من غزة والقدس إلى برانسون!

تابعنا على:   14:39 2018-10-20

محمد نورالدين

لم تتردد تركيا في يونيو/حزيران 2017، في إبرام صفقتين خارجيتين مهمتين. الأولى تطبيع العلاقات مع روسيا في 27 منه، والثانية، في اليوم التالي، تطبيع العلاقات مع «إسرائيل».
كانت تركيا قد أسقطت طائرة روسية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. وفي إثرها فرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إجراءات عقابية طالت الاقتصاد التركي وحركة القوات التركية في سوريا؛ واصفاً إسقاط الطائرة بأنه «طعنة في الظهر». في النهاية أطاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو/أيار، أحمد داود اوغلو من رئاسة الحكومة ورئاسة حزب العدالة والتنمية محملاً إياه ضمناً مسؤولية إسقاط الطائرة. وبعدما أحس بوطأة العقوبات، قدم أردوغان اعتذاراً لبوتين مهّد لاتفاقية التطبيع؛ بل بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين أنقرة موسكو لا تزال مستمرة حتى الآن، وشملت اتفاقيات أمنية وعسكرية وأخرى تتعلق بمشاريع أنابيب نفط وبناء مفاعل نووي في مرسين. تغلبت المصالح على المبدئية واضطر أردوغان إلى التنازل والانحناء أمام بوتين.
التطور الثاني كان تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» في التاريخ عينه بعدما كانت تأثرت بمجريات «دافوس» ومن بعدها بحادثة أسطول الحرية عام 2010. ورفعت تركيا جملة من الشروط تضمنت اعتذاراً «إسرائيلياً» والتعويض على ضحايا الاعتداء «الإسرائيلي». لكن المطلب التركي الأبرز كان رفع الحصار «الإسرائيلي» عن قطاع غزة.
بعد سبع سنوات تقريباً امتلأت بشتى المواقف المعادية ل«إسرائيل» كانت الصورة الفعلية كما يلي: تنامٍ متصاعد سنوي للعلاقات الاقتصادية بين تركيا و«إسرائيل» واستمرار التعاون العسكري والأمني، ومن ثم التخلي عن الشرط الأبرز لتطبيع العلاقات وهو رفع الحصار عن غزة.
وقعت اتفاقية التطبيع عن الجانب التركي في أنقرة وعن الجانب «الإسرائيلي» في القدس المحتلة. لم تكتف أنقرة بالتنازل عن شرط رفع الحصار عن غزة الذي رفعته طوال سبع سنوات؛ بل لم تفعل شيئاً بالنسبة لموضوع القدس سوى أنها حشدت العالم الإسلامي في تظاهرات كبرى رفضاً لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل سفارته إلى القدس.
نسوق هذا الكلام بعدما أفرجت أنقرة قبل أيام، عن القس الأمريكي أندرو برانسون. وهي قضية حملت الكثير من التساؤلات. فما عرف بأزمة برانسون بين الولايات المتحدة وتركيا، أدخل البلدين في حرب اقتصادية كادت الليرة التركية تنهار كلية وخسرت الكثير من قيمتها خلال أيام معدودة بعدما هدد ترامب، أردوغان بأنه إذا لم يطلق سراح القس برانسون فسوف تتعرض تركيا لعقوبات اقتصادية وهو الأمر الذي حصل بالفعل وكانت له نتائج سلبية جداً على تركيا.
وكانت المفارقة في ردة فعل أردوغان الذي اتهم واشنطن بشن حرب اقتصادية على تركيا وبأن تركيا ليست جمهورية موز والكلمة الأخيرة للقضاء وليس للسياسة، وهي لن ترضخ للتهديدات، مهدداً بأن لتركيا خيارات أخرى يمكن أن تلجأ إليها بديلاً عن التعاون مع الولايات المتحدة.
بعد شهرين كان المسار القضائي للقضية، يكشف عن وجه سياسي كامل.
في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، كانت السلطة تغيّر القاضي الممسك بملف برانسون في محكمة إزمير. وبعد شهر واحد فقط كانت المحكمة تخفض العقوبة بحق برانسون إلى 3 سنوات و3 أشهر و 15 يوماً، بعدما كان قد طُلب لبرانسون السجن 35 عاماً بتهمة التعاون مع جماعة فتح الله جولين وحزب العمال الكردستاني على صعيدي التجسس والإرهاب. وهي تهم أفضت في حالات مماثلة في هذه الفترة إلى السجن المؤبد للمتهمين بها.
مع ذلك لم يستمر برانسون قيد الإقامة الجبرية المدة التي حكمتها المحكمة وأطلق سراحه بعد سنتين فقط؛ رغم أنه كان يجب أن يبقى وفق الحكم الأخير للمحكمة سنة و3 أشهر إضافية في منزله.
أطلق سراح برانسون وشكر ترامب أردوغان. مع ذلك فما جرى لن يخدع أحداً.

عن الخليج الإماراتية

اخر الأخبار