الأَدْبَ أغلي وأجمل مِن الّذَهبْ

تابعنا على:   01:21 2018-10-18

د.جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

إن الّذَهب يُبَاع ويُشّترَي، ولكن الأَدبْ لا يُباع ولا يشتري؛ فكثيراً ما يجري الحوار اليوم بين الناس في كل مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المنازل، والمدارس، والجامعات، والمنتديات، وفي كل مكان، فتري من بعض الناس شكلاً جميلاً رائعاً في حُسن منظره، وأنيقاً في لباسه، ولكن للأسف إن نطق اختلت نظرة الناس له لأنه لم يتحلى، ولم يتجلى بالأدب؛ وخاصة إن كنت معارضاً لفكرهِ، وتختلف معهُ سياسياً، أو فكرياً الخ...؛ إن الأدب يُجّمِل ويرفع مقام صاحبهِ بين الناس، من خلال حُِسن التصرف منهُ، ومن طِّيب قولهِ، وأخلاقهِ العطرة؛ والإنسان المؤدب يُقابل السيئة بالحسنة، والتي هي أحسن؛؛ ويُخالط الناس ويصبرِ علي أذاهُم، وليس الأدب هو جمال الوجه والقوام فقط!، بل إن ما يرفع قدر الإنسان، ومكانتهُ ويجعلهُ مُحبباً بينهم، هو أن يكون قمة في الأدب، والأخلاق، وبجانب الحُسن والجمال الشخصي؛ فيكون ذلك فضلاً علي فضل، ونورٌ علي نور، كما أن الأدب وعمل الصالحات ترفع مكانة العبد عند رب العباد، ومن ثم عند العباد، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه" تأدّبوا ثم تعلّموا"؛ والله عز وجل خاطب سيدنا محمد رسول الله صل الله عليه وسلم فقال جل جلاله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾؛ فُّخِّلِقّ طهارة القلب والطيبة، والرحمة وعمل الصالحات من الأدب، المُوصل إلي الفضيلة؛ فما أحوج الأمة العربية، والإسلامية اليوم إلي التحلي بالأخلاق الحسنة، والتحلي بحُلة الأدب، قبل العلم، لأن الأدب حينما يتُوج بالعلم النافع فهو مُجمع لخصال الخير في الإنسان، والأدب هو جمال العبد في ظاهره وباطنه، وأخلاقهِ، وكّف جوارحه عن أذي الناس، فيكون إنساناً مهذباً ومؤدباً في كل حركاته وسكناته، وأحوالهِ، ومؤدبًا في هيئته، ومظهره، وفي قيامه وقعوده، وطعامهِ وشرابه، وفي حِلِّه وترحاله، وفي معاملته، بل في جميع شؤون حياتهِ اليومية، ويجب أن يكون الأدب ملازماً للإنسان كّروحهِ لا فلا تُفارقهُ إلا بالموت، وإن الأدب هو تزكية النفس بالتقوي، والفضيلة وحسن الُخلق في كل حال، ومجال، والبعد عن الفجور، والظلم، والعصيان، فمن خلال الأدب تطيب القلوب بالخيرات، والمسرات، وبفعل الصالحات، وبالأدب تبتعد القلوب عن شرورها، وتبتعد النفس وترتقي وتترفع عن سفاسف الأمور؛؛ يقول ابن عبّاس رحمها الله عن الأدب؛ "أطلب الأدب فإن فيهِ الفوائد التالية: فالأدب زيادة في العقل ودليل على المروءة، ومؤنس في الوحدة، وصاحب في الغربة"؛ وقال الأحنف بن قيس: "الأدب نور العقل، كما أن النار نور البصر" وقال ابن حجر: "الأدب (هو) استعمال ما يحمد، قولا وفعلا؛ وعن معاذ - رضي اللّه عنه - قال أوصاني رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بعشر كلمات. قال: "لا تشرك باللّه شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة اللّه، ولا تشربنّ خمرا، فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية، فإنّ بالمعصية حلّ سخط اللّه- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس، وإن أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في اللّه"؛ وجاء عن الأدب في الحديث النبوي الشريف عن رسول اللّه صلّ اللّه عليه وسلّم قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ اللّه تعالى وحقّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغّدَاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران"؛؛ والأدب مع الله ثلاثة أنواع: أحدها: صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة، والثاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره، والثالث: صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه؛ فمن تأدب بأدب الله صار من أهل محبة الله، وقال ابن الُمبارك: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم. وسئل الحسن البصري رحمه الله عن أنفع الأدب؟ فقال: الفقه في الدين. والزهد في الدنيا، والمعرفة بما لله عليك، وقال ذو النون: إذا خرج المريد عن استعمال الأدب: فإنه يرجع من حيث جاء. وتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله، وخطابهم وسؤالهم، كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به فلقد قال سيدنا المسيح عيسي ابن مريم عليه وعلي نبينا أفضل السلام: "إن كنت قلته فقد علمته، ولم يقل: لم أقله، وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب. ثم أحال الأمر على علم الله سبحانه وتعالي بالسر، والعلن"، وكذلك قول إبراهيم الخليل - صل الله عليه وسلم -: الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ولم يقل: وإذا أمرضني، حفظا للأدب مع الله، وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة فأردت أن أعيبها. ولم يقل: فأراد ربك أن أعيبها، وقال في الغلامين: فأراد ربك أن يبلغا أشدهما، ورأس الأدب هو التأدب مع سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، وكمال التسليم، والانقياد لأمره، والقَبول والتصديق بما جاء بهِ، وأما عن أدب وأخلاق رسول الله صل الله عليه وسلم، فلقد كان قرآناً يمشي علي الأرض وكان خُلقه القرآن، فعن عبد اللّه بن بشر - رضي اللّه عنهما - قال: كان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول "السّلام عليكم، السّلام عليكم"، وذلك أنّ الدّور لم يكن عليها يومئذ ستور، (عن حنظلة بن حذيم- رضي اللّه عنه- قال: "كان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يعجبه أن يدعو الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه"، و(عن أنس بن مالك - رضي اللّه عنه - قال: "ما رأيت رجلا التقم أذن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده"، وفي رواية التّرمذيّ قال: "كان النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتّى يكون الرّجل هو يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له"، وإنّ الأدب من صميم وأسس، وجوهر الدّين، والتزام الأدب في الحوار من الإنسان من الفضيلة، ويصفّي ويجُمل سلوك صاحبهِ من كل ما يُشينه أو ينتقُصه، والأدب يجعل النّاس يتحلّون بالمحامد والمكارم ويبتعدون عن المناقص، يجعل الإنسان يحترز عن الخطأ ويتحرّى الصّواب، يهذّب الأخلاق ويصلح العادات، ويحقّق التّقوى في قلب الإنسان؛ والأدب كلهُ خير ولا يأتي إلا بالخير، فعلينا إن أردنا النصر علي عدونا أن نرجع لديننا، ونتأدب بأخلاق سيدنا وحبيبنا وقائدنا نبينا محمد صل الله عليه وسلم، وبرحمته التي أُرسل بها، فلم يكن رحمًة للمسلمين فقط، بل رحمةً للعاملين؛ ولا نظُن أن الدين هو فقط ، العبادات التعبدية من الصلاة والصيام، والزكاة، والحج!؛ بل مع كل ما سبق يلزمنا تطبيق الشعائر والعبادات التعاملية؛ "فالدين المعاملة"، والدين هو الأدب والأخلاق والرحمة والتسامح، والنصيحة، ورد السلام، والتصافح، وليس التخوين والتكفير؛ والّسبُ والشتم لمن يعارضنُا الرأي!!؛ والأدبُ هو فن المعاملة الحسنة والرد الطيب الجيد، وحُسن التّلقّي، والتّعلّم، فمن رزق حُسن الأخلاق والأدب فقد رُزق الخير كله، فارتقي بمقامه، وأدبه فأصبح أعظم من كُلِ الجواهر وسبائك الّفضةِ والَذّهَبْ؛ ومن كان ذو أخلاق وأدب سكن قلوب العباد للأبد.
الباحث والكاتب الصحفي المحلل السياسي، والمفكر العربي والإسلامي

اخر الأخبار