كبير ويسجل لها كنجاح لا يستهان به.

وفي المقال القادم سأتحدث عن مزايا وإيجابيات المبادرة، وعن السلبيات، كي تتضح أكثر صورة الفشل أو عدم القدرة لدى المبادرة لمنافسة القطبين.

اخر الأخبار