ازدواجية السلطة: حكومة "معارضة" الحكم؟!

تابعنا على:   21:52 2018-10-13

حسن عصفور

نعم... إنها المرة الأولى ليس فقط في تاريخ فلسطين (أرضاً وشعباً) ولكن في المنطقة قاطبةً أن نشهد ازدواجية للسلطة عبر صوت الناخب، وإذ افتخر كل فلسطيني بأنه ينتمي إلى شعب مقاتل عنيد لا يتخلى عن حقوقه الوطنية فوق أرضه، ويعمل جاهداً بكل السبل لقيام دولته المستقلة. فإن الشعب الفلسطيني أينما كان وليس في العالم العربي فحسب بل في الدنيا كلها يفخر بأنه ينتمي إلى شعب مارس الديمقراطية بشكل لا مثيل له على الإطلاق حتى في العالم "الديمقراطي" ذاته.
إذ لا يوجد شعب تحت الاحتلال مدنه مقسمة الواحدة عن الأخرى، عاصمته الأبدية تعيش حصاراً احتلالياً غريباً، فصل الضفة عن القطاع إسرائيلياً، حرية حركة محدودة إلى الحد الأدنى وقد تكون معدومة للبعض، وآلاف خلف سجون الاحتلال الإسرائيلي البغيض، وآلاف المقاتلين المسلحين المنضبطين منهم وغير المنضبطين، سلطة لها أجهزة أمنية لها مسميات عدة...
وجرت الانتخابات وفازت الحركة التي لم تعترف بالسلطة ولا بأجهزتها الأمنية، وجاهرت برفضها المطلق لاتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقيات انتقالية، ورفض مطلق لخارطة الطريق ولاتفاقية معبر رفح، ولكل التزامات السلطة تجاه إسرائيل و المجتمع الدولي... فوز لا سابق له... ليس بفارق مقعد أو اثنين بل أنه فوز لا أعتقد أنه سيتكرر في تاريخنا السياسي المعاصر بهذه السهولة.
أليس من حق الفلسطيني أن يفتخر، بعد اجتياز اللحظة التاريخية الحاسمة، لاختبار الوعي الفلسطيني، ليس باتجاه من يختار للحكم، ولكن كيفية اختياره لذلك في ظل "غابة البنادق" المشرعة، وتحت سقف جبروت الاحتلال الفاشي... دون أن نخدش حياء فلسطين يوم الانتخابات العظيم، وسيكون 25 كانون الثاني 2006 يوماً إضافياً من أيام الإشراق الوطني للشعب الفلسطيني... ولأن العرس مضى بعد إشراق مبهر، وها نحن قاربنا نهاية شهر العسل للعرس الديمقراطي، أصبح لزاماً علينا أن نعود إلى ما يجب أن يكون.. الفرح.. العمل.. المواجهة.. الحل...
فبعد أيام عدة يتسلم المجلس التشريعي "الثاني"، مهامه بعد أداء القسم، يتسلم رئيس الوزراء المكلف من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مرسوماً لتشكيل حكومة "المعارضة" للسلطة الوطنية القائمة، حكومة يشكلها فصيل الأغلبية بالطريقة التي يراها الأنسب لتطبيق رؤياه في إدارة الحكومة... وليس الحكم... لأنه من اليوم التالي للتكليف سنصبح في حالة: حكم برئاسة الرئيس... وحكومة معارضة لسياسة الرئيس... رئيس منتخب مباشرة من الشعب على قاعدة سياسية معالمها تقول بوضوح لا لبس فيه: استمرار الخيار السياسي كنهج لحل الصراع مع إسرائيل (الخيار التفاوضي) على قاعدة الالتزام بكل ما وقعته منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية من اتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، سواء السياسي منها والاقتصادي والشؤون المدنية أو الأمنية منها... وصولاً لالتزام الرئيس بالمطالبة والعمل على تطبيق "خارطة الطريق" بما لها وما عليها (شخصياً لست من مؤيدي خارطة الطريق) بل ان الرئيس أعلن صراحة بأنه ضد "الانتفاضة المسلحة" والعمليات العسكرية (ربما لم يحدد بوضوح أين؟).
ولا أتجاهل أن سياسة الرئيس أيضاً ستشمل نطاق اتفاق مع "حكومة معارضة الحكم" كاستمرار سياسة الإصلاح والتطوير ومكافحة الفساد بكل ألوانه، وتعزيز مؤسسات السلطة، وهيبة القضاء، واحترام مبدأ "الفصل بين السلطات"، وتأكيد أن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي فعل لا بد منه من أجل تحقيق أهدافنا في العودة وتقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف (القدس العربية) إلى جانب العمل لتطوير والارتقاء بمنظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا.
لا أشك في أن الأخ الرئيس سيضمن ذلك وغيره من مبادئ سياسية واقتصادية من برنامجه الانتخابي في خطاب التكليف لرئيس الوزراء المختار... والذي سيكون رئيس وزراء "تاريخيا"... وعندها سنشهد فترة ما بعد شهر العسل، وكل المتزوجين يعرفونها.. ومن لم يتزوج يتابعها.. ومن لا يتابع يسمع عنها...
وهنا... منذ البداية ستبدأ معركة "شد الحبل" هل ستقبل الحكومة خطاب التكليف بأسسه ومبادئه وتصوغ بيانها الحكومي الأول في إطار ذلك؟ أم أنها ستتجاهل الأسس والمبادئ وتصوغ بيانها انطلاقاً من برنامج حماس الانتخابي مع بعض التعديلات اللغوية لمصلحة "التعميم" و"الغموض" كحالة هروبية من عملية صدام سياسي أولية مع الحكم (الرئيس)... وهل يمكن لها أن تذهب للبرلمان مباشرة دون اعتبار لمؤسسة الرئاسة والتي من المفترض أن تتطلع على البيان الحكومي قبل عرضه على البرلمان؟
من هنا.. ومن هذه النقطة، ستبدأ حكاية تأريخ جديد للديمقراطية الفلسطينية... فكيف للعقل الفلسطيني الذي نفتخر به ونغالي بالافتخار إلى درجة "الغرور" أحياناً أن يعبر الحاجز الأول من حواجز "ازدواجية الحكم"؟ (وكأن شعبنا ينقصه حواجز)...
إن الوصول إلى "حل وسط ممكن" مسألة عملية ولها إمكانية واقعية إذا تخلصت الحكومة من كونها حكومة أحد أطراف العمل السياسي إلى أنها حكومة لكل أطراف العمل السياسي... وبأن الالتزامات السياسية السابقة هي اتفاقيات ملزمة بحكم الواقع والقانون الدولي، ويجب على إسرائيل غير الملتزمة بتنفيذها أن تعيد الالتزام بها حتى تصبح ملزمة... بل أن على الحكومة الفلسطينية في الجوهر السياسي أن تتجه نحو خطاب التكليف بوعي وطني للمصلحة العليا لشعبنا حتى لا نبدأ من اللحظة الأولى تشغيل العد التنازلي للأزمات الدستورية القادمة (كفانا الله شرها).
وعلى الحكومة القادمة أن تدرك بعد الاطلاع على القانون الأساسي الذي حدد صلاحيات الرئيس والحكومة، أن المصلحة العليا لا يحددها فقط القانون الأساسي، بل سنجدها أيضاً بدرجة أخرى في المرجعية العليا.. منظمة التحرير بمؤسساتها المختلفة. حيث أن رئيسها هو ذاته رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا أعتقد أن البعض يجهل مدى قوة هذه المسألة التي غابت في لحظة الاندماج الفعلي بين الرئاسات المختلفة التي جسدها الخالد ياسر عرفات (رمز الوطنية المعاصرة) حيث لم نلمس في حينه الحاجة لإبراز عضلات "المرجعية العليا" بل ربما أبرزت عضلات "السلطة الأدنى" لحسابات سياسية بالدرجة الأولى وبالتحديد في إطار إعادة صياغة العلاقة مع الدول الغربية والولايات المتحدة التي كانت ترى في المنظمة صورة غير التي تحب، ورأت في السلطة ما يمكن أن تجده في الحب... فهل ترى حكومة "المعارضة" أهمية لهذه المسألة في إطار عمل الحكومة القادمة؟
وكي لا ننسى فإن الرئاسة التي حاولت أميركا وإسرائيل إضعافها العام 2002 عندما طالبت بإنشاء مؤسسة رئاسة الوزراء، لا تزال أقوى مما نعتقد لأن الرئيس الخالد كان يدرك مدى أهمية الرئاسة في الحكم السياسي، وهو يفسر إصراره منذ اليوم الأول لعودته إلى أرض الوطن، أن ينتخب الرئيس من الشعب وليس من المجلس التشريعي (حسب اتفاق أوسلو). وهو أيضاً ما يفسر قتاله دفاعا عن صلاحيات الرئيس في القانون الأساسي بعد التعديل المطلوب... إنها حقائق حدثت... وليس عيباً أن تدرك الحكومة بأنها ستدير حياة الشعب داخل الوطن وفقاً لسياسة خاصة تراعي هذه الازدواجية ودون أن تنسى المرجعية. وبالإمكان أن تأخذ من ازدواجية الحكم ما هو أكثر إشراقاً لشعبنا ولكن شريطة الابتعاد عن "التعصب" و"التزمت" السياسي والفكري، وتبقي نشر مفاهيم "التعاون" و"التسامح" في الحياة الداخلية من أجل توفير "الأمن والأمان"، والتطور نحو الأفضل ما ننتظره نحن والآخر...
نعم بالإمكان الانطلاق... إذا ما تحررنا من قيود مصطنعة...

http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1d98a7fy31033983Y1d98a7f

نشر في صحيفة الأيام الفلسطينية 2006-02-01

اخر الأخبار